بالأمس مر الموعد الذي قطعه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك للإعلان عن المجلس التشريعي كغيره من المواعيد السابقة التي فشلت، ولم تتمكن اللجنة حتى اللحظة بحسب منسوبيها من إكمال الترشيحات وإعداد الكتل والرئاسة والنواب ومناقشة الهيكلة في الوقت الذي تبقى فيه عشرون يوماً فقط على انعقاد أولى جلسات المجلس التشريعي بحسب مجلس شركاء الفترة الانتقالية الذي حدد السابع عشر من أغسطس القادم تاريخاً لانعقاد أولى جلساته. المجلس التشريعي الغائب وربما المغيب قرابة العامين "عمر تشكيل الحكومة الانتقالية"، لا يزال في "كف عفريت"، مع وجود لجنة متخصصة عمرها أكثر من عام، تضم ممثلين من شركاء الفترة الانتقالية مهمتها الوحيدة (تشكيل المجلس التشريعي). وظل السؤال يلاحق شركاء الانتقالية عن أسباب غياب أهم أركان هياكل السلطة الانتقالية وأهم مؤسساتها، على اعتبار أن نظام الحكم وفقاً للوثيقة الدستورية نظام برلماني، فمن الطبيعي أن ينشا التشريعي في بداية الفترة ومن ثم تنبثق منه الأجسام الأخرى، إلا أن الأمور جرت على غير ما رُسم وخُطط له داخل (وثيقة الثورة الدستورية). السلطة الانتقالية كانت تعزو أسباب تأخر التشريعي إلى انتظار شركاء السلام من حركات الكفاح المسلح، ولم يكن سبباً مقنعاً – بحسب مراقبين – باعتبار أن التشريعي كان من الممكن أن يتشكل شأنه شأن جميع الهياكل التي تشكلت قبل توقيع اتفاق السلام كمجلسي السيادة والوزراء، اللذين أجريت عليهما تعديلات استوعبت الشركاء الجدد. لكن ربما ثمة أسباب أخرى للغياب خاصةً وأن التشريعي لا زال غائباً وشركاء السلام داخل أروقة الحكم منذ شهور. أسئلة ظلت قيد الطرح لماذا غاب المجلس التشريعي الانتقالي حتى تاريخ اللحظة؟ ومن المستفيد من الغياب؟ بل ولماذا استطالت فترة قيام مجلسي السيادة والوزراء بمهام المجلس التشريعي، وتحول إلى مجلس دائم يقرر ويجيز القوانين باستمرار، في وقت أظهرت فيه السلطة التنفيذية في كثير من الأحيان عجز وتأخر في أداء مهامها الرئيسية. وأكد مصدر في اللجنة المنوط بها تأسيس المجلس التشريعي، أنهم يعزون تأخر تشكيل التشريعي إلى بطء الإجراءات من جانب الأحزاب السياسية المكونة للكتل، خاصة في الولايات علاوة على تلكؤ حركات الكفاح المسلح في تقديم الترشيحات. وفي وقت سابق قالت مقررة لجنة التشريعي؛ أمينة محمود، إن خمس ولايات تعاني انقسامات؛ الأمر الذي حال دون التوصل لقوائم متفق عليها. وتجدر الإشارة إلى أن مقاعد الولايات تتراوح ما بين 12 مقعداً كحد أقصى كما في ولايتي الجزيرة وجنوب كردفان، وثمانية مقاعد في بعض الولايات وذلك بحسب التعداد السكاني الأخير لكل ولاية. وأخذت بعض الولايات خمسة مقاعد وأقل الوليات تعداداً نصيبها أربعة مقاعد. المجلس التشريعي المؤقت، وبحسب الوثيقة الدستورية أوكلت إليه أداء مهام المجلس التشريعي الانتقالي لمدة 90 يوماً، وهي الفترة المقررة لإنجاز تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي. وشاب الفترة الانتقالية منذ بدايتها تأجيل إنجاز معظم المهام التي ارتبطت بتوقيت زمني محدد وفق الوثيقة الدستورية مما أدى إلى إجراء تعديلات عليها. عضو لجنة تحالف المحامين الديمقراطيين طارق عبد الحميد، أكد أن عدم التزام الحكومة بالفترات الزمنية التي تم التوافق عليها داخل الوثيقة الدستورية، في تشكيل هياكل السلطة يعد من الناحية القانونية مدخلاً للطعن الدستوري، خاصة فيما يخص التعديلات التي تمت على بنود الوثيقة الدستورية، فضلاً عن أن ذلك من الناحية السياسية يعد محاولة للسيطرة على مقاليد السلطة من بعض الجهات النافذة. وأوضح عضو لجنة تحالف المحامين الديمقراطيين ل(مداميك)، أنه يحق للشعب السوداني قانونياً تقديم طعن أمام المحكمة الدستورية يدين فيه تعديل الوثيقة الدستورية، لافتاً إلى أن ما يزيد الأمر تعقيداً، عدم وجود محكمة دستورية من الأساس، معتبراً ذلك يصب في إطار تلكؤ حكومة الفترة الانتقالية وعدم التزامها بالوثيقة الدستورية نفسها. وزاد: "هذا في حد ذاته يعطي الحق للمجلس التشريعي المنتخب بإعادة النظر في جميع القوانين التي تمت إجازتها خلال الفترة الزمنية التي كان مغيباً فيها". ويرى الكاتب والمحلل خالد الأمين، أن قيام المجلس التشريعي من شأنه أن يعيد الأمور إلى نصابها قليلاً بأن يعمل التشريعي على تصحيح مسار الفترة الانتقالية ناحية أهدافها التي نصت عليها الوثيقة الدستورية والتي هي أهداف ثورة ديسمبر وعلى رأسها تأسيس ديمقراطية مستدامة في السودان، حال أرادت القوى السياسية والمدنية ذلك. وقال: "إلا أن المجلس التشريعي الانتقالي يضم القوى نفسها التي وقعت في العديد من الإشكالات الدستورية والقانونية والسياسية". وقال الأمين ل(مداميك): "إن القوى السياسية التي ظلت تدعم السلطة السياسية متمثلة في مجلسي السيادة والوزراء حتى بعد تنصلها عن تعهداتها للشعب السوداني فيما يخص الكثير من القضايا التشريعية والقرارات السيادية ذات التأثير الكبير على مسار التحول الديمقراطي في السودان، لا تمتلك الإرادة السياسية التي من شأنها الدفع بإصلاح مسار الفترة الانتقالية، عبر رؤية سياسية متكاملة". وأضاف الأمين: "يفترض أن يكون المجلس التشريعي الانتقالي مدخلاً لإصلاح مسار الفترة الانتقالية ولكن في الواقع ووفقا للتجربة السياسية التي عايشناها منذ بداية الفترة الانتقالية والتي اتسمت في شكلها العام بالبطء وانعدام الرؤية والتخبط والتعارض في القرارات بين مكونات السلطة، ربما يتحول المجلس التشريعي إلى منصة سياسية جديدة لإنتاج المزيد من الأزمات". مداميك