في مشاهدتي مخاطبة وحديث رئيس الوزراء لمزارعي وإداري مشروع الجزيرة أول أمس وجدت إن الرجل يتحدث بإسلوب مختلف عن إسلوبه السابق المتمسكن التائه، فقد لمست فيه إحساس بالثقة بالنفس وكأنما يفتح صفحة جديدة في تعامله مع الموقع الذي يشغله ومع ثقة الشعب السوداني التي أولاه إياها بلا سابق معرفة به. كما إسترجعت زيارته لأسر الشهداء الذين إجتمعوا للقائه بمنزل أسرة الشهيد هزاع ومؤخراً في توبيخه لمحافظ بنك السودان الذي حاول تحدي لجنة إزالة التمكين وكسر قرارها في تحدي واضح. أحسب أن السيد حمدوك قد كان مشغولاً بملفات حقيقة يرى إن لم يكن قد تمكن من حللتها وازالتها عن طريقه لكان قد يئس من تحقيق أي نجاح آخر كرئيس وزراء لثورة مكلفة ولكان قد قدم إستقالته كما ذكر في المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه الحكومة الجديدة مؤخراً. في تقديري ان الملفات التي أولاها حمدوك عنايته الشخصياة والتي كانت تمثل عنده أولويات قصوى أولاها عنايته الخاصة وباشرها بنفسه لدرجة أن شغلته عما دونها ، كان يدرك أهميتها إذ تعبد له الطريق وتتيح له الإختراق المطلوب لتحقيق أي نجاح ممكن في أداء مهمته للعبور بالسودانةبلا شوائب وهي: 1- مسألة إزالة إسم السودان من لائحة الإرهاب وفتح آفاق تواصل السودان مع الأسرة الدولية بعد إنقطاع طويل كان مضراً للغاية، تحديداً مع الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الغربية وقد كان على تصميم وعزيمة في أن يحدث ذلك بأسرع مايمكن ومهما كلف ذلك الأمر. 2- إنهاء الحرب وإحلال السلام على أن يتم ذلك بأي صورة من الصور في هذه المرحلة وان تكتمل ملامحه في فترات لاحقة بشمولية لكل حركات الكفاح المسلح التي لازالت تبطئ الخطى نحو الإندماج في عملية إحلال السلام الشامل حتى يتم الإنخراط في مايليه من ترتيبات وضع أسس الحوكمة في السودان والشروع في ترتيبات أمنية نهائية تفضى لتأسيس جيش سوداني قومي مهني قادر على الإضطلاع بمهامه الوطنية ولتذويب دولة وجبروت الدعم السريع داخل الدولة والذي إن لم يحدث سيكون عقبة مستجدة في التعاون الدولي. 3- كسب التأييد الدولي والحماية للثورة من الخارج وقد تم ذلك بإكتمال عملية إنزال قرار مجلس الأمن بإحالة السودان للبند السادس على الأرض والذي اظن ان السيد حمدوك قد اراد يضمن به في المقام الأول الحماية الدولية لحدود الدولة السودانية المستقلة في 1956 كماهي معروفة في أضابير ومستندات الهيئة الدولية من أي تغول يخشاه وهو أكثر المدركين بعجز السودان عن مناطحة جيران كبار! وقد تم ذلك بألوصول الفعلي لرئيس البعثة الأممية الذي بدأ نشاطه في كل المجالات والإتجاهات وزيارات ولقاءات للإبلاغ بنحن هنا وأكدها بظهور جرئ في الإعلام ليُطَمئِن السودانيين بوجوده ضيفاً كريماً معززاً مرغوباً فيه ومرحباً به وبأسرته الصغيرة التي تصحبه كما ذكر في لقاءه التلفزيوني. أرى أن السيد حمدوك قد أصبح جاهزاُ الآن للعمل بعد أن حجم أكبر معوق للثورة وهو المجلس العسكري الذي قام بمحاصرته بأكثر من إسلوب عبر النجاحات التي حققها في الملفات الثلاثة المذكورة على الرغم من المعوقات والمتاريس التي كانت قد وضعت في طريقه بواسطة القوى التي من المفترض أن تكون قد أتت به لمنصب رئاسة الوزارة والمتمثلة تحديداً في قحت والأحزاب التي سببت كثير من الضرر والكدر للرجل، الذي لم يضمد جراحه في مسيرته لتحقيق أهدافه الثلاثة التي يبدو أن لم يدرك أهميتها إلا شباب السودان صناع الثورة الحقيقين حيث لم يتوقفوا عن دعم الرجل ولو معنوياً بشعار (شكراً حمدوك) في أحلك الأوقات ذلك الشعار الذي ضخ الدم في شرايين الرجل وأيضاً مع الصبر الفائق لتلك الشريحة الشابة على مشقة الحياة حيث يسر ذلك للسيد حمدوك بأن ينال وقته الكافي لتحقيق أهدافه فتلك الشريحة الشابة هي القوى الوحيدة التي إن أرادت سحب البساط من تحت أقدامه لسحبته ولزلزلت الأرض بالخروج للشارع وهي لقادرة … ولكنها لم تفعل ! أحمد مخير – القاهرة