لاتزال القارة الإفريقية تحتل مركز الصدارة في ما يخص تربية الإبل. مع ذلك فإن بلدانا عدة خارج إطار المناطق التقليدية التي كان هذا النشاط رائجا فيها أصبحت اليوم تهتم أكثر فأكثر بهذا الحيوان الذي يدرجه خبراء البيئة والتنوع الحيوي في دائرة حيوانات المستقبل القادرة على التكيف مع انعكاسات التغير المناخي السلبية. وتعد فرنسا أحد هذه البلدان التي لديها قناعة بأنها قادرة في مستقبل قريب على تصدير لحوم الإبل وأجبانها مثلا إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية التي غدا المستهلون فيها يهتمون أكثر فأكثر بلحوم الإبل وألبانها والأجبان التي تصنع من هذه الألبان. والحقيقة أن توسع نطاق تربية الإبل بسبب التغيرات المناخية يحصل في القارة الإفريقية ذاتها. والملاحظ أن الصومال لايزال في مقدمة بلدان العالم في مجال العناية بتربية الإبل. وإذا كانت المجاعات التي حصلت في عدة بلدان إفريقية خلال العقود الأخيرة تعزى إلى أسباب لديها علاقة بفترات الجفاف التي تطول أكثر من اللزوم، فإن المجاعات الصومالية أسبابها سياسية قبل أن تكون مناخية لأن الصوماليين ظلوا دوما يستنجدون بحليب النوق وبلحوم الإبل خلال فترات الشدة. وكانت منظمة الأغذية والزراعة العالمية" الفاو" قد وضعت الصومال في المرتبة الثانية بعد تشاد في مجال تربية الإبل خلال عام 2017. وجاء السودان في المرتبة الثالثة تليه كينا والنيجر وموريتانيا وأثيوبيا ومالي وباكستان والمملكة العربية السعودية. وقدرت هذه المنظمة ثروة الإبل في التشاد ب7 ملايين و285 ألف رأس مقابل 7 ملايين و220 ألف رأس بالنسبة إلى الصومال في ذلك العام . ومع ذلك فإن الباحثين المهتمين بتربية الإبل يرون أن الاضطرابات السياسية التي يشهدها الصومال منذ سقوط نظام زياد بري عام 1991 عامل مهم من عوامل تعطيل عمل مختلف مؤسسات الدولة الصومالية ومنها تلك التي تتولى إحصاء الثروة الحيوانية في البلاد بشكل دقيق. إسبانيا صدرت الإبل إلى أستراليا في استراليا، تقدر اليوم ثروة الإبل المتوحشة بأربعمائة ألف رأس. ومع ذلك فإن هذا البلد لا يُدرج ضمن البلدان التي فيها مكانة خاصة لثروة الإبل. ومرد ذلك إلى الصورة السيئة التي يحظى بها هذا الحيوان اليوم في أستراليا. ولا بد هنا من التذكير بأن جزءا مهما من الإبل التي صُدرت في القرن التاسع عشر إلى أستراليا أوتي به من جزر الكناري الإسبانية التي تقدر فيها اليوم ثروة الإبل بآلاف الرؤوس، ولكن الإبل كانت أهم الحيوانات التي تُربي فيها. بل إن مربيها أثْرَوْا خلال القرن التاسع عشر عبر تصدير جزء منها إلى أستراليا لاستخدامها وسيلة نقل لاكتشاف أراضي القارة الأسترالية الشاسعة وإقامة البنى التحتية فيها. وجيء بالإبل إلى أستراليا خلال القرن التاسع عشر من عدة بلدان أخرى منها الهند وباكستان البلدين اللذين صدرا أيضا مع الإبل مربين إلى أستراليا. ولكن الثورة الصناعية التي حصلت انطلاقا من منتصف القرن التاسع عشر كانت بمثابة الضربة القاضية لوزن الإبل في العملية التنموية الأسترالية. فقد عوض القطار شيئا فشيئا الإبل لنقل الأشخاص وحمل البضائع مما دفع الأستراليين إلى التخلي عنها وجعلها تنمو وتتكاثر في الطبيعة دون تدخل الإنسان بشكل أو بآخر لمساعدتها على الثبات أو للتخلص منها بشكل نهائي. وكان يُنظر إليها باعتبارها جزءا من طبيعة أستراليا وتضاريسها وهويتها. ولكن السلطات الأسترالية غيرت خلال العقدين الماضيين تعاملها مع الإبل المتوحشة التي قدر عددها في عام 2010 بعشرة ملايين رأس. فقد احتدت في العقود الأخيرة فترات الجفاف التي تطول أكثر من اللزوم بسبب التغير المناخي مما جعل الإبل المتوحشة تتعمد الاقتراب أكثر فأكثر من التجمعات السكنية بحثا عن الماء. وقررت السلطات الأسترالية إطلاق برامج ممولة تهدف إلى الحد كثيرا من عدد الإبل المتوحشة في البلاد من خلال قتلها انطلاقا من الجو عبر طائرات مروحية أو برا عبر شاحنات تطاردها في الأماكن التي تتكاثر فيها. ثروة الإبل الفرنسية الواعدة وإذا كانت إسبانيا قد أطلقت برامج جديدة في السنوات الأخيرة لتعزيز تربية الإبل في جزر الكناري لاستخدامها أساسا في المجال السياحي، فإن لفرنسا اليوم خططا تهدف إلى جعل هذا البلد في العقود المقبلة قاطرة الإبل الأوروبية. ويتجلى ذلك عبر عدة مبادرات فردية وجماعية. فصفحات الصحف التي تصدر في المناطق الفرنسية أصبحت على سبيل المثال تتابع باهتمام القرارات التي يتخذها فرنسيون بشكل متزايد والتي تتمثل في تربية الإبل كما تربى القطط والكلاب أو بعض الحيوانات الأهلية الأخرى. وكان ذلك وراء إنشاء اتحاد يسمى " اتحاد الإبليات الفرنسي" الذي يعنى بتربية الإبل وحيوانات أخرى منها اللاما. بل إن هذا الاتحاد أطلق في 2019 معرض الإبل والإبليات الدولي في بلدة " جنفري " الواقعة في الضاحية الباريسية. ورغم أن جائحة كورونا ضببت كثيرا على هذه التظاهرة وحالت دون تنظيم دوراتها بشكل منتظم حتى الآن، فإن لمنظمي هذا المعرض خططا طموحة لجعلها من أهم التظاهرات التي تُعنى بحيوانات المستقبل في القارة الأوروبية. وهذا الطموح نجده أيضا لدى عدد من مربي الإبل الفرنسيين الذين أصبحوا يقتطعون لأنفسهم – قبل جائحة كورونا- جناحا هو أهم الأجنحة التي عليها إقبال كبير من قبل زوار المعرض الزراعي الدولي الباريسي والمعارض الزراعية الأخرى التي تقام في فرنسا أو في بلدان الجوار. ومن أهم العوامل التي ستساعد فرنسا في المستقبل أن تكون بحق واجهة تربية الإبل في القارة الأوروبية أن مؤسساتها الجامعية والبحثية الأخرى ساهمت إلى حد كبير في تطوير المعارف المتصلة بأمراض الإبل وسبل معالجتها و بتصنيع منتجاتها وفي مقدمتها ألبانها والأجبان التي تصنع منها علما أن صنع أجبان من حليب النوق كان بالنسبة إلى الباحثين في مختلف المناطق التي تعنى بتثمين منتجات الإبل أو تعظيمها مسألة معقدة إلى حد كبير. ومن هذه المؤسسات البحثية الفرنسية التي كان ولا يزال لديها دور في إثراء المعارف حول تربية الإبل المعهد الوطني للأبحاث العلمية والذي لديه فروع في مختلف مناطق البلاد ومعهد الأبحاث من أجل التنمية ومركز التعاون الدولي الذي يعنى بالبحث الزراعي ويتخذ من مدينة مونوبولييه الواقعة في الجنوب الفرنسي مقرا له.