أثار قانون جهاز الأمن الداخلي المقترح من قبل قوى الحرية والتغيير الحاكمة الآن، جدلا واسعا في الشارع السياسي السوداني، و وجهت اتهامات لهذا الائتلاف الحاكم بعد سقوط نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير على انهم يريدون تأسيس منظومة امنية جديدة تقمع الأصوات المخالفة، هذا بالرغم مما قاله وزير العدل نصرالدين عبدالباري ان مشروع قانون جهاز الأمن الداخلي لم يعرض للمناقشة علي أي مستوي رسمي وينتظر عملية تنقيح وتجويد واسعة قبل عرضه على مجلس الوزراء. أحزاب بدون سند شعبي يشير مهتمون وسياسيون أن أحزاب قوي الحرية والتغيير الحاكمة الان، تعلم ان ليس لها سند شعبي علي الارض، لذا تفكر ان تقمع حتى الشعب الذي اتي بها الي السلطة في حين غفلة من الزمن، تريد إخراس الأصوات التي تخالفها سياسيا وفكريا، بدأ هذا بتكميم بعض الأصوات الشبابية والقيادات الدينية، أما الآن تريد قانونا حتى يسهل لهم الاستمرار في القمع وانتهاك الحريات، ويذهب سياسيون وخبراء إلى أن الغريب في الامر ان احزاب مشاركة حاليا في السلطة، مثل أحزاب البعث العربي الاشتراكي والاتحادي الديمقراطي المتعدد الاجنحة، وحزب الأمة القومي والجبهة الثورية، وحزب المؤتمر السوداني الذي كان يدعو سابقا إلى دولة الحريات، كل هذه الأحزاب والحركات، يلتزمون الصمت الغريب، السؤال المطروح ألم يسمعوا بهذا القانون اطلاقا، ام ان هذه الاحزاب تريد معرفة ردة فعل الشارع حول القانون؟، وهل تحيك هذه الأحزاب في شيئاً في السر حتى يصبح أمراً واقعاً. وتنص مواد مسودة قانون الأمن الوطني البالغة 69 مادة على أن الجهاز سيعمل تحت القيادة العليا لمجلس السيادة الانتقالي علي ان يخضع للسلطة التنفيذية ويمارس نشاطه تحت الإشراف المباشر لوزير الداخلية، وانتقد كثيرون الصلاحيات التي يتمتع بها هذا الجهاز الجديد، وكذلك منح القانون جهاز الأمن الداخلي سلطات مقيدة في الاستدعاء والحجز والاعتقال والتحفظ والتفتيش، ونص الاعتقال والتحفظ لمدة 48 ساعة غير قابلة للتجديد، وعلى أن تكون سلطة الاعتقال بأمر مكتوب من المدير شخصيا، على أن لا يتجاوز الحجز لدواعي امنية 24 ساعة بموافقة المدير، على أن يخطر وكيل النيابة المختص كتابة إذا لم يفرج عنه بعد مضي مدة الاحتجاز، وفي كل الاحوال يجب الا تزيد فترة التحفظ عن 72 ساعة بموافقة مكتوبة من النائب العام أو من يفوضه. في ذات الوقت، وجه القيادي في الحركة الشعبية ياسر عرمان انتقادات لقانون جهاز الأمن الداخلي المزمع إجازته، وقال عرمان على صفحته الشخصية ان مسودة القانون مجهولة النسب والأبوين فضلا عن كونها بالونة اختبار من قوي لاعادة القمع، وان نسخة القانون تعطي الجهاز صلاحيات واسعة في الاعتقال، اضاف ساخرا كأن البشير قد كتبه في سجنه، وناشد بقتل القانون في مهده مؤكدا أنه لا يمكن إجازته إلا بعد تشكيل المجلس التشريعي، كما أن إجازته بهذا الشكل يعني عودة النظام السابق. بينما انتقد الحزب الشيوعي مشروع قانون الأمن الداخلي من حيث الشكل والمضمون، إن مشروع القانون يمثل حلقة جديدة من حلقات التآمر على قوى الثورة والالتفاف على أهدافها، وأنها تتعارض مع أهداف الثورة التي نادت بوجود جهاز يختص فقط بجمع المعلومات وتحليلها وتقديمها إلى الجهات المختصة. واتهم الحزب وزير العدل نصرالدين عبدالباري بلعب دور أساسي في صياغة مشروعات القوانين الرامية إلى إجهاض الثورة. قوى الحرية والتغيير تريد دولة قمعية ويصف علي ابكر الناشط السياسى إن قانون جهاز الامن الداخلي فكرة وابداع أحزاب قوى الحرية والتغيير الحاكمة الآن، يقول علي ل ( شوارع ) أن الهدف من قانون الأمن الداخلي، هو اسكات اصوات لجان المقاومة التي ما زالت خارج سيطرة هذه الأحزاب التي تتمتع بالسلطة الآن، ويكشف ان فئات معتبرة من هذه اللجان تعتقد أن ثورة ديسمبر قد انحرفت بسبب مشاركة العسكر المدنيين في الفترة الانتقالية، وبدأت قوي الحرية والتغيير استبعاد اغلبية الفاعلين من لجان المقاومة في السودان من التأثير السياسي، كما فعلت مع تجمع المهنيين الذي تشظى إلى جزئين وأصبح لا صوت له بعد ذهاب نظام المؤتمر الوطني من سدة الحكم، ويدعي أن هذا القانون سوف يوجه إلى كل عضوية لجان المقاومة الرافضة لسياسات الفترة الانتقالية، بعد تقسيم الكيكة مع العسكر. ويؤكد على ل (شوارع) أن الغرض من القانون الجديد، ممارسة نفس نهج النظام السابق في القتل والاعتقال والإرهاب وكسر الأقلام وإذلالهم، وإذا نظرت في الأمر، لا فرق بينهم وبين السابقين، وفي حقيقة الأمر، هذه الأحزاب التي ليس لها اي سند جماهيري، تريد الاحتماء بالعسكر حتي تستمر في الحكم، بعد أن نبذهم المواطن السوداني، اكبر دليل علي ذلك، عندما يقارن بينهم وبين فترة الحكومة السابقة، وهم أنفسهم يدركون أن استمراريتهم ستكون عبر سن قوانين قمعية فقط. قانون جهاز الأمن الداخلي يشبه سابقه ويرى المحامي والمدافع محمد عبدالله باقان ان هذا القانون من الناحية الإجرائية يشبه قانون جهاز الأمن والمخابرات الوطني لعام 2010، ويقول ل(شوارع) إن تناول موضوع الرقابة، يعني أن السلطات لها الحق أن تراقب الأفراد، ومنعهم من السفر، في حال اتخاذ الجهاز قرارا بشأن ذلك، ويعتبر هذا القرار، يتنافى مع حق الأفراد في الحركة والتنقل وعدم منع أي شخص، أو ان تكبل حريته، ويضيف عبدالله أن تعيين الضباط بأمر من رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، يعني عودة الحرس القديم للإسلاميين داخل الجهاز، والرئيس في مجلس السيادة له السلطة في ترقية الضباط. ويؤكد عبدالله ان مثل هذه الخطوات من قبل المجلس السيادي تعطي قوي الهبوط الناعم وفلول الجبهة الإسلامية السيطرة على جهاز الأمن الداخلي، وايضا تكوين جهاز بدون مجلس تشريعي لإجازة قانونه، وهذا يفسر ان يكون الجهاز خاضع للقوى السياسية المداهنة والداعية الى المصالحة مع التيار الإسلامي والتماهي مع المد العروبي، وتحدث القانون عن السماح للضباط بالظهور امام المحاكم، ومثل هذه الحالة تنطبق على ممارسة سابقة لحكومة النظام السابق. ويجزم عبداالله ان ثورة ديسمبر المجيدة قد قُبرت، بمجرد قبول المدنيون اقتسام كيكة السلطة مع اللجنة الامنية للرئيس السابق عمر البشير، والمعارضة بها جناحان، جناح وطني، يطلق عليه تيار ديمقراطي ينادي بأبعاد العسكر وارجاعهم الى المؤسسة العسكرية، وتحقيق السلام الدائم والشامل، وإنهاء الحروب التي دمرت البلاد، والاسراع في قيام المجلس التشريعي من قبل القوى الحية والفاعلة، وتوجد قوي ثانية الممثلة في التيار الإسلامي الذي ينادي بعودة الحرس القديم او قوي السودان القديم، ويرغبون في تأسيس دولة ذات عقيدة دينية، يكون الولاء فيها لشخص او رجل الدين وليس الولاء للوطن، حتى يبقى الوطن في ايدي الجماعات الارهابية ودول المد العروبي السلفي. مخالف للوثيقة الدستورية في ذات السياق يضيف وكيل النيابة محمود عبدالمنعم أن مشروع القانون هذا يعتبر ردة عن الوثيقة الدستورية ومخالف لها، ويعطي الجهاز صلاحيات أكبر مما كان في الفترة السابقة، يقول ل (شوارع) إن هذا القانون يسلب الدور القانوني للنيابة، وكذلك الاستخدام السئ للنيابة، لان وكيل النيابة سيكون جزءا من المنظومة، واداة لتنفيذ اجندتها، موضحا أن الجهاز وفق الوثيقة الدستورية، صلاحياته جمع المعلومات وتحليلها، ثم تقديمها إلى الجهات المختصة. يؤكد محمود ان هذا القانون يعطي الجهاز سلطات نيابة ومحكمة، مشيرا إلى أن قوى الحرية والتغيير الحاكمة الآن ليست جادة في مسألة التغيير بعد الثورة. غرابة الموقف ويذهب رئيس تحرير صحيفة الجريدة أشرف عبدالعزيز في مقال له بعنوان (من وراء المسودة) قائلاً أن مسودة لقانون الأمن الداخلي اثارت لغطاً واسعاً لاحتوائها على ذات صلاحيات جهاز أمن النظام السابق في الاعتقال والتوقيف والاحتجاز. وقد سجلت أحزاب التجمع الاتحادي والشيوعي والحركة الشعبية شمال، مواقف رافضة للمسودة ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بعد توضيح وزير العدل من أين استقت هذه الأحزاب معلوماتها ومن وراء المسودة المضروبة؟ واضاف اشرف غريب جداً أن تعلق أحزاب ممثلة في المجلس السيادي ومجلس الوزراء ومجلس شركاء الحكم على مسودة في الأصل لم تناقش في مجلس الوزراء ومن ثم تصدر هذه الأحزاب قرارات بالرفض ومواقف متشددة حول مسودة هي في الأصل غير موجودة ، في حين أن وزير العدل يظل صامتاً بالرغم من الحراك المتصل والجدل المستمر ويصرح بعد يومين ، وهذا يرفع عقيرة المظان بأن هناك جهة داخل الحكومة قدمت مقترحاً لجهاز الأمن الداخلي وأربكت المشهد لشيء في نفس يعقوب. قانون خلف وامام الكواليس يرى الصحفي والمحلل السياسي عثمان ميرغني في عموده الراتب حديث المدينة '' جهاز الأمن القديم والجديد '' في قانون جهاز الأمن الداخلي، يبدو أن السيناريو ذاته يجري خلف وأمام الكواليس، صدر قانون جهاز الأمن الجديد، ولأن آليات تمرير القوانين سهلة وسريعة فلا أحد يضع الأسئلة الحتمية في طريقه، ويتساءل عثمان، لماذا جهاز أمن جديد؟، و ما مصير القديم؟، ولماذا ثار الساسة ضد الصلاحيات التنفيذية لجهاز الأمن القديم والآن يسعون لمنحها لجهاز الأمن الجديد؟. ويشير عثمان إلى أن المؤسسات الاعتبارية الدولة، هي ملك للوطن والمواطن، وليس لشاغلي وظائفها، فإذا كان ثمة شك في نوايا أو ولاء بعض منتسبي جهاز الأمن القديم، فالذي يجب أن يتغير هو بعض المنتسبين وليس الجهاز، فبناء مثل هذه الأجهزة الاستخبارية أمر معقد ويستغرق سنوات طويلة لأنه ليس مجرد مكاتب ومعدات بل علاقات دولية ومصادر معلومات وخبرات متراكمة مع الزمن. يضيف عثمان ان ضابط جهاز الأمن، ومثله ضابط الاستخبارات في الجيش أو المباحث في الشرطة، يعتمد كثيراً على تراكم خبرته لا مجرد مؤهلاته وشهاداته، ومن الحكمة عدم التفريط في الخبرات، والكفاءات لمجرد الظن والهواجس المتوهمة، وطالما أن العهد الثوري الجديد يتطلب روحاً قومية في العمل العام، وبعيداً عن الولاءات السياسية فمن الحكمة التعويل على بث، و تعزيز هذه الروح بدلاً من الإحلال والإبدال الذي غالباً سيراعي الموازنات السياسية أيضاً. يشرح عثمان أن الحكومات الديمقراطية أكثر حاجة من النظم الديكتاتورية للقوة والحماية، ووجود جهاز أمن قوي يعضد من مهام الجيش والشرطة في الحفاظ على الأمن بصورة عامة، ويعطي مثالا حيا، في الولاياتالمتحدةالأمريكية يعيد رئيس الجمهورية بعد انتخابه تعيين رئيس المخابرات المركزية الأمريكية و مكتب التحقيقات الفيدرالي لكن لا يمكن أن يفكر في إلغاء هذين الجهازين، ففرق بين تغيير الموظف والمؤسسة، مؤكدا أن خطوة إنشاء جهاز امن جديد تفتح ثغرة في جدار الأمن القومي السوداني.