لجأ رئيس الحكومة عبدالله حمدوك إلى القوى السياسية التي شاركت في الثورة على نظام الرئيس السابق عمر البشير لمساعدته في التعامل مع الغضب الشعبي المتزايد جراء الأوضاع الاقتصادية الصعبة. وحاول حمدوك نزع فتيل أزمة يمكن أن تتزايد ملامحها في الشارع مع تصاعد حدة الدعوات التي وجهتها قوى سياسية محسوبة على الثورة للتظاهر في 30 يونيو الجاري للمطالبة بإسقاط الحكومة السودانية، ومطالبات أخرى بإعادة هيكلتها. وقال حمدوك في خطاب تصالحي توجه به إلى الشعب مساء الثلاثاء "إنه لا مجال أمام قوى الثورة سوى استعادة وحدتها مجددا، وهي الوحيدة القادرة على حماية المكتسبات التي تحققت، وأن تشتتها يدفع أعداء الثورة للتحرك والتآمر بعد أن تركت فراغا يتسلل منه أنصار النظام البائد". وتشهد مناطق سودانية متفرقة مظاهرات يومية دعا إليها تجمع المهنيين وتنسيقيات لجان المقاومة تطالب الحكومة بالاستقالة منذ دخول قرار رفع الدعم عن أسعار الوقود حيز التنفيذ مطلع الشهر الجاري، تخللتها أعمال سلب ونهب وسرقة من جانب عناصر محسوبة على نظام البشير وسط المتظاهرين لإثارة الشغب. وأرجع رئيس الحكومة التدهور الأمني إلى حالة التشظي التي أصابت مكونات الثورة، ملمحا إلى إمكانية أن يؤدي ذلك إلى عدم تماسك السودان ووحدته، فالأوضاع الراهنة قد تقود الجميع إلى حالة من الفوضى وسيطرة العصابات والمجموعات الإجرامية على الشارع، ما يفضي إلى حرب أهلية تقضي على الأخضر واليابس في البلاد. صديق يوسف: السياسات الاقتصادية أساس الخلافات بين قوى الثورة وبدا حمدوك باحثا عن دعم أو سند سياسي بعد أن تخلى عنه قطاع واسع من الشباب الذين رفعوا شعار "شكرا حمدوك" باعتباره منقذا للسودان من عثراته السياسية والاقتصادية التي حدثت خلال فترة حكم البشير. وأكد القيادي بحزب الأمة القومي حسن الإمام حسن أن استخدام مصطلح "قوى الثورة" أصبح واسعا للغاية لأنه يخاطب قوى غير متوحدة وغير محددة وأهدافها متنوعة ومشتتة ولا يمكن التعرف على قوى الثورة كمصطلح معلوم وهناك مجموعات صغيرة تطلق على نفسها قوى ثورية دون ثقل لها ولا أحد يعرف أهدافها. وأضاف في تصريح ل"العرب" أن حمدوك قصد بخطابه إنهاء التناقضات الواضحة بين القوى السياسية ومحاولة تجميعها حول هدف واحد يتمثل في إنقاذ الوطن، لكنها دعوة تبقى غير واقعية لأن هناك مسائل مختلفة بين الأحزاب والتيارات التي تضع أهدافها وفقا لما تراه مناسبا لجمهورها في الشارع. وفي كل مرة يتزايد فيها غضب الشارع يخرج حمدوك بخطاب بكشف حساب جديد إلى المواطنين، وقد حدث ذلك العام الماضي في مثل هذا التوقيت حينما اندلعت مظاهرات حاشدة تزامنا مع ذكرى انقلاب نظام البشير على الحكم في 30 يونيو من العام 1989، لكن المطالب حينها تركزت بضرورة استكمال مطالب الثورة، وكان من نتائجها قبول استقالة 6 وزراء وإعفاء آخرين. وظهر حمدوك هذه المرة محبطا بدرجة كبيرة بعد أن طالته الانتقادات من كل جانب بما فيها الأحزاب المنضوية تحت لواء قوى الحرية والتغيير، ومن المفترض أن تكون ظهيرا سياسيا تدعم توجهاته، وتعويله على الشارع طيلة العامين الماضيين لم يعد كما كان بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل أكبر من قدرة المواطنين على التحمل. وتبعث رسائل رئيس الوزراء إشارات واضحة لقوى الحرية والتغيير المنقسمة على نفسها بأن استمرار الوضع القائم لم يعد ممكنا، وهناك أطراف محسوبة على تنظيم الإخوان توظف هذه الانقسامات لصالح إعادة ترتيب أوراقها في الشارع، وأن الخلافات الحالية تعرقل استكمال بناء هياكل السلطة الانتقالية، وفي مقدمتها المجلس التشريعي وتعيين نائب عام ورئيس جديد للسلطة القضائية. ويرى مراقبون أن إلقاء المسؤولية على قوى الثورة واستفاضة حمدوك في شرح العقبات التي تجاوزتها حكومته تأتي من إدراكه بأن شعبيته مازالت موجودة في الشارع ويمكن أن تكون سببا في الضغط على القوى السياسية لاستعادة توازنها، كما أنه مازال يحظى بدعم الجيش وقوات الدعم السريع لإدراك كلاهما أن سقوطه ربما يصبح مقدمة للانقضاض على المرحلة الانتقالية. عدة مناطق سودانية تشهد مظاهرات يومية دعا إليها تجمع المهنيين وتنسيقيات لجان المقاومة تطالب الحكومة بالاستقالة منذ دخول قرار رفع الدعم عن أسعار الوقود واستشعرت اللجنة الفنية التي شكلها حزب الأمة القومي إلى جانب مجموعة من الأحزاب داخل قوى الحرية والتغيير خطورة الوضع القائم، ودعت في مؤتمر صحافي عقدته الثلاثاء إلى العودة مرة أخرى إلى المؤتمر التأسيسي لإدخال إصلاحات جذرية على هياكل الائتلاف وسياساته خلال الفترة المقبلة. ويذهب متابعون للتأكيد على أن أزمة الظهير السياسي للحكومة قادت إلى المأزق الذي وجد فيه حمدوك نفسه حاليا، لأنها تحرص على شعبيتها في الشارع أكثر من حرصها على نجاح الفترة الانتقالية، ولم تقم بأدوارها نحو توضيح طبيعة القضايا الإستراتيجية التي تعمل عليها الحكومة في الفترة الحالية. وأشار حسن الإمام حسن إلى أن القوى السياسية تدرك تماما أنه لا تحسن في الأوضاع الاقتصادية بغير توافق السودان مع المجتمع الدولي بما يؤدي إلى إنهاء الديون وإعادة دمجه في الاقتصاد الدولي مجددا بعد عقود من العزلة، وليس من الممكن التعامل مع أزمة الوقود وتوفير السلع والخدمات بأسعار مناسبة بعيدا عن معالجة القضايا الجوهرية الأكبر على مستوى علاقات السودان الخارجية. وأوضح عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي صديق يوسف أن أساس الخلافات بين قوى الثورة يرجع إلى السياسات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة دون تشاور مع ظهيرها السياسي، ورئيس الوزراء الذي حضر المؤتمر الاقتصادي لقوى الحرية في سبتمبر الماضي وافق على مخرجاته قبل أن يتخذ قراره بالسير في طريق آخر. وأشار في تصريح ل"العرب" إلى أن مسألة عودة الحزب الشيوعي إلى قوى الحرية والتغيير لم تناقش بعد، ودعوة حمدوك لتوحد قوى الثورة لن تجد تأثيرا على الرغم من ترحيب كافة القوى بها لأن الخلافات حول السياسات الاقتصادية مازالت قائمة، والحزب لا يمانع في الانفتاح على المجتمع الدولي بشروط السودان التي تضمن مصلحة المواطن.