من المُعيب، و المرفوض ان يصبح الإستقطاب العنصري، و القبلي بهذا الشكل الوقح بعد ثورة ديسمبر العظيمة، التي فجرها شباب دون العشرين من العمر ادركوا حيلة نظام الجبهة الإسلامية المجرمة في تفتيت المجتمع السوداني لسهولة السيطرة عليه بضعفه، و إنقسامه، فكان الهتاف " يا مفتري، و مغرور كل البلد دارفور" كان النظام يلعب بهذا الكرت لآخر لحظة من وجوده قبل السقوط عندما روج لفرضية الموساد، و ما ادراك ما ابناء دارفور، و إستهدافهم بالشائعات، و التحريض، و حركة عبد الواحد نور كأداة للعمالة، و الإرتزاق. تكسرت حيل كهنة النظام البائد امام إرادة شباب الثورة فكان الإعتصام دولة السودان الجديد الفاضلة و بدأ الخطر يتهدد الجهل، و الاطماع بأن ميلاد امة قد حان واجباً حاضراً في محراب وطن بلا الوان، فكان التآمر، و الغدر بفض الإعتصام. مشهدين اعتبرهم غاية في الاهمية حيث الفرح، والسرور بالامل الذي ظللنا ننتظره لعقود، ربما يختلف الكثيرين معي لأن حالة الخوف المُمنهج تسيطر عليهم، و تفرض نفسها حيث الخطاب الشعبوي، و توظيف تدني ثقافة الوعي بالسلام، و إستحقاقاته في المجتمع بصورة عامة. * اولها دخول قوات الحركات المسلحة إلي العاصمة، و المدن بسلام، و سلاحهم في غِمده، كأحد مطلوبات الثورة بأن وداعاً للحرب. في هذا الجانب كان يجب ان توضع خطة بشكل قومي لتجوب هذه القوات كل بقاع السودان لا لنشر الخوف، و الرعب، بل ليتعرف الشعب السوداني علي هؤلاء الجنود و تجربتهم في النضال، و ان تكون الملحمة بين الشعب، و الجنود ملحمة حب، و وفاء ليتعرف هؤلاء علي شعبهم بشكل حقيقي بعيداً عن مشاحنات الحرب، و العزلة التي عاشوا فيها لعشرات السنين. كان يجب ان تكون مقرات هذه القوات مزارات، و متحف مفتوح، لعقد السمنارات، و الندوات، و إنطلاق الإحتفالات بميلاد السلام، و لا يمكن لهذا ان يتم بلا إرادة في ظل التشاحن النخبوي، و الاطماع في توظيف خطاب بغيض كريه يستهدف الحرب،و الدمار. في المانيا عندما قرروا الوحدة بإرادة اصبح كل الماضي متحف، و ثقافته تاريخ لأخذ العِبر للإنطلاق نحو المستقبل، فدفع الشعب الالماني 15 مليار دولار من مدخراته لإستحقاق الوحدة، و السلام، و الترحيب بشطرهم الآخر الذي وجد الدفء بعيداً عن برودة الإحتقان، و الجهل. اصبحت ثقافة الوحدة والسلام هي السائدة، فكان الجدار قطعة اثرية توجد في كل متاحف العالم، فشاهدت ذلك بأم عيني في عشرات المتاحف الامريكية الكبيرة حيث توجد قطعة من حائط برلين ترتفع بشموخ لأمتار معلنة ان حقبة من التاريخ المظلم قد إنطوت بلا رجعة. * المشهد الثاني الذي اعاد الامل برغم بشاعته هو تصريح عبد الرحيم دقلو القميئ المليئ حِقداً، و كراهية موروثة من حقبة نظام كهنة الإنقاذ الذي سلاحه القبلية، و تأجيج روح الفتنة، و البغضاء بين مكونات المجتمع، بأن فرق تسد. قلناها مراراً و تكراراً ان الظواهر في طريقها إلي زوال، و ها قد حانت ساعة الصفر. ما ذهب إليه عبد الرحيم دقلو يُثبت قناعة الرجل، و اسرته بإستحالة قبول الشعب السوداني بهذا الوضع الشاذ الذي اتى به و شقيقه و اسرته علي رأس قوة من ابناء الشعب السوداني بالضرورة هي من مقدرات الشعب، و حق اصيل ليتمتع السودان بخدماتهم لأنهم ابناءه، و ملك حصري لشعبه بعيداً عن جهل الإستقطاب القبلي الضيّق، و عقلية نظام الإنقاذ الذي عافه كل الشعب السوداني. كان تصريح دقلو العنصري المشحون بالغباء، و العنجهية العمياء نتيجة لقناعته بإستحالة إختراق مشهد الثورة، و ثوابتها بالجهل، و فرض الامر الواقع بقوة السلاح. طال الزمان او تقاصر، زادت الاطماع، او تناقصت، ستتحرر قوات الدعم السريع التي تُعتبر مليشيا بحكم القيادة القبلية لتكون درع من دروع الوطن، و ستتوظف سواعد جنوده ابناء السودان لخدمة الوطن، و الشعب، و الامة، كما ستتحرر قواتنا المسلحة من كهنة النظام البائد، و حالة الضعف، و الخنوع. هناك فرصة تاريخية ليقترب الشعب السوداني من ابناءه جنود حركات الكفاح المسلح بشكل حقيقي، و ان ينخرطوا في الحياة اليومية بشكل طبيعي ليُطرح الغبن، و نسيان مرارات الحرب، و الموت، و الدمار الي الابد. اتمنى ان يظل كل هؤلاء الجنود الي الابد في الخرطوم و كل مدن السودان و عدم العودة الي مربع الحرب، و ان يكون كل الوطن سكن، و ملاذ لكل ابنائه. واهم من يرى في الامر مشهد وردي شاعري بعيداً عن مآسي التاريخ القريب، و فظاعاته من حرب كانت الاعنف حيث الإبادة الجماعية، و حرق القرى، و المدن. واهم من يغمض عينيه، و يدفن رأسه في الرمال للهروب من الواقع الذي يجب مواجهته بحكمة، و تروي لدفع فاتورة السلام، و إستحقاقاته بكل شجاعة و ثبات. يجب دخول جنود حركات الكفاح المسلح الي مروي، و كل مدن السودان محتفلين، و مباركين بالسلام، و ليس علي طريقة دقلو العنصري المغرور الذي لا يرى في المشهد إلا سواد نيته، و عقلية من صنعه الخربة، و لسان حاله " عليّا و علي أعدائي" وإن دل هذا إنما يدل علي قلة حيلة الرجل، و لقناعته بان المشهد اصبح عصياً علي الجهل، فاراد إجترار الماضي القريب القميئ عله يفلح في الفتنة، و ضرب النسيج الإجتماعي لأن تجارته رابحة تحت افواه البنادق، و فوق جماجم الابرياء. يسابق دقلو الزمن بتصريحه الموتور ليجد حاضنة جديدة عنوانها الفتنة، و غايتها الحرب، و الموت، و الدمار. حقيقة اشفقت علي الرجل من حالة الخوف التي بدت عليه، و هو يستجدي الكسب الرخيص بالعاطفة القبلية، و إستدعاء الكراهية التي رضِعها من ثدي الإنقاذ، و سيّده اللص المعزول الراقص صاحب المؤخرة الماجنة. خاب دقلو، و السؤدد، و الرفعة لشعب السودان العظيم في دارفور، و الشرق، و الشمال، و كردفان، و النيل الازرق، و الوسط. علي اهل مروي دعوة كل ابطال جنود حركات الكفاح المسلح لتصبح مزاراً، و متحف، لتعانُق اهل السودان، و طي صفحات الحرب، و جهل القبلية، و الفتنة، و عزل تجار الحروب اللصوص المرتزقة. ستكون مروي مهبط وحي السودان الجديد بأن كل اجزائه لنا وطن. خليل محمد سليمان