ألمح رئيس الوزراء، الدكتور عبد الله حمدوك؛ ضمن خطابه بمناسبة عيد الأضحى المبارك للسودانيين، ما أسماها بالتسوية السياسية الشاملة، ضمن برنامج الانتقال الوطني، إلى رحاب الديمقراطية والتنمية، فقد تحاشى حمدوك كلمة مصالحة، والتي أصبحت الكلمة الأكثر تداولاً في منصات اتجاه الرأي العام السوداني. وكان القيادي الإسلامي، غازي صلاح الدين، قد التقى رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، في يونيو من العام الماضي، معتبراً أن حمدوك رئيس وزراء كل السودانيين، وأن اللقاء جاء برغبة مشتركة، فيما صمت وقتها مكتب رئيس الوزراء، دون إبداء أي إشارة حول هذا اللقاء. فالمصالحة عبر التأريخ؛ تعد فكرة إنسانية، تجد السند في كل الأديان والأعراف وكريم العادات والمعتقدات، لكنها عندما تصبح سياسية، تكتسب غموضاً ومحاذير. ففي التأريخ السياسي السوداني، على مر الحقب السياسية، لم تكن المصالحات السياسية ذات معنى وطني، بقدر ما لعبت المصلحة السياسية فيها معناها وأدوارها التي أفضت إلى واقع مأزوم أكثر. فكيف تأتي هذه المرة، ما بين إجهاض التيار الثوري ورغبة الانتقال الديمقراطي السلس؟! في حوار إذاعي، قال الكاتب والباحث، الدكتور النور حمد، في حديثه لراديو 106.6 PRO: "عرمان ومناوي طرحا أمر المصالحة مع الإسلاميين من قبل. لكن أعتقد أن رئيس الوزراء يرى أن اللحظة السيكولوجية للمصالحة معهم لم تأت بعد، وأعتقد أن د. حمدوك مبرمج أمر مبادرته لتظهر على مراحل". التصريح أعلاه، أشعل من جديد مواقع التواصل الاجتماعي، وتباينت التعليقات والآراء، حول موضوع المصالحة الوطنية مع الإسلاميين، والتي غلب عليها الرأي الرافض، فيما تحفظت بعضها بالموافقة المشروطة، بالمحاكمات العادلة، والاعتذارات الموثقة، بينما ذهب آخرون في اتجاه الحقيقة والمصالحة ضمن ما يسمى بالعدالة الانتقالية. قال الكاتب والباحث، شمس الدين ضو البيت: "مصالحة الإسلاميين يجب أن تكون النتيجة الأخيرة لأربع خطوات تسبقها وهي: الاعتراف بالجرم، محاكمة كبار المجرمين، جبر الضرر، والتعويض. بعدها طلب العفو من الضحايا والمصالحة، لا قبلها". أما القيادي بالحركة الشعبية، شمال ياسر عرمان، فقد كان قد صرح في أكثر من مناسبة، بأن وجوب المصالحة مع الإسلاميين المعتدلين – على حد قوله، والذين أطلق عليهم بالذين لم تخض أفعالهم في سفك دماء الأبرياء، ولا أياديهم في قضايا الفساد الإداري والمالي، طيلة ثلاثين عاماً من حكم النظام المباد. وأعقبها عرمان بتغريدة على صفحته في الفيسبوك، ما أسماه "الشعب يرتدي سترة واقية، ضد الفلول والشمولية". وأوضح أن المصالحة، وهي كلمة باطل أريد بها باطل، لإعادة إنتاج حزب المؤتمر الوطني الفاشي، ولا يمكن المطالبة بذهاب قادته إلى لاهاي، والتعامل مع المحكمة الجنائية في جرائم الإبادة والحرب. والمطالبة بالمصالحة معه، المؤتمر الوطني لا يمثل التيار الإسلامي العريض، وهو صاحب الدولة الموازية التي ولغت في دماء الدكتور علي فضل، مثلما فعلت ذلك بالأستاذ أحمد خير، فهي لا تفرق بين أحد من الوطنيين. أصاف: "ندعو لمحاكمة قادته وفق القانون لا إطلاق سراحهم وتمكينهم من التمهيد لثلاثين يونيو جديدة، ولا بد من بناء مؤسسات مهنية لكافة السودانيين". لكن حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، كان قد أبان في العديد من المناسبات، عبر فيديوهات تبادلها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بضرورة المصالحة مع الإسلاميين، دون أن يحدد من هم. تصريحات أثارت غضب الغالبية من رواد المواقع، ووصفوها بالتصريحات غير الموفقة، وتدعو إلى مفارقة الخط الثوري، وامتداد طبيعي لنسخة الهبوط الناعم، وفي أكثر من مناسبة كانت فيها صوت لجان المقاومة وتنسبقياتها، هو الأعلى برفض فكرة المصالحة مع الإسلاميين. يقول الكاتب والمحلل السياسي، التيجاني محمد صالح: "في مسألة المصالحة يتم الوصول للحقيقة فيها عن أحد طريقين: الأول، القضاء وما يصدر عنه من حكم واجب التنفيذ، لا يكون للمحكوم ضده – جماعة الإسلام السياسي – أي فضل يستوجب رحمة الشعب، فطالما أخذ الحق عن طريق القضاء بعد أن يستنفذ المتهم كل دفوعاته، مما يعني أن عدم الإعتراف بالجرم كان هو الموقف، وفي هذه الحالة يصبح الحديث عن مصالحة من قبيل فضول الكلام الذي لا لزوم له". أما الثاني والحديث لصالح: "اعتراف المتهم من تلقاء نفسه وبشفافية تامة أمام الشعب ومن غير محكمة بالجرم كاملاً، والاعتراف يتضمن فيما يتضمن إظهار الندم على ما فات والتأكيد على عدم تكرار ما تم، مع الاستعداد للتقدم لمحاكمة عادلة، وعندها يكون للشعب السوداني مطلق الحرية في اختيار أن يصالح أو لا يصالح فهو سيد قراره، يأتي ذلك في أعقاب حوار عام لمناقشة الأمر في ضوء المصلحة الوطنية". وختم صالح حديثه ل (مداميك) حول الأصوات التي بدأت تنادي بالمصالحة: "أما ما نراه من تطوع بعض من المحسوبين على الثورة بطرح قضية المصالحة قبل أن يقول القضاء كلمته، أو قبل الاعتراف الكامل بالجرم من قبل المتهم – الإسلام السياسي – فهو لا يعبر إلا عن عدم جدية وميوعة في تناول قضية بسببها ثار الشعب ودفع لأجلها الشباب قبل الكهول أثماناً باهظة من أرواح ودماء سالت وموارد أهدرت على مدى ثلاثين عاماً". مداميك