تصريحات عقار .. هذا الضفدع من ذاك الورل    طموح خليجي لزيادة مداخيل السياحة عبر «التأشيرة الموحدة»    السعودية تتجه لجمع نحو 13 مليار دولار من بيع جديد لأسهم في أرامكو    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    عزمي عبد الرازق يكتب: قاعدة روسية على الساحل السوداني.. حقيقة أم مناورة سياسية؟    الحلو والمؤتمر السوداني: التأكيد على التزام الطرفين بمبدأ ثورة ديسمبر المجيدة    هلالاب جدة قلة قليلة..لا يقرعوا الطبل خلف فنان واحد !!    مذكرة تفاهم بين النيل الازرق والشركة السودانية للمناطق والاسواق الحرة    عقار يلتقي وفد المحليات الشرقية بولاية جنوب كردفان    سنار.. إبادة كريمات وحبوب زيادة الوزن وشباك صيد الأسماك وكميات من الصمغ العربي    (شن جاب لي جاب وشن بلم القمري مع السنبر)    شائعة وفاة كسلا انطلقت من اسمرا    اكتمال الترتيبات لبدء امتحانات الشهادة الابتدائية بنهر النيل بالسبت    كيف جمع محمد صلاح ثروته؟    اختيار سبعة لاعبين من الدوريات الخارجية لمنتخب الشباب – من هم؟    حكم بالسجن وحرمان من النشاط الكروي بحق لاعب الأهلي المصري حسين الشحات    شاهد بالفيديو.. القائد الميداني لقوات الدعم السريع ياجوج وماجوج يفجر المفاجأت: (نحنا بعد دا عرفنا أي حاجة.. الجيش ما بنتهي وقوات الشعب المسلحة ستظل كما هي)    المريخ السوداني يوافق على المشاركة في الدوري الموريتاني    شاهد بالفيديو.. مستشار حميدتي يبكي ويذرف الدموع على الهواء مباشرة: (يجب أن ندعم ونساند قواتنا المسلحة والمؤتمرات دي كلها كلام فارغ ولن تجلب لنا السلام) وساخرون: (تبكي بس)    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني أبو رهف يلتقي بحسناء "دعامية" فائقة الجمال ويطلب منها الزواج والحسناء تتجاوب معه بالضحكات وتوافق على طلبه: (العرس بعد خالي حميدتي يجيب الديمقراطية)    شاهد بالفيديو.. بصوت جميل وطروب وفي استراحة محارب.. أفراد من القوات المشتركة بمدينة الفاشر يغنون رائعة الفنان الكبير أبو عركي البخيت (بوعدك يا ذاتي يا أقرب قريبة) مستخدمين آلة الربابة    مصر ترفع سعر الخبز المدعوم لأول مرة منذ 30 عاما    السلطات السعودية تحذر من نقل أو ايواء مخالفي انظمة الحج    هكذا قتلت قاسم سليماني    الكعبي يقود أولمبياكوس لقتل فيورنتينا وحصد لقب دوري المؤتمر    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني في السوق الموازي ليوم الأربعاء    خبير سوداني يحاضر في وكالة الأنباء الليبية عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الإعلام    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    الموساد هدد المدعية السابقة للجنائية الدولية لتتخلى عن التحقيق في جرائم حرب    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    دراسة "مرعبة".. طفل من كل 8 في العالم ضحية "مواد إباحية"    السعودية: وفاة الأمير سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود بن فيصل آل سعود    والي ولاية البحر الأحمر يشهد حملة النظافة الكبرى لسوق مدينة بورتسودان بمشاركة القوات المشتركة    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يترأس اجتماع هيئة قيادة شرطة الولاية    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    ماذا بعد سدادها 8 ملايين جنيه" .. شيرين عبد الوهاب    بيومي فؤاد يخسر الرهان    نجل نتانياهو ينشر فيديو تهديد بانقلاب عسكري    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    بالنسبة ل (الفتى المدهش) جعفر فالأمر يختلف لانه ما زال يتلمس خطواته في درب العمالة    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    من هو الأعمى؟!    اليوم العالمي للشاي.. فوائد صحية وتراث ثقافي    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهويّة والصراع الاجتماعي في السودان (10) والأخيرة ..
نشر في الراكوبة يوم 20 - 03 - 2021


1
ارتفعت في ثورة ديسمبر 2018 شعارات " حرية – سلام- وعدالة – مدنية خيار الشعب"، كما أكدت علي وحدة السودانيين، ورفض الخطاب العنصري كما في شعار " يا العنصري المغرور كل البلد دارفور "، " من كاودا لأم درمان ، كل البلد سودان" ، وارتفعت رايات الوطنية السودانية ، ورفض سياسة "فرق تسد " التي حاول بها النظام الإسلاموي العنصري الدموي لأكثر من 29 عاما تدمير النسيج القبلي والحزبي والاجتماعي في السودان، وأكد ت علي وحدة وتنوع السودان غض النظر عن الدين أو العرق أو اللغة أو الثقافة ، وضرورة التعبير عن ذلك في دولة مدنية ديمقراطية تسع الجميع.
كانت ملحمة الاعتصام أمام القيادة العامة تعبيرا عن وحدة وتلاحم وتضامن السودانيين ، والذي تم فضه في أكبر مجزرة ضد الانسانية ، تتطلب الاسراع في التقصي والقصاص للشهداء ومتابعة المفقودين، وكانت مجزرة فض الاعتصام انقلابا دمويا علي الثورة، و تعبيرا عن استمرار مجازر الإبادة الجماعية وضد الانسانية في دارفور والمنطقتين ، وما جري فيها من حرق وقتل ونهب الممتلكات، وتعذيب وحشي للشباب ، واغتصاب للشابات ، ورمي الشباب وهم أحياء مثقلين بحجارة اسمنتية في نهر النيل ، راح ضحيتها حسب تقريرصادر من البنتاغون 1800 قتيل ، و470 أُعدموا، وتم تنفيذ ذلك بقوة تقدر ب 15 الف (المصدر: US Today.
2
كان حصاد 30 عاما من الاستعلاء الديني والعنصري، وقمع حقوق وهويّة الأقليات القومية كارثيا علي قضية الهويّة السودانية التي كانت تعبيرا عن الصراع السياسي والاجتماعي والثقافي والطبقي والاثني الذي دار منذ بداية الحركة الوطنية الحديثة كما بين ثوار 1924 الذين طرحوا قضية الهوية السودانية أو "شعب سوداني كريم" مقابل " شعب عربي كريم" ، باعتبار أن الهويّة السودانية فيها متسع للجميع داخل الوطن الواحد غض النظر عن الدين أو اللغة أو الثقافة أو العرق ، وتستوعب التنوع التاريخي والمعاصر لشعب السودان. بالتالي كانت قضية الهويّة شكل من أشكال التبرير الايديولوجي لتكريس الأوضاع الظالمة ، كما فعل الاستعمار عندما أثار وعمّق التعرات القبلية والعنصرية ، والانقسام الطائفي ، وخلق طبقات من شبه الاقطاع وكبار الموظفين وزعماء القبائل موالية له ، كما عمّق الصراع بين الإدارة الأهلية والخريجين، والتنمية غير المتوازنة بعزل مناطق الجنوب ، جبال النوبا، جنوب النيل الأزرق ، دارفور، الخ عن الوطن بقانون "المناطق المقفولة"، مما زاد من التهميش التنموي والثقافي واللغوي والديني، رغم ذلك ، استطاعت الحركة الوطنية أن تنهض وتواصل المقاومة حتى تمّ تحرير البلاد من الاحتلال البريطاني – المصري 1956.
لكن بعد خروج الاستعمار ترك تلك القنابل الموقوتة كما في مشكلة الجنوب والتنمية غير المتوازنة، مما أدي لانفجار الحركات في المناطق المهمشة بشكل أكبر بعد ثورة أكتوبر ، ورفض التهميش التنموي والثقافي واللغوي والديني، بعد سير الأحزاب الطائفية والحكام العسكريين في طريق التنمية الرأسمالية والخضوع لشروط البنك وصندوق النقد الدوليين الذي زاد من التحلف وتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية ، والتنمية غير المتوازنة، والحل العسكري لمشكلة الجنوب، وعدم الاعتراف بالفوارق الثقافية واللغوية والدينية ، والاستعلاء الديني واللغوي باسم العروبة والإسلام ، مما أدي لتمزيق وحدة البلاد ، وانفصال جنوب السودان.
3
كان من أخطر الحركات التي مزقت وحدة البلاد باسم الإسلام حركة الإخوان المسلمين التي اتخذت اسماء مختلفة ( جبهة الميثاق، الجبهة القومية الإسلامية، المؤتمر الوطني الذي انقسم منه الشعبي) الذي كرّس الاستعلاء الديني والعنصري، واتخذت الإسلام غطاءا ايديولوجيا لخدمة مصالحها الطبقية والدنيوية..
: هذا فضلا عن فساد تجربة ورجعية الدولة الدينية في التجارب المعاصرة مثل: افغانستان والسودان وايران والعراق والتي كانت مثالا لمصادرة حقوق الانسان ونهب وتدمير موارد البلاد الاقتصادية لمصلحة فئات رأسمالية طفيلية قليلة، وفشلها في تقديم أبسط الخدمات مثل : التعليم والصحة والكهرباء والماء.الخ، وافقار الغالبية العظمي من الشعب، وتمزيق وحدة البلاد كما تم بفصل جنوب السودان، وتدمير الآثار الثقافية وإبادة الأقليات القومية ومصادرة حقها الديني والثقافي واللغوي كما فعلت طالبان و"داعش" ، وانتهاج سياسات فتحت الطريق للتدخل الاجنبي وفقدان نلك البلاد لسيادنها الوطنية، وبالتالي لم تقدم نماذج جاذبة لفكرة الدولة الدينية باسم الاسلام.
4
بعد انقلاب 30 يونيو 1989 ، وباسم الهويّة الحضارية الإسلاموية تمّ نهب ثروات البلاد لمصلحة الطفيلية الإسلاموية، وكانت مصادر النهب وتركيز الثروة من : نهب اصول القطاع العام عن طريق البيع أو الايجار أو المنح باسعار بخسة لأغنياء الجبهة أو لمنظماتها.الخ واصدارقانون النظام المصرفي لعام 1991م، والذي مكن لتجار الجبهة ولمؤسساتها من الهيمنة علي قمم الاقتصاد الوطني وامتصاص الفائض، مما ادي الي فقدان الثقة في النظام المصرفي ، اضافة الي اجراءات تبديل العملة وتحميل المودعين التكلفة بخصم 2% من ارصدتهم، وحجز 20% من كل رصيد يزيد عن 100 ألف جنية امتدت اكثر من عام ، وانتهاك قانون واعراف سرية النظام المصرفي وكشف القدرات المالية لكبار رجال الاعمال امام تجار الجبهة الاسلامية ، اضافة لتسهيلات والرخص التجارية من وزارة التجارة والبنوك التجارية والاعفاء من الضرائب، والاستيلاء علي شركات التوزيع الأساسية وتمليكها لتجار وشركات الجبهة الاسلامية، والمضاربة في العقارات والاراضي والاستثمار في مشاريع الزراعة الآلية والثروة الحيوانية واستيلاء شركات ومؤسسات الجبهة الاسلامية علي مؤسسات تسويق الماشية، وعائدات الذهب والبترول التي تقدر بأكثر من 100 مليار دولار ، والتعليم والصحة ( استثمارات د. مامون حميدة) والذين اصبحا سلعة ومصدرا من مصادر التراكم الرأسمالي. ومن الأمثلة للنهب : طريق الانقاذ الغربي الذي وصل قمة النهب ، وافقار المزارعين عن طريق نظام السلم أو الشيل والضرائب والجبايات التي لم يشهدها السودان، الا في العهد التركي، اضافة الي أنه من مصادر التراكم والدعم لهذه الفئة : راس المال الاسلامي الذي دخل البلاد في التسعينيات من القرن الماضي، والذي قدرته بعض المصادر ب 6 مليار دولار، وأسهم في دعم النظام ومؤسساته الاقتصادية والمالية والحربية.
( للمزيد من التفاصيل : راجع : تاج السر عثمان : تجربة الإسلام السياسي في النهب وتركيز الثروة، الحوار المتمدن ، 6 / 4/ 2012)..
* الشاهد أن هذه المصادر جاءت تييجة للنهب الاقتصادي والقمع السياسي، بحيث احتكرت الجبهة الاسلامية (المؤتمر الوطني) الثروة والسلطة والعمل السياسي في البلاد، وحدثت أزمة اقتصادية عميقة وتدهور في الأوضاع المعيشية ، وتمزيق وحدة البلاد بانفصال الجنوب نتيجة للاستعلاء العنصري والديني ، وأدي لانفجار ثورة ديسمبر 2018 التي أطاحت برأس النظام ، وما زالت الجماهير تواصل ثورتها ضد انقلاب اللجنة الأمنية لنظام البشير حتى تحقيق أهداف الثورة.
بالتالي ، من المهم بعد الثورة مواصلة التفكيك الكامل للتمكين واستعادة كل تلك الأموال المنهوبة .
منذ تأسيس تنظيم الإخوان المسلمين ، ادخل العنف في الحياة السياسية والاستعلاء الديني والعرقي، حتي تم تتويج ذلك بانقلاب 30 يونيو1989م، الذي صادر كل الحقوق والحريات الديمقراطية، واعتقل وشرد وعذب الالاف من المعارضين السياسيين في "بيوت الأشباح السيئة السمعة "، وحول حرب الجنوب، التي توصلت الحركة السياسية لحل لها قبل يونيو 1989م (اتفاق الميرغني – قرنق)، حول الحرب الي دينية، ومارس ابشع عمليات التطهير العرقي في جبال النوبا ، وجنوب النيل الازرق، وفي دارفور، حتى أصبح البشير مطلوبا ومتهما بارتكاب تطهير عرقي في دارفور، بعد قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
كما شرد هذا النظام اكثر من 350 الف من اعمالهم طيلة حكمه البغيض، وتلك جريمة كبيرة لاتقل عن التطهير العرقي وتشريد الناس عن وسيلة انتاجهم (الارض)، وكما يقول المثل السوداني( قطع الأعناق ولا قطع الارزاق). اضافة الي فقدان السودان لسيادته الوطنية بسبب تلك السياسات المدمرة، واسلوب المراوغة ونقض العهود والمواثيق، بتوقيع الاتفاقات ، وعدم تنفيذها(نيفاشا، القاهرة، ابوجا، الشرق، ..الخ)
تلك باختصار حصيلة تجربة الاسلام السياسي في السودان الذي قام علي الاستعلاء الديني والعنصري والاثني وقهر الأقليات القومية، وإبادة القبائل الأفريقية ، وتشريدها من قراها..
5
اخطر ما افرزه انقلاب الإسلامويين في يونيو 1989 الفاشي العنصري التوسع في ظاهرة تكوين المليشيات وتدمير القوات النظامية بفصل وتشريد خيرة الكفاءات العسكرية ، وادخال عضويتهم غير المؤهلة في الجيش ، وتكوين مليشيات الدفاع الشعبي ، وكتائب الظل ، ووحدة العمليات في جهازالأمن، والوحدات الجهادية الطلابية ، وجلب صنوف مختلفة من التنظيمات الارهابية للسودان في منتصف تسعينيات القرن الماضي مثل: بن لادن ، وكارلوس ، والارهابيين من فلسطين واليمن وليبيا وتونس ، وبوكو حرام ، ومن الدول الأفريقية ،الخ ولعبت جامعة افريقيا دورا كبيرا في ذلك ، وتحول السودان الي قاعدة لانطلاق الارهاب الدولي حتي تم وضعه في قائمة الدول الراعية للارهاب، وساءت سمعة السودان في الخارج.
وبعد الانقلاب الإسلاموي ، تم نسف اتفاقية السلام " الميرغني – قرنق" ، واتسع نطاق الحرب في الجنوب وجنوب كردفان والنيل الأزرق والشرق ، وفي دارفور منذ العام 2003 ، وفشلت مليشيات الاسلامويين ، في حسم الحرب لصالحها التي أشعلتها بعد تدمير الجيش السوداني، مما اضطرها لاستخدام مليشيات "الجنجويد" التي اتهمتها الامم المتحدة مع البشير بارتكاب جرائم حرب، وضد الانسانية من قتل جماعي وحرق القرى والاغتصاب وارتكاب ابشع المجازر التي بلغ ضحاياها ( حسب احصاءات الأمم المتحدة في 2013) أكثر من 300 ألف قتيل، وتشريد أو نزوح 3 مليون نازح ( حاليا تقدر بأكثر من 500 الف) من قبائل الزرقة (الفور ، المساليت ، الزغاوة. الخ). إضافة للمجازر التي قامت بها في جبال النوبا وجنوب النيل الأزرق. الخ. ، كما شاركت قوات الدعم السريع في مجزرة هبة سبتمبر 2013 التي قامت احتجاجا علي زيادة الأسعار،وبلغ عدد الشهداء فيها 200 مواطن.
راكمت مليشيات " الجنجويد" التي تحولت لقوات الدعم السريع فيما بعد ثروات ضخمة حسب تقارير الأمم المتحدة مصادرها من : النشاط التجاري لقائد الدعم السريع حميدتي السابق في المواشي ، والتسهيلات الحكومية والصعود السريع بعلم الدولة التي استخدمت مليشياته في قمع الحركات والاحتجاجات في دارفور (مجلة العربي الجديد، 23 / 8/ 2019)، والميزانية من الحكومة التي كانت لا تمر بالمراجع العام
ويجيزها البشير ، علي سبيل المثال : في محاكمة البشير الأخيرة اعترف بأنه سلم شقيق حميدتي ( عبد الرحمن دقلو القيادي البارز في الدعم السريع) مبالغ من الأموال التي حصل عليها من الإمارات والسعودية البالغة 91 مليون دولار، اضافة للعائدات من الذهب حيث تمكن حميدتي من السيطرة علي الذهب في منطقة جبل عامر ومناطق أخرى ، وعمل شركات الجنيد للأنشطة المتعددة التي تستخدم مادة " السيانيد" الضارة رغم منع الحكومة لها ، وتهريب الذهب الي تشاد ودبي ، وقدر تقرير قناة ( تي . أر .تي) أن شركة الجنيد تجنى سنويا من جبل عامر 54 مليون دولار ، وأن قيمة الذهب المهرب من 2010 إلي 2014 ب 4 مليار و500 مليون دولار( تقرير سري صادر عن لجنة تابعة لمجلس الأمن الدولي حسب مجلة فورن بوليسي) ، وهي معلومات لم تنفيها قيادة المليشيات.( راجع أيضا صحيفة الجريدة بتاريخ 28 /10/ 2019 ، مقال هنادى الصديق)، بعد انفصال الجنوب أصبح الذهب يمثل 40 % من صادرات السودان، وقام حميدتي بتأسيس مجموعة شركات (الجنيد ) التي توجد لها مكاتب في واشنطن ودبي ويديرها أخوه عبد الرحيم ، وتقوم بتعدين الذهب وتشحنه مباشرة إلي دبي، هذا فضلا عن الدعم الإماراتي السعودي وخاصة بعد مشاركة قوات حميدتي في حرب اليمن ، والذي يبلغ مئات الملايين من الدولارات من الرياض وابو ظبي ( مجلة العربي الجديد ، مصدر سابق). حيث تقوم المليشيات بحماية ميناء الحديدة والحدود السعودية مع اليمن. وحسب تصريحات حميدتي فان لديه حاليا نحو 30 ألف مقاتل في اليمن، اضافة للحصول علي
مئات الملايين من الدولارات من أوربا مقابل حراسة الحدود ومنع الهجرة إلي اوربا ( العربي الجديد ، مصدر سابق).
كل ذلك زاد من نفوذ حميدتي العسكري والمالي ، مما أغراه للمشاركة في انقلاب اللجنة الأمنية، وأصبح له الدور القيادي العسكري والمالي كما يتضح من الاتي:
* قال حميدتي في مؤتمر صحفي نقله التلفويون السوداني وعدد من القنوات المحلية يوم 27 /7 / 2019 " أمنا حاجات الناس ، ودفعنا الديون ، وكدعم سريع دافعين مليار و27 مليون دولار للحكومة" ، وهذا يقترب من ربع ميزانية السودان الرسمية لعام 2019 ، والبالغة 4,1 مليار دولار!!، أي أصبح الدعم السريع يدعم الحكومة !!!.
كما حملّت المنظمات العدلية والمحكمة الجنائية المجلس العسكري وقوات الدعم السريع مسؤولية مجزرة الاعتصام ، وطالبت بفتح تحقيق حول الحادثة ، كما طالبت بتسليم البشير والمطلوبين للجنائية.
كما اصبحت قوات الدعم السريع تتمدد بعد تقنين الوثيقة الدستورية لها كما جاء في الفصل الحادى عشر (1) " القوات المسلحة وقوات الدعم السريع مؤسسة عسكرية وطنية حامية لوحدة الوطن ولسيادته تتبع للقائد العام للقوات المسلحة، وخاضعة للسلطة السيادية".
هكذا نجد أنفسنا أمام جيشين في البلاد مما يهدد وحدة البلاد، وظاهرة جديدة في السياسة السودانية، حيث تزايد نفوذ مليشيات ق.د.س الذي اصبح لقيادتها مصالح طبقية ، وارتباط بدوائر اقليمية وعالمية ونفوذ عسكري بعد اضعاف نظام البشير للجيش، مما يثير خطر تجدد الصراع العرقي والإبادة في دارفور كما حدث حاليا في بعض المناطق ( الجنينة، كردينق.الخ)..
يستحيل الحديث عن نجاح الفترة الانتقالية والوصول لأهداف الثورة في ظل وجود المليشيات ، وقوات الدعم السريع و حاليا قوات الحركات التي وصلت الخرطوم بعد اتفاق جوبا ، وما عاد هناك مبرر لوجودها في ظل الاتجاه للسلام ووقف الحرب ، وما ينتج عنها من ترتيبات امنية تتطلب حلها ، وجمع سلاحها في يد القوات المسلحة ، وتكوين جيش البلاد القومي المهني الذي يضم جميع السودانيين غض النظر عن أعراقهم أو دينهم أو لغتهم أو ثقافتهم، وذلك مهم حتى لانهدد وحدة البلاد ، كما حدث في انفصال الجنوب، وفي بلدان أخرى بعد تفكيك جيوشها الوطنية ( العراق ، ليبيا ، اليمن) ، وخطورة مليشيات حزب الله في لبنان، الخ.
هذا يتطلب الاتي : خروج البلاد من حلف اليمن ، ووقف التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والسعي لحل مشكلة اليمن سلميا في إطار الأمم المتحدة، وعودة العسكريين المفصولين للخدمة ، ووضع الدولة يدها علي شركات الذهب والبترول والاتصالات و الأمن والجيش والدعم السريع ، والمحاصيل النقدية والماشية تحت ولاية المالية.وتخفيض ميزانية الأمن والدفاع التي تتجاوز 60% ، ورفع ميزانية التعليم والصحة والتنمية والكهرباء والمياه التي تدهورت الخدمات فيهما ،وبقية الخدمات.
6
وأخيرا ، في ذكري انتفاضة مارس- أبريل 1985 وملحمة الاعتصام في أبريل 2019، ضرورة قيام أوسع اصطفاف لقوي الثورة من أجل اسقاط حكم العسكر وقوي " الهبوط الناعم" التي اختطفت الثورة لمصلحة استرار سياسات النظام البائد الاقتصادية والقمعية والتفريط في السيادة الوطنية، وعقد الاتفاقات الجزئية التي تعيد إنتاج الحرب، من أجل :
قيام الحكم المدني الديمقراطي الذي يسع الجميع غض النظر عن الدين أو العرق أو اللغة أو الثقافة أو المعتقد السياسي ، والاسراع في القصاص للشهداء في مجزرة فض الاعتصام وبقية الجرائم ضد الانسانية وتسليم البشير ومن معه للجنائية الدولية، وقيام جيش مهني واحد بحل كل المليشيات من دعم سريع وغيرها وجيوش الحركات ،وإلغاء القوانين المقيدة للحريات وإجازة قانون النقابات الذي يؤكد ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية، والاسراع في تفكيك التمكين واستعادة أموال الشعب المنهوبة، وتحسين المعيشة وزيادة الأجور مع تركيز الأسعار بعد التخفيض الكبير في الجنية السوداني باسم التعويم أكثر من 600%، وتوفير الاحتياجات الأساسية من تعليم وصحة ودواء وماء وكهرباء، والسيادة الوطنية وإلغاء كل اتفاقات القواعد الروسية والأمريكية، والتطبيع مع الكيان الصهيوني، وقيام المفوضيات والمجلس التشريعي الذي يعبر عن الثورة ، وعودة أراضي السودان المحتلة ( حلايب، شلاتين ، الفشقة. الخ)، والحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة بعيدا عن المحاصصات والنزعات العنصرية المدمرة للبلاد، وقيام علاقات خارجية متوازنة، وعودة النازحين لقراهم ، وإعاد تأهيل واعمار مناطقهم ، وعودة المستوطنين لمناطقهم ، والتنمية المتوازنة، وقيام المؤتمر الدستوي نهاية الفترة الانتقالية ، الذي يقرر كيف تحكم البلاد؟ ، ويضع الإطار لدستور ديمقراطي بمشاركة الجميع ، وقانون انتخابات ديمقراطي ولجنة انتخابات مستقلة تضمن قيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.