الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يغادر المستشفى بعد استكمال الفحوصات الروتينية    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إصلاح الأجهزة العدلية بين الممكن والمستحيل
نشر في الراكوبة يوم 08 - 07 - 2021


بسم الله الرحمن الرحيم
خليفة محمد السمري
* : توطئة واستهلال:-
أورد ابن خلدون في مقدمته فصلاً كاملاً بعنوان " الظلم مؤذنٌ بخراب العمران" ولذلك نسبوا إليه مقولة " العدلُ أساس الملك"، فإذا توارى ميزان العدل راجت بضاعة الظلم كنذيرٍ يشي بقدح زناد الثورة على الحاكم، وقديماً قال أبو العلاء المعري :(إذا لم تقم بالعدل فينا حكومةً فإنَّا على تغييرها قُدَرَاءُ)، ومما هو مأثورٌ عن أرسطو قوله : ( العدلُ مألوفٌ وبه قوام العالم)، فلا شك أنَّ العدل كقيمة إنسانية ودينية تواطأت عليها فطرة البشرية جميعها تجعل مقاربة آليات بلوغ هذه القيمة أمراً خطيراً ينبغي أن تُستشعر في رحابه الرهبة وتُخْلَع في واديه النعلان، وتُسأل بِتَخَضُّعٍ وخشية الاستعانة عليه بالرحمن.
ففي هذا الباب المرهوب فطرةً وبداهة، وجب عليَّ أن أتواضع رغم أنفي لأقول إنَّ التصدي لموضوع إصلاح الأجهزة العدلية والحقوقية في العالم عامة وفي السودان خاصة أمرٌ شائك ومُعًقَّد، قد أُدْرِكُ منه شيئاً وتغيبُ عني منه أشياء، لكن مع هذه الخطورة وَدِدِتُ أن أُلْقِي حجراً في محيط هذا الهم الوطني، لعلَّ ذلك يكون سبباً لحوارٍ هادف ونقاشٍ نابه، يفضيان – بتلاقح الأفكار- إلى بلوغ الغاية والمقصد.
فأقول كمدخل لتناول إشكاليات إصلاح الأجهزة الحقوقية والعدلية السودانية، وبالله التوفيق: إنَّ لكل أمةٍ منهجها في بناء أجهزتها العدلية، وطريقتها في مقاربة العدل والانصاف، فالواقع المعيش ينفي وجود طريقة صمدية واحدة تُتبع في بناء الأجهزة العدلية وضمان فاعليتها، فلكل بلدٍ من بلدان العالم نهجٌ خاص به يسلكه في بناء منظومته العدلية وفق ما يناسب واقعه السياسي والاجتماعي، ولا يغير من هذه الحقيقة وجود تقاطعات ومشتركات في هذا الباب بين الأمم، وبما أنَّ العلامة الأبرز في بناء المنظومات العدلية تتجسد في القضاء، حال كونه صمام الأمان والقلب النابض الذي بصلاحه ينصلح حال بقية الأجهزة العدلية، فقد رأيت، توطئةً لحديثي هذا أنْ أقارب على سبيل الإيجاز أميز الأساليب والطرق في اختيار المستويات العليا للأجهزة القضائية في بعض دول العالم العريقة، عسى أن يكون ذلك سراجاً هادياً وصوىً نسترشد به سبلاً سالكة تصلنا بحوكمة أجهزتنا العدلية السودانية عامةً وجهازنا القضائي على وجه أخص، ضماناً للفاعلية وبلوغ الغايات في ظل التعدد المفاهيمي لتوزان السلطات ورقابتها لبعضها (check & balance)، ثم بناءً على ذلك أدقق النظر ما أمكن ذلك في بعض تحديات إصلاح أجهزتنا العدلية، ومن هذا المنطلق سأقارب بشكلٍ موجز- في حدود ما يخدم الغرض – نماذج من أدوات بناء المستويات العليا للأجهزة القضائية في بعض دول العالم المحكومة ديمقراطياً، نموذجين اثنين من بلدان المنهج الأنجلوسكسوني ونموذجين اثنين من بلدان الطريقة القارية اللاتينيتة والجرمانية، وذلك على النحو التالي:-
1. في الولايات المتحدة الأمريكية: أسست المادة الثالثة من الدستور الأمريكي في قسمها الأول للمحكمة العليا (السلطة القضائية الأعلى في البلاد) لكنها لم تتصدى لمسألة تنظيمها وكيفية تشكيلها، وتركت ذلك للتشريعات الفدرالية العادية التي يصدرها الكونغرس الأمريكي، فتم تنظيم ذلك بقانون الهيئة القضائية لسنة 1789م الذي جعل عدد قضاة المحكمة العليا ستة قضاة، ثم في تعديلات على مدى أزمان مديدة لهذا القانون تراوح عدد قضاتها بين الخمسة والعشرة قاضيا، إلى أن أستقر أمرها أخيراً على تسعة قضاة، فوفق هذا التشريع وتعديلاته يتم تعيين قضاة المحكمة العليا لمدى الحياة بمعرفة رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلسي الشيوخ والنواب، ولا يجوز عزلهم إلا لعوامل المرض المقعد الذي يحول بينهم وأداء خدماتهم، أو لأسباب تتعلق بفساد الذمم وفق إجراءات معقدة جداً، وفي حالة وقوع العزل يتم تعيين البديل بنفس الطريقة التي أشرنا إليها فيما سبق، ومع أن المحكمة العليا الفدرالية تمثل المرجعية القضائية العليا في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن أمر تعيينها يعود في الأصل إلى رئيس البلاد ومجلسي الشيوخ والنواب، ولكن إذ ما تمَّ تعيينها انقطعت صلتهم بها فتصبح كالساعة لا يتدخل صانعها في عملها بشيء، بل تكون هي أداة لضبط شؤونه القانونية والقضائية جميعها، المدني والإداري منها والدستوري…إلخ إلا إذا تعطلت ماكينتها فإنه يعود لإصلاح عطبها من جديد لإكمال نصاب قضاتها بسد ما شغر فيها من وظائف بسبب الوفاة أو العجز المقعد، ولا يقدح هذا التصدي من الرئيس ومجلسي الشيوخ والنواب في استقلالها بشيء في ظل الضمانات الدستورية والتشريعية التي تَعْضُد هذا الاستقلال، فهكذا تُفهم نظرية مراقبة السلطات لبعضها بعضا على الطريقة الأمريكية، ولا يقدح في حياد المحكمة واستقلالها التدخل المباشر من الرئيس والكونغرس بمجلسيه في إجراءات تعيين أعضائها، في ظل ضمانات استقلالها المنصوص عليها في صلب الدستور. ولمن يريد مزيداً من التوسع في مقاربة آليات النظام الأمريكي في تنظيم الأجهزة العدلية يمكن له الرجوع إلى الدستور الأمريكي وتعديلاته وقانون الهيئة القضائية لسنة 1789م وتعديلاته.
2. في المملكة المتحدة، حيث لا يوجد دستور مكتوب تتولى الملكة مهمة التعيين في المستويات القضائية العليا بناءً على توصية من رئيس الوزراء. وتتولى القيام بالتعيينات القضائية الأخرى بناء على توصية من وزير العدل الذي يستند على توصية من لجنة التعيينات القضائية وذلك فيما يتعلق بإنكلترا وويلز وآيرلندا الشمالية، وعلى توصية وزير الدولة لشؤون اسكتلندا -بمشورة من النائب العام في اسكتلندا- وذلك فيما يخص اسكتلندا.
إعمالاً لقانون الإصلاح الدستوري لسنة 2005م تم إبدال اللورد المستشار كرئيس للهيئة القضائية في إنكلترا وويلز برئيس مجلس الملكة الخاص، الذي أصبح يشغل منصب رئيس القضاء في نفس الوقت الذي يشغل فيه منصب رئيس مجلس الملكة الخاص، ويتم تعيينه بشكلٍ مستقل من لجنة خبراء خاصة تعقدها لجنة تعيينات شاغلي الوظائف القضائية، التي إلى جانب ذلك تقوم بتعيين شاغلي المناصب القضائية الأخرى، وتتألف هذه اللجنة – أي لجنة التعيينات القضائية – من 15 عضواً تعينهم الملكة بناءً على توصية من اللورد المستشار ومن المفارقة أنَّ هذه اللجنة أو المفوضية يرأسها – بنص القانون – شخص غير قانوني، وييتم اختيار خمسة من أعضائها من الهيئة القضائية وخمسة من عامة الجمهور (غير قانونيين) واثنين من المهنيين القانونيين من خارج الهيئات القضائية وواحد من جهاز العدالة العامة وواحد من شاغلي المكاتب القضائية التي حددها القسم الثالث من الجدول الرابع عشر من قانون الإصلاح الدستوري لسنة 2005م.
أنهى قانون الإصلاحات الدستورية لسنة 2005م العلاقة الميكانيكية التي كانت قائمة بين مجلس اللوردات والمحكمة العليا التي كانت بمثابة لجنة داخلية فيه يترأسها اللورد المستشار، وبناءً على هذا النهج الإصلاحي تولت المحكمة العليا في أكتوبر من العام 2009م القيام بدور مجلس اللوردات لأول مرة كأعلى محكمة تتسم أحكامها بالنهائية وتخضع لولايتها كافة مقاطعات المملكة المتحدة باستثناء إسكتلندا فيما يخص المسائل الجنائية. ولمن يريد مزيداً من التوسع في آليات تنظيم وعمل الأجهزة العدلية في المملكة المتحدة يمكن له الرجوع إلى قانون الإصلاحات الدستورية لسنة 2005م (Constitutional Reform Act 2005).
1. في الجمهورية الفرنسية، جاءت منهجية تشكيل أجهزة القضاء وطريقة عملها – بموجب الدستور الفرنسي لسنة 1958 وتعديلاته – معقدة جداً، فهناك المجلس الدستوري الذي يتألف بموجب المادة (56) من الدستور الفرنسي من تسعة أعضاء غير دائمين، يتولى كل عضو ٍ منهم منصبه لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد، أما بشأن صلاحية تشكيل المجلس، فثلاثة من أعضائه يعينهم رئيس الجمهورية، وثلاثة يعينهم رئيس الجمعية الوطنية، وثلاثة يعينهم مجلس الشيوخ، وبالإضافة للأعضاء التسعة الغير دائمين السابق الإشارة إلى طريقة تعيينهم يتمتع رؤساء الجمهورية السابقين بالحق الكامل في العضوية الدائمة في المجلس الدستوري أما رئيس المجلس فيتم تعيينه من قبل رئيس الجمهورية، ولا يجوز وفقاً للمادة (56) السابق الإشارة إليها الجمع بين عضوية المجلس الدستوري وبين وظيفة وزير أو عضوية مجلس من مجلسي البرلمان.
أما المجلس الأعلى للقضاء فيترأسه رئيس الجمهورية ويتألف وفق المادة (64) من الدستور الفرنسي من قسمين، قسمٌ له الولاية القضائية على القضاة وقسم له الولاية على النيابة العامة. يرأس القسم صاحب الولاية القضائية على القضاة رئيس محكمة النقض، وعضوية خمسة أعضاء ومدعي عام واحد، ومستشار دولة يعينه مجلس الدولة، ومحام متمرس، بالإضافة لستة شخصيات بارزة مؤهلين ليسوا أعضاءً في البرلمان أو في السلطة القضائية أو الجهاز الإداري للدولة، يتم تعيينهم بمعرفة كلٍ من رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ، إذ يعين كل واحد اثنين منهم.
أما القسم صاحب الولاية على النيابة العامة في المجلس الأعلى للقضاء فيرأسه رئيس النيابة العامة ويضم إلى جانب الرئيس خمسة أعضاء من النيابة العامة وقاضٍ واحد، فضلا عن مستشار الدولة ومحامٍ مزاول، وستة من المواطنين البارزين المؤهلين، يتولى كل من رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ تعيين اثنين منهم.
يقوم القسم صاحب الولاية القضائية على القضاة في المجلس الأعلى للقضاء بتقديم الاقتراحات بشأن تعيين القضاة لدى محكمة النقض وتعيين الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ورئيس المحكمة الابتدائية، بينما ينفرد القسم الخاص بالنيابة العامة في المجلس الأعلى للقضاء بإبداء الرأي والتوصيات بالتعيينات التي تخص النيابة العامة، هذا وقد جاءت تفصيلات مهام القسمين السابق ذكرهما مفصلة تفصيلاً دقيقا في صلب الدستور ولم يترك أمر ذلك للتشريعات العادية على نحو ما هو معمول به في الولايات المتحدة الأمريكية، ويتخذ المجلس الأعلى قراراته في اجتماع يضم القسمين معاً. – لمن يريد مزيداً من التوسع في آليات تشكيل وعمل الأجهزة العدلية الفرنسية يمكن له الرجوع إلى الدستور الفرنسي 1958م وتعديلاته.
1. في جمهورية ألمانيا الاتحادية، فإنه بموجب المادة (94/1) من القانون الأساسي لألمانيا الاتحادية (الدستور) لسنة 1949م وتعديلاته – التي كان آخرها في 28/3/2019م- تتكون المحكمة الدستورية من قضاة اتحاديين وأعضاء آخرين، نصف أعضاء المحكمة الدستورية يتم انتخابهم بمعرفة البرلمان الاتحادي (البوندستاج)، بينما النصف الآخر يتم انتخابهم بمعرفة مجلس المقاطعات (البوندسرات).
أوضحت المادة (93) من الدستور اختصاصات المحكمة الدستورية بصورةٍ مفصلة أما أمر تنظيمها وإجراءات عملها، فبموجب المادة (94/2) من الدستور الألماني قد تمت الإحالة فيه إلى التشريعات العادية، إذ نصت على أنَّ ذلك يتم بموجب قانون اتحادي.
أما المحاكم الاتحادية العليا فإنه وفق المادة (95/2) من الدستور فيتم اختيار قضاتها بمعرفة الوزير الاتحادي المختص ولجنة اختيار القضاة المكونة من وزراء الولايات المختصين (المقصود وزراء العدل) وعدد مساوٍ لهم من الأعضاء المنتخبين لهذا الغرض من قبل البوندستاج (السلطة التشريعية الاتحادية)، مع ملاحظة أنَ المحاكم العليا الاتحادية تختص كل واحدةٍ منها باختصاص معين إذ لا توجد محكمة عليا واحدة تشتمل على دوائر داخلية على نحو طريقتنا في السودان، فبموجب المادة (95) من الدستور ألألماني تقوم الآلية السابق الإشارة إليها بإنشاء محكمة العدل الاتحادية، والمحكمة الإدارية الاتحادية ومحكمة العمل الاتحادية والمحكمة الاجتماعية الاتحادية، كمحاكم للولاية القضائية العادية والإدارية والمالية والعمالية والاجتماعية. يتضح لنا من السياقات السابق الإشارة إليها أنَّ المجلس التشريعي (البوندستاج) والسلطة التنفيذية يتدخلان بآليات مباشرة في بنية المنظومة القضائية لحوكمتها، وهذا في وجهة نظري من صميم مبدأ (توازن السلطات)، ولا يقدح أبداً في استقلال القضاء، لا بل يقويه، فمع هذا التدخل المباشر في توجيه بنية النظام القضائي أكدت المادة (97/1) من الدستور الألماني بشكلٍ صريح على استقلال القضاة وخضوعهم في أداء أعمالهم فقط للقانون. ولمن يريد مزيداً من التوسع في آليات تشكيل الأجهزة العدلية الألمانية وضبط إجراءات عملها يمكن له الرجوع إلى الدستور الألماني (Basic Law for the Federal Republic of Germany)
* مفوضية إصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية السودانية بين التحدي وسلب الفاعلية في لحظة الميلاد: –
1.
1. أكدت الوثيقة الدستورية في الفقرة (5) من المادة (8) منها على التزام أجهزة الدولة في الفترة الانتقالية (بإنفاذ الإصلاح القانوني وإعادة بناء تطوير المنظومة الحقوقية والعدلية، وضمان استقلال القضاء وسيادة القانون)، وبما أن عبارة أجهزة الدولة التي يقع عليها هذا الالتزام جاءت في سياق المادة (8) السابق الإشارة إليها بإطلاق لا قيد فيه، فإن الأجهزة المعنية بمباشرة الإصلاح القانوني تشمل كافة أجهزة الدولة الواردة في الوثيقة الدستورية، أقصد أجهزة الحكم التي حصرتها المادة (10) من الوثيقة في المجلس التشريعي ومجلسي السيادة والوزراء مضافاً إليها الأجهزة الأخرى المتمثلة في المجلس الأعلى للقضاء والسلطة القضائية والمحكمة الدستورية والنائب العام والمراجع العام فضلاً عن الأجهزة النظامية (الشرطة والقوات المسلحة وجهاز المخابرات الوطني)، والمفوضيات ومجلس الشركاء.
2. بناءً على ما سبق، فإنَّ النظرة إلى استراتيجية الإصلاح القانوني في ظل التوجيه الدستوري الذي أشارت به الفقرة (5) من المادة (8) من الوثيقة الدستورية تنبئ بأنَّ مسألة الاصلاح القانوني وإعادة بناء المنظومة الحقوقية والعدلية هي في الحقيقة تحدٍ شاق، ومسألة معقدة مطلوبٌ أن يُسهم فيها وفق الوثيقة الدستورية كل جهاز من الأجهزة السابق الإشارة إليها بقدر من الواجب وتَحمُل المسؤولية.
3. للأسف، جاء قانون مفوضية إصلاح الأجهزة العدلية والحقوقية لسنة 2020م، مخيباً للآمال بشأن تشكيل المفوضية، وانطوى على مفارقة لم تأخذ تجارب الدول العريقة التي أشرنا إليها فيما سبق في الحسبان، فجعل بصورة مباشرة أو غير مباشرة اختيار أعضاء مفوضية إصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية في يد السلطة القضائية والنائب العام ووزارة العدل، وشرعن لهذه الأجهزة أن تكون هي المتحكمة في هيكلة نفسها وإصلاح حالها، مع أنَّ ذلك أمرٌ ينافي منطق الأشياء، ولا يغير من ذلك أنَّ المادة (39-4-أ) من الوثيقة الدستورية خولت رئيس مجلس الوزراء الانفراد بتعيين رئيس وأعضاء مفوضية الإصلاح القانوني، خاصةً في غياب تشكيل المجلس التشريعي، فقد أفرغت المادة (5) من قانون مفوضية إصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية لسنة 2020م هذا التخويل من معناه حين نصت على تشكيل المفوضية من رئيس القضاء والنائب العام ووزير العدل ونقيب المحامين والممثلين الثمانية الذين تختارهم السلطة القضائية والنيابة العامة ووزارة العدل ونقابة المحامين بمعدل اثنين لكل جهة، وينتج عن ذلك – بصورة أو أخرى- أنَّ الأجهزة العدلية المطلوب إصلاحها هي التي تختار أكثرية أعضاء المفوضية، وبهذا أصبح تعيين رئيس مجلس الوزراء لأعضاء المفوضية المخول له بموجب الوثيقة الدستورية لا يعدو أن يكون إجراءً شكلياً يتلخص في مجرد الاعتماد، وإذا قرأنا الواقع التشريعي الذي أفرزه قانون المفوضية بشأن تشكيلها فإنها -أي المفوضية- لن تبرأ بأية حالٍ من الأحوال من شبهة الانحياز للأجهزة العدلية المطلوب إصلاحها، الأمر الذي يعيق مسألة الإصلاح وإعادة الهيكلة إنْ لم يمنع تحقيقها، وفي المثل السوداني الدارج (أنَّ السكين لا تقطع نفسها)، ومع ذلك جنح قانون مفوضية إصلاح المنظومة العدلية والحقوقية إلى تأطير رؤية للإصلاح وإعادة الهيكلة مغايرة لفحوى هذا المثل ولمنطق بداهة الأشياء، فالمادة (2) من القانون المذكور والمعنونة (تفسيرات) عرفت المنظومة الحقوقية والعدلية (موضوع الإصلاح ) بحصرها فيما يلي: (السلطة القضائية، المحكمة الدستورية، النيابة العامة، وزارة العدل، لجنة قبول المحامين، نقابة المحامين، معهد العلوم القضائية والقانونية، وكليات القانون في الجامعات السودانية، وأي جهات أخرى تختص بالعمل الحقوقي والعدلي)، ومع ذلك جعلت من هذه الأجهزة والأجسام بصورة أو أخرى أدوات لها أذرع طويلة في تشكيل المفوضية المنوط بها إصلاح هذه الأجسام وهيكلتها، ومن ثم فإنّ أي إصلاح أو هيكلة بمعرفة مفوضية على هذا النمط من التشكيل المنحاز – للأجسام المطلوبة هيكلتها وإصلاحها- لن تستطيع في أفضل الأحوال أن تجري إصلاحاً يمكن أن يتجاوز حدود الجراحات التجميلية، فكيف الحال إذا ما كانت هذه الأجهزة في الأصل معطوبة بطبيعة واقعها الموروث، في ظل هيمنة مجلسي السيادة والوزراء على سلطة التشريع وغياب الرقيب الأصيل (الشعب ممثلاً في المجلس التشريعي) وانفراد مجلس السيادة – وفق الفقرتين (و)، (ي) من المادة (12) من الوثيقة الدستورية – في ظل تكوينه الحالي – بتعيين رئيس القضاء والنائب العام اللذان هما بحكم منصبيهما يشغلان منصبي رئيس ونائب المفوضية المنوط بها إصلاح الأجهزة العدلية، فضلاً عن أنَّ هذين الأخيرين بحكم المنصب أيضاً يتحكمان في تعيين ثمانية أعضاء من العدد الإجمالي لأعضاء المفوضية، فقل لي بالله عليك ألسنا نلوك في ظل هذا الواقع التشريعي أحجية إصلاح قانوني لا تقل تعقيداً عن حالة طبيبٍ توهم القدرة على استئصال ورمه بنفسه، فإذا ذهبت تقارن بين هذا الوضع- في ظل واقعنا السياسي المتأزم – وبين الأجسام المنوط بها حوكمة السلطة القضائية في دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا على النحو الذي أوضحنا طرفاً منه فيما سبق، فإنَّ اليأس من إصلاح أجهزتنا العدلية بيقين سيكون هو سيد الموقف.
من المبادئ الهادية والأصول المتبعة في إصلاح وهيكلة الكيانات والمؤسسات حتى على المستوى التجاري، أنَّ مكونات الكيان أو الجسم المرغوب في هيكلته لا تكون جزءاً من أدوات وآليات الهيكلة إلا في حدود واجب توفير المعلومات والبيانات التي يطلبها منها القائمون على أمر الإصلاح والهيكلة، وهو أمرٌ قد تغافلت عنه البنية التشريعية التي انتجت آلية إصلاح الأجهزة العدلية والحقوقية، حين جعلت عملية الإصلاح تعود بصورة أو أخرى إلى الأجهزة العدلية نفسها، فلا يعقل بأية حالٍ من الأحوال أن يكون رئيس القضاء رئيساً لمفوضية إصلاح الأجهزة العدلية والحقوقية والنائب العام نائباً له ووزير العدل مقرراً لها، لا يعقل أبداً أن يقرر هؤلاء أمراً ينافي امتيازاتهم أو ينافي صلاحياتهم حرصاً منهم على مقتضيات الهيكلة والإصلاح، أو أن يأتوا بمرشحين للمفوضية لا يضمنون ولاءهم لإبقاء الأوضاع على النحو الذي يدعم امتيازات وصلاحيات منسوبي تلك الأجهزة ، فذلك أمر بلا شك يتعارض في الغالب الأعم مع الطبائع البشرية، ومن هنا كانت الحاجة إلى إبداع أدوات من مثل مبدأ توازن السلطات (check & balance) الذي ينبغي ألاَّ تقتصر تطبيقاته على الفصل بين سلطات الدولة الثلاث وفق العلاقات الميكانيكية التي جرت بها الأعراف الدستورية وفهمناها فهماً حرفياً أفرغها من غاياتها، بل يجب إعمال هذا المبدأ أينما كان هناك ثمة تعارض مصالح وامتيازات، وبناءً عليه ولضمان إصلاح وهيكلة معافيين للأجهزة العدلية فإنه لمن الضرورة بمكان منع قيام أي علاقة عضوية بين أي جهاز عدلي مطلوب إصلاحه وهيكلته وبين الآلية أو المفوضية المنوط بها أمر هيكلته، وإلا فإننا سنكون أمام عبث يتماهى فقط مع شكليات الهيكلة والإصلاح، ولا يشغل نفسه بحقيقتها وجوهرها.
1. مما سبق أزعم أنَّ الإشكال الرئيس الذي لازم مسألة إصلاح الأجهزة العدلية والحقوقية وأدى إلى تعثرها، يتجسد في عجزنا عن بلورة رؤية لإنتاج آلية ناجحة تسهم بفاعلية في إصلاح وهيكلة المنظومة العدلية، وقد كاثف من هذا العجز غياب المجلس التشريعي، وتَصدِي مجلسي (السيادي والوزراء) لمعالجة قانون إصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية على نحوٍ شرعن لمفوضية إصلاح جاء تشريعها معطوباً من لحظة الميلاد، وهو ما يستحيل معه من وجهة نظري تنفيذ الأهداف الواردة في المادة (4) من قانون المفوضية السابق الإشارة إليه، على سمو هذه الأهداف ونبلها، ولا يغير من ذلك فاعلية الأدوات التي وضعتها المادة (6) من قانون إصلاح المنظومة الحقوقية في يد المفوضية، لتحقيق تلك الأهداف، طالما أنَّ المفوضية تتجاذب مركبها رغبات وأهواء الجهات المكونة لها والمرجعيات التي أسهمت في إخراجها إلى حيز الوجود بما ينافي مبدأ تعادل السلطات – في ظل تغول مجلسي السيادة والوزراء على صلاحيات المجلس التشريعي المغيب – على نحوٍ يخالف ما جرى عليه العرف الدستوري في معظم بلاد الله بشأن تكوين المفوضيات والمرجعيات اللازمة لتعيين مستويات الوظائف العليا للأجهزة العدلية، خاصةً المستويات العليا لمرفق حساس مثل مرفق القضاء.
* المجلس التشريعي شرط لزوم لإصلاح الأجهزة العدلية والحقوقية: –
أكدت الفقرة (12) من المادة (8) من الوثيقة الدستورية على التزام أجهزة الدولة خلال الفترة الانتقالية (بوضع برامج لإصلاح أجهزة الدولة خلال الفترة الانتقالية بصورة تعكس استقلاليتها وقوميتها وعدالة توزيع الفرص فيها دون المساس بشرط الأهلية والكفاءة)، بمعنى أن أجهزة الفترة الانتقالية جميعها تتكاتف على هذا الإصلاح، بما في ذلك (الإصلاح القانوني وإعادة بناء وتطوير المنظومة الحقوقية والعدلية وضمان استقلال القضاء وسيادة القانون)، ولاشك أنَّ غياب المجلس التشريعي "صاحب الجلد والرأس" في هذا الصدد عن المسرح، يجعل الشروع في عملية الإصلاح في غيابه أمراً شائهاً، بل ينطوي على تجاوز واضح لحكم المادة(24/4) من الوثيقة الدستورية التي أوجبت أن يُشكل المجلس التشريعي الانتقالي ويباشر مهامه في فترة لا تتجاوز تسعين يوماً من تاريخ التوقيع على الوثيقة، ذلك أن تشكيل المجلس التشريعي وفق المادة (24) من الوثيقة الدستورية وتعديلاتها يشمل طيفاً واسعاً من الشعب السوداني، ومن ثم فإن أي تشريعات أو معالجات تصدر من المجلس التشريعي يتوقع أن تكون الرؤية فيها لإصلاح الأجهزة العدلية أكثر وضوحاً وشمولاً، فضلاً عن أنها تعبر عن رضا الشعب عن الطريقة والأدوات التي تُبنى بها منظومته العدلية، أما أن ينفرد مجلسي السيادة والوزراء بصلاحية إصدار التشريعات ذات العلاقة بعملية الإصلاح القانوني والعدلي، استناداً إلى المادة (25/3) من الوثيقة الدستورية فذلك هو العَطَب بذاته، فحتى لو سلمنا جدلاً بسلامة تصدي هذين المجلسين لصلاحية التشريع بعض مضي التسعين يوماً المحددة لتشكيل المجلس التشريعي، فإنَّه لمن المتوقع أن تغيب الرؤية الشمولية للإصلاح العدلي عن التشريعات التي يصدرانها، إذا ما تمّ مقارنة ذلك بتشريعات تتم بمعرفة مجلس تشريعي يصل عدد عضويته إلى ثلاثمائة عضواً موزعين بين شتى التخصصات، ولذلك فمن الخطورة بمكان أن يتصدى مجلسا السيادة والوزراء لإصدار التشريعات التي يؤمل الشعب أن تكون سبباً في إصلاح وتقويم المنظومة الحقوقية والعدلية
* مقترح مخطط لإنجاز عملية إصلاح المنظومة العدلية والحقوقية: –
بناءً على السياقات التي أوضحتها في الفقرات (1)، (2) ، (3) من هذه القراءة، ولبلوغ الغاية والمقصد، أرى – من غير مصادرة لرأي أحد – أن يتدرج مخطط إصلاح المنظومة العدلية والحقوقية وفق التراتبية التالية:-
1.
1. حشد الجهود والطاقات للتعجيل بتشكيل المجلس التشريعي والتوقف فوراً عن الشروع في إجراء أي إصلاح تشريعي ذو علاقة بالمنظومة الحقوقية والعدلية أو إعادة هيكلتها إلى حين تشكيل المجلس التشريعي.
2. إعادة النظر في قانون مفوضية إصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية لسنة 2020م على حداثته على النحو التالي: –
1. تعديل الفقرة الثالثة من المادة (2) المعنونة "المنظومة العدلية" بحذف عبارة (وكليات القانون في الجامعات السودانية) منها، لإخراج كليات القانون من دائرة الإصلاح في إطار مفوضية إصلاح المنظومة العدلية وترك أمر إصلاحها ليكون ضمن خطة إصلاح الجامعات والتعليم العالي عموماً تحت إشراف وزارة التعليم العالي.
2. تعديل المادة (5) من قانون المفوضية بمعرفة المجلس التشريعي صاحب الحق الأصيل، بأن ينصب جوهر التعديل على فك الارتباط العضوي بين الأجهزة العدلية المطلوب إصلاحها وإعادة بنائها، وبين مفوضية إصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية، بمعنى أن يكون كافة أعضاء المفوضية من غير منسوبي الأجهزة الحقوقية والعدلية المطلوب إصلاحها – أي من غير العاملين فيها في الوقت الحالي.
3. تعديل المادة (5) من قانون المفوضية بالنص على تشكيل مفوضية إصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية من ثلاثين عضواً على الأقل من خارج الأجهزة العدلية بدلاً عن عشرين – وذلك بسبب أن عدد المنظومات الحقوقية والعدلية المطلوب إصلاحها وإعادة هيكلتها كبير جداً، والقيام بهذه المهمة يحتاج إلى قوة بشرية تتناسب من حيث العدد معها، على أن يتم اختيارهم على نحوٍ يضمن حياد المفوضية ويمنع انحيازها لأي جهاز من الأجهزة العدلية المطلوب إصلاحها، وذلك على النحو التالي: –
1. يختار رئيس مجلس الوزراء ثمانية من أعضاء المفوضية من أساتذة القانون من السودانيين الأكْفَاء سواءً الذين يعملون أو عملوا في جامعات سودانية أو أجنبية، على أن توضع معايير في صلب القانون لضمان تأهيلهم للقيام بمهام الإصلاح المطلوبة ولا تقل خبرة كل واحد منهم في تدريس القانون عن خمسة وعشرين عاماً.
2. عضوين اثنين يختارهم رئيس القضاء من القضاة السابقين ممن هم خارج الخدمة عند تشكيل المفوضية على أن تكون خدمة كل واحد منهم في الجهاز القضائي عشرون عاماً على الأقل.
3. عضوين اثنين يختارهم النائب العام من المستشارين السابقين بالنائب العام ممن هم خارج الخدمة عند تشكيل المفوضية، على أن تكون خدمة كل واحد منهم في النيابة العامة عشرون عاماً على الأقل.
4. عضوين اثنين يختارهم وزير العدل من المستشارين السابقين بالوازرة ممن هم خارج الخدمة عند تشكيل المفوضية، على أن تكون خدمة كل واحد منهم في وزارة العدل عشرون عاماً على الأقل.
5. عضوين اثنين يختارهم نقيب المحامين من خارج اتحاد المحامين والاتحادات الفرعية، على أن تكون خبرة كل واحدٍ منهم في مجال المحاماة خمسة وعشرون عاماً على الأقل.
6. عضوين اثنين يعينهم مدير عام الشرطة من ضباط الشرطة المتقاعدين على أن تكون مدة خدمة كل واحدٍ منهم في الشرطة عشرون عاماً على الأقل.
7. عضوين اثنين يختارهم رئيس معهد العلوم القضائية من رؤساء المعهد السابقين على ألا تقل خبرة كل واحد منهم في مجال العمل القانوني عن خمسةٍ وعشرين عاماً.
8. وخمسة أعضاء من المتخصصين في التطوير الإداري والموارد البشرية ممن لديهم خبرات عملية لا تقل عن عشر سنوات في مجال الهيكلة الإدارية والمالية يختارهم المجلس التشريعي سواءً من أعضائه أو من غير أعضائه.
9. خمسة أعضاء يختارهم المجلس التشريعي من بين أعضائه على أن يكونوا من غير ذوي التخصصات القانونية.
3. يتم تشكيل لجان تنسيقية من العاملين في الأجهزة الحقوقية والعدلية المطلوب إصلاحها ممن هم على رأس العمل فيها، بحيث تكون هناك لجنة تنسيقية لكل جهاز، تنحصر مهامها في توفير أي بيانات أو معلومات أو مستندات تطلبها مفوضية إصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية عن كل جهاز من المنظومة أو تطلب توفيرها لأي جهة تنيط بها المفوضية مهمة من مهام إصلاح جهاز من أجهزة المنظومة أو هيكلتها، وينفرد الرئيس الأعلى لكل جهاز من المنظومة الحقوقية والعدلية بتشكيل لجنة التنسيق التي تخص جهازه، فرئيس القضاء يقوم بتشكل لجنة التنسيق المعنية بالجهاز القضائي والنائب العام يقوم بتشكيل لجنة التنسيق المعنية بالنيابة العامة ومدير عام الشرطة يقوم بتشكيل لجنة التنسيق المعنية بالشرطة وهكذا.
4. فور تشكيل مفوضية إصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية واللجان التنسيقية التي أشرنا إليها في الفقرة (4-3 ) أعلاه، تبادر المفوضية بمراجعة التشريعات ذات العلاقة المباشرة ببنية الأجهزة الحقوقية والعدلية المطلوب إصلاحها وإجراءات تنظيم عملها، وتشرع في تلمس جوانب النقص فيها لاستكمالها بالإشراف على تعديلها أو إعداد مشروعات قوانين بديلة لها– حسب الحال – بالتنسيق مع وزارة العدل تمهيداً لعرضها على المجلس التشريعي لإجازتها، ومن وجهة نظري ينبغي أن تتصدى المفوضية في البدء للتشريعات التالية : –
1. قانون السلطة القضائية لسنة 1986م.
2. قانون مفوضية الخدمة القضائية لسنة 2005م.
3. قانون معاشات القضاة لسنة 1999م.
4. قانون تنظيم وزارة العدل لسنة 1983م
5. قانون المحكمة الدستورية لسنة 2005م.
6. قانون المحاماة لسنة 1983م.
7. قانون تنظيم مهنة القانون لسنة 1966م
8. قانون ديوان المظالم العامة لسنة 2015م.
9. قانون المفوضية القومية لحقوق الإنسان لسنة 2009م
10. قانون شرطة السودان لسنة 2008م.
11. قانون معاشات ضباط الشرطة لسنة 1995م
12. قانون معاشات صف وضباط الشرطة لسنة 1995م.
13. قانون تنظيم السجون ومعاملة النزلاء القومي لسنة 2010م
14. قانون لجان التحقيق لسنة 1954م.
5. فور إجازة أي قانون من القوانين المشار إليها في الفقرة (4-4) من هذه المقاربة ينبغي أن تشرع مفوضية إصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية في هيكلة الجهاز العدلي موضوع القانون الذي تتم إجازته، وليس هناك ما يمنع من أن تتم عملية الهيكلة – لجميع الأجهزة التي تتم إجازة القوانين المنظمة لها- بالتوازي، ويمكن للمفوضية التعاقد مع شركة متخصصة في عمليات الهيكلة الإدارية والمالية على طراز ديلويت، لتستعين بها المفوضية في وضع معايير الهيكلة وتصنيف الوظائف والوصف الوظيفي لكل وظيفة وتقييم الموظفين …إلخ مطلوبات الهيكلة الإدارية والمالية بما يتفق مع طبيعة كل جهاز من أجهزة المنظومة الحقوقية والعدلية.
* لإنجاح عملية الإصلاح والهيكلة ينبغي أن تضع مفوضية الإصلاح لنفسها جداول زمنية تتضمن وصف كل مهمة أو عمل، وإجراءات تنفيذه على نحوٍ مفصل، وتحديد الجهة أو الشخص المنوط به تنفيذ كل إجراء بما يمنع التباطؤ في الإنجاز والتنصل من المسؤوليات، أيضاً ينبغي عليها أن تضبط الجداول الزمنية للعمل بمؤشرات أداء واضحة تساعدها في عملية قياس المهام والأعمال للتأكد من إنجازها أو على الأقل لمعرفة النسب المنجزة منها، فذلك مما يساعد في إصلاح الخلل – أينما وجد – في الوقت المناسب، ويسهم في بلوغ المقاصد والغايات.
والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.