* نفت قوى الحرية والتغيير (قحت) ما أوردته بعض المصادر من وجود مبادرة للمصالحة مع الإسلاميبن، وفي هذا السياق ذكرت أمينة محمود عضو المجلس المركزي لقوى الحرية في تصريحات صحفية "ما بيننا وبين الإسلاميين ارجاع المال الذي سرقوه ومحاسبتهم على كل صغيرة وكبيرة". * ولا أعتقد أن هناك جديد في هكذا تصريح عن استرداد الأموال المنهوبة ومحاسبة المجرمين، وهو لا يختلف عن ركام التصريحات النارية التي اعتادت قوى الحرية والتغيير وحكومتها على بثها للجماهير في محاولاتها لتخدير الناس وصرف أنظارهم عن استحقاقات ثورة ديسمبر المجيدة، ولم يعد المواطن يُلقي بالاً للتصريحات والوعود العرقوبية التي ظلّ يطلقها وزراء هذه الحكومة في كل المنابر.
* كانت آمال الناس كبيرة في تحقيق بعض أحلامهم على يدي حكومة الفترة الانتقالية التي لم تكن لتصل الى سُدة الحكم لولا بسالة هذا الجيل الجديد من الشباب وصموده أمام عنف وجبروت النظام البائد، ولكن تحوّلت أحلامهم إلى كوابيس!
* بالرجوع الى تصريحات عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير السيدة أمينة محمود (بأن ما بينهم وبين أنصار النظام البائد هو إرجاع المال المسروق، ثم محاسبتهم على كل صغيرة وكبيرة) ، نود التأكيد لها ولتحالف قوى الحرية والتغيير بأن مثل هذه الفرقعات الإعلامية لن تنجح في ذر الرماد في عيون الثوار لمنعهم من رؤية عملية السطو والسرقة، ليس للمال، كما فعل النظام البائد، وإنما للثورة الديسمبرية ولقيمها وأهدافها ودماء شهدائها.
* والأكثر إيلاماً أن تتم هذه السرقة بأيدي من نسبوا أنفسهم للثورة واعتلوا منابرها في جنح الظلام وتبنّوا تكوين حكومة الفترة الانتقالية الأولى والثانية والتي برهنت الأيام على فشلها الذريع في نيل ثقة الجماهير ورضاهم، وبدلاً من البحث عن حل لأزمتها مع الجماهير، آثرت الإبتعاد عن حاضنتها الطبيعية من القوى الثورية على امتداد الوطن، وفضلت السير مع الجناح العسكري والتنازل عن الكثير من الصلاحيات والسلطات التنفيذية لصالح العسكريين!
* فنَتج عن هذا الاستسلام أنْ تحوّل مجلس السيادة من سلطة سيادية تشريفية إلى أخطبوط له القول الفصل في قضايا السلام والتشريع وقضايا الاقتصاد ومعاش الناس، وهي في الأساس من صميم صلاحيات الحكومة المدنية!
* نعم، فقدت الحكومة المدنية الانتقالية البوصلة بعد أن أصرّ المجلس السيادي على اقتسام صلاحياتها معها بل والتغوّل عليها رغم أنف الوثيقة الدستورية، وقد أدّى هذا الوضع الضبابي إلى فشل ذريع في معالجة الأزمات الاقتصادية، فاستفحل التضخم وتردّت الخدمات الصحية وانعدمت الأدوية المنقذة للحياة.
* لا أحد ينكر الإنجازات التي تحققت خلال العامين الماضيين من عمر الحكومة الإنتقالية سواءً كان ذلك في ملف السلام الشائك، أو كان ذلك في رفع العقوبات الأمريكية وفك عزلة البلاد وعودة العلاقات مع المؤسسات المالية الدولية، وهي إنجازات جيدة ومرحبٌ بها، ولكنها دون الطموح، ودون تطلعات الشعب وتوقعاته مِن حكومة وجدت كل ما تريد مِن دعم وتفويض وزخم ثوري موشّح بصور الشهداء والجرحى والمفقودين!
* عليه، لا بدّ من تصحيح مسار الثورة قبل فوات الأوان، وعلى حكومة الدكتور حمدوك الرجوع الى قاعدتها العريضة..عليها العودة الى دفء الشارع وصدقه وثوريته.. عليها أن تنصت إلى أقوال الشباب وصرخاتهم وأحلامهم بوطن عاتي وشامخ ومتسامح.
* على الحكومة المدنية الخروج من المسار العسكري الضيّق والرجوع إلى المسار الثوري برحابته واتساعه واستيعابه للكل. في هذا المسار سيجد الدكتور حمدوك ملاذه الآمن..هنا قطار عَطْبرة..هنا أسود البَرَاري.. هنا لجان المقاومة بشبابها وكنداكاتها.. هنا هدير مواكب الحاج يوسف وشَمْبّات.. هنا حشود الكلاكلة ومايو واللاّماب.. هنا جموع أمْدُرمان وهي تحاصر مبنى المجلس التشريعي المهجور بسبب التسويف والمماطلة في اختيار أعضائه رغم أنف الوثيقة الدستورية.
* مسار الثوار هو الصدق ونكران الذات .. مسار الثوار هو الصخرة التي تحطّمت على جدرانها دكتاتورية ابراهيم باشا عبود ودكتاتورية جعفر نميري ودكتاتورية عمر البشير. لكي تنجح حكومة حمدوك في تنفيذ استحقاقات الفترة الانتقالية عليها أن تدرك أنّ سندها في ذلك هو هذا الشعب لا العسكر. لن تجد حكومة الدكتور حمدوك مخرجاً لأزماتها وإخفاقاتها لدى الجناح العسكري، ولكنها ستجد، بلا أدنى شك، الحصانة والمِنعة في ساحات الأحياء والميادين ومواقف المواصلات المحتشدة بالمواطنين المنتظرين للفرج تحت أشعة الشمس الحارقة.
* هؤلاء الشباب هم بِذرة الحزب القادم الذي سيكون بمشيئة الله نواة الديمقراطية القادمة في السودان فور انتهاء الفترة الانتقالية التي مضى معظمها ولم يتبقّ منها إلا القليل.
* وكما وقال عميد الصحافة السودانية الأستاذ محجوب محمد صالح (لا تستطيع بناء نظام ديمقراطي دون أحزاب قوية ذات أثر- جريدة السوداني، 25/7/2021م) فإنّ هذا الحزب الشبابي القادم لن يشبه الأحزاب التقليدية في تكلّسها، ولا الأحزاب اليسارية في براغماتيتها ولا الأحزاب الإسلامية في حربائيتها.
* هو حزب نسيجٌ وحده، الشباب هم قادته وقاعدته التي ستمكّنه من اكتساح الانتخابات القادمة وتكوين حكومة همّها صيانة الوطن وخدمة المواطن.. حكومة مبرأة من عيوب الجهوية والقبلية والمناطقية والأجندة الخفية .. حكومة حرة بكل ما تحمل هذه الكلمة العظيمة من معاني .. حكومة لا تخضع لابتزاز العسكر ولا لمحاصصة أحزاب الطوائف والجماعات المسلّحة.
فإن يكُ صَدر هذا اليوم ولَّى .. فإنّ غداً لِناظرِه قريب. التحية،، [email protected] com