ما شهدته مدينة كسلا بالأمس من استقطاب مضاد لكفة ترك التي بدأها الأسبوع الماضي مع اتهام صريح من المكون المدني بأن أتباع النظام السابق وبإيمائة من المكون العسكري هي من تقف خلف الرجل ليقف هذا الموقف الحاد بخطابه وتنفيذ ما قاله فوراً بقفل الطريق البري القومي ووصل به الأمر تباعاً إلى إغلاق الميناء والمطار في بورتسودان والخط الناقل للبترول لاحقاً مما استدعى المكون المدني ومؤيدو منبر جوبا في الجهة المقابلة لاستنفار كوادرهم بحشد سبعة عشر من مكونات النظارات الأهلية في محلية (شمبوب) الكسلاوية للرد على تِرِك وانصاره ولمن يقف خلفه بأن النار يمكن إشعالها من جميع الأطراف دون استثناء وأن تِرِك ليس وحده الذي يتحدث بإسم الشرق ولا وحده من يستطيع تحديد البوصلة ولا وحده من يملك المفتاح أو يحتفظ بكلمة السر ، لا من قبائل البجا الاخرى التي لا تتفق مع خطه ولا من بقية القبائل في الإقليم ، فالكل يملك ما يستطيع به إرباك المشهد السياسي والأمني والاقتصادي طالما ترك الجميع مهامهم الأساسية من حفظ ٍ للأمن إلى ممارسة الإستقطابات السياسية للقبائل والعشائر والمكونات الإجتماعية الأخرى لتحتك ببعضها ومن ثم تفجير الوطن كله بحروب أهلية تبدأ من الشرق لهشاشته المعروفة وذلك بتغييب صوت العقل واستجداء واجترار شرور الماضي لشحن الجميع سلباً ليحقق الصقور المتربصين بالكل بعد نهاية المعركة للقضاء على ما تبقى منهم وتسيُد الساحة ، فالكوارث التي ستخلفها أي حروب أهلية في شرق السودان ستكون أسوأ بكثير من تلك التي خلفتها في الغرب السوداني والتي لا زال يعاني منها أهالي المنطقة وبقية أرجاء الوطن . فشرق السودان هو المنطقة المستهدفة التالية بعد غربه وخاصة مدينة كسلا المرشحة الأولى لإنطلاق الاحتكاك الأهلي لعدة أسباب منها الصراع التاريخي بين قبائل معينة من البجا ضد البني عامر تحديداً وصراع النظارة بين القطبين الكبيرين تِرِك وسليمان بيتاي الذي هتف أنصاره في رد على شعار أنصار ( تِرِك مِرِق) بهتاف (الشيخ دولة) ، وجود قبائل أخرى غير البجا في المنطقة وتأثيرها على الأحداث السياسية وقلب المعادلة إذا ما تم استخدامها من طرف ضد آخر ، تفشي الجهل والتجهيل المتعمد لشعوب المنطقة بمساعدة هذه الإدارات الأهلية عن علم ٍ أو جهل منها ، سرعة استجابة كل الإثنيات للإستفزاز الأعمى والأصم حين يتعلق الأمر بالقبيلة وزعمائها ورموزها فلهذه الأسباب وغيرها جعلت من الشرق بيئة خصبة وأكثر قابلية للإنفجار وزرع الكراهية واشتعال الفتن التي ستطال نتائجها الجميع وتعيد المنطقة إلى حيث يريد الأعداء في الداخل والخارج ، وبالتالي لن يسلم منها أحد طالما ابتعد العقلاء والكبار أصحاب بعد النظر والبصيرة والحكمة المفترض وجودها في الإدارات الأهلية . لم يتبق الآن لصافرة البداية الشؤم للإنطلاق سوى الخطوة الأخيرة في هذا المسلسل الآثم وهو تدفق السلاح الناري للمنطقة وتسليح قبائل ضد أخرى بحجة حمايتها من أي اعتداءٍ أو إعتداءٍ محتمل ، أي نفس السيناريو والخطط والالاعيب والإجرام الذي تم في غرب السودان ومن ثم خلق موازين قوى جديدة وربما بروز قائد جديد مدعوم بقوات ضاربة أخرى لترويع الآمنين بالنزوح واللجوء والمآسي اللا إنسانية من جهة ولترويض أو تركيع أو إبادة كل من يقف ضدهم في الجهة المقابلة . [email protected]