احيانا كثيرة ترتفع اصواتنا استدعاءا «لهيبة الدولة» لتنقذنا من التفلت الحياتي الذي يؤرق مضاجعنا. وقد سخر احدهم من هذه الصرخات متسائلا وهل هيبة الدولة عربة نجدة نستدعيها. وحقا فأن هذه الاستدعاءات لا تكون الا كلما ارتفع منسوب عدم الرضا على السياسات. او كلما حصل تطاولٌ من فلول النظام على مؤسسات البلاد. وان كان مفهوم "هيبة الدولة" في السودان لا يشبه ذلك المفهوم المتداول في الغرب الأوروبي والأمريكي. لان الغرب تحكمه الدساتير والمؤسسات. ونحن في السودان محلك سر. ووتنقصنا الكثير من اساسيات الدولة وقد جف حلقنا ونحن نطالب بدستور دائم للبلاد. فما نشهده اليوم في البلاد من هرج ومرج وفوضى وانفلات أمني وقبلي سببه هو غياب القانون. وقد استفزني حقا تساءل بعض المسؤولين وبسذاجة عن من فض الاعتصام. ثم خروج جبريل إبراهيم يوما ليقول انه يجب إيقاف لجنة إزالة التمكين عن واجبها الوطني. ثم خروج اركو مناوي يوما ليقول انه لا يمانع للتصالح مع الإسلاميين. ثم خروج ضابط كبير في مطار الخرطوم يوما ليقول أن حقائب المسافرين لا تسرق في مطارنا رغم انها تسرق كثيرا. والكل يستغل غياب القانون . فالدولة ينقصها اكتمال الاضلاع المكونة للمثلث (السلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، والسلطة التشريعية). وبصراحة شديدة فالفوضى تعم الوطن. وهيبة الدولة مفقودة. فكل مسؤول نراه يشرع ويفتي. رغم أن عمرنا الوطني طويل جدا قياسا بدول في افريقيا وقد عبرت . فالسودان قد نال استقلاله العام 1956. ومازلنا ختي يومنا نتجادل في حقوق المرأة وتعدد الزوجات. فلن يكون الحل الا في ظل دستور دائم يجمع كل أهل السودان علي قلب رجل واحد. والغريب والمحزن حقا أن نخبنا السياسية هي من تؤخر ميلاد هذا المجلس التشريعي. فكثيرا ما كانت هذه النخب تهرول لسرقة الثورات بالتعاون مع بعض العسكريين لقلب نظام الحكم. فلقد عودت نفسها علي القوانين الشمولية التي يقرها العسكر. لذا ظل السودان محكوما شموليا قرابة ال 50 عاما . فقد كانت لكل حكومة دستورا تفصله بمقاسها. فكان الدستور المؤقت للسودان سنة 1956. ثم كانت اضيفت الأوامر الدستورية خلال فترة الحكم العسكري (1958–1964). ثم كان دستور جمهورية السودان الموقت لسنة 1964. ثم كان دستور السودان المؤقت (المعدل سنة 1964). ثم كان التعديل رقم 2 لسنة 1965. ثم كان دستور السودان المؤقت (المعدل سنة 1964). ثم كان الدستور الدائم لجمهورية السودان الديمقراطية لسنة 1973. ثم كان دستور جمهورية السودان لسنة 1988. واليوم نري السودان يحكم دون دستور دائم وبوثيقه شبه دستوريه. يعدل فيها كل من اراد. لذا فاننا نتعجل الامر في اقامة مؤتمر سوداني جامع لقيام المجلس التشريعي و الذي بدوره يجعل البلاد في مصاف الدول الراقية . ولن يكون ذلك الا بدستور ينظم حياتنا. وسيغنينا ذلك صرخاتنا الدائمة واستنجادنا بهيبة الدولة.