السودان بلد أفريقي عربي شعبه متعدد الثقافات والاعراق والاديان وقد وعرف الحياة المدنية قبل الاف السنين قبل الميلاد وعشق الحرية ولها تغني وبها احتفى وقدمت اجياله المتعاقبة تضحيات غالية ونادرة في سبيلها لا تضاهيها تضحيات معظم الشعوب الحرة التي عاشت في بيئات شبيه به وفي تاريخه الحديث عرف الثورة والتحرر وحقوقه في الوجود مستقلا مستقرا منذ اواخر القرن الثامن عشر حيث اندلعت فيه الثورة المهدية ضد دولة الخلافة الإسلامية العثمانية واستطاعت خلال اربعة سنوات من المعارك الدامية والبسالة الفائقة ان تخلص البلاد من الاستبداد التركي في العام 1885م فقد كانت ثورة عظيمة وحدت الارادة السودانية نحو التحرر الوطني القومي وازكت شعلة الوعي وحققت الانتصار ونالت الحرية في زمن كانت فيه معظم شعوب العالم تغط في نوم عميق تحت وطأة الاستعمار ثم وقع في قبضة الاستعمار البريطاني في عام1898م لكن لم تتوقف مسيرته النضالية ومقاومته للغزاة والمستعمرين حتي نال استقلاله بعد كفاح مرير في العام1956م خرج المستعمر تاركا خلفه حكومة منتخبة وسلطات مستقلة مستقرة تصلح لبناء دولة مدنية عصرية لكن المغامرين اصحاب الأجندات الخفيفة اوعزوا للجيش استلام السلطة ليقع انقلاب نوفمبر المشؤوم ويحول حياة الشعب الي جحيم لا يطاق حيث قام بحجب الحريات وحل الاحزاب والنقابات المهنية ومصادرة الصحف اليومية واعتقال القيادات الوطنية الرافضة للانقلاب العسكري والردة عن الديمقراطية وقطع الطريق امام استكمام مهام الاستقلال لم يصبر الشعب السوداني علي استبداد العسكر وسلطته الشمولية القابضة أمنيا والمتحجرة سياسيا وفكريا طويلا فاندلعت ثورة اكتوبر الشعبية السلمية التي دللت علي سلامة الوعي السياسي للشعب وانقدحت منها شرارة الديمقراطية وفاح مسكها فقد استطاع عبرها شعب اعزل ان يسقط دكتاتوية متمكنة ويفرض علي القوات المسلحة ان تقف الي جانبه لكن صراعات الاحزاب والتدخلات الخارجية مهدت الطريق امام ان الانقلابات العسكرية مجددا فوقع انقلاب عسكري في مايو 1969م انتفض الشعب ضده في ابريل 1985 ثم اعقبه انقلاب 30يونيو 1989م الاسلاموي الذي اجج الصراعات الجهوية والدينية ليسود حكمه قاومه الشعب منذ الوهلة الأولى بكافة الوسائل النضالية واستمرت نضالاته حتي اسقطه بثورة ديسمبر المجيدة في ابريل من العام 2019م اسست بموجبها شراكة مدنية عسكرية لم تفلح حتي الان في تحقيق شعارات حرية سلام عدالة مدنية قرار الشعب التي هتفت بها الجماهير الكادحة والمتعطشة للحرية والتغيير والنماءَ واليوم مازال الشعب السوداني يعاني من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والحروب والأزمات المتلاحقة والتدخلات الخارجية السافرة التي لا تريد له سوي القعود والانكسار عدم اكمال هياكل سلطة الانتقال كما نصت الوثيقة الدستورية خصوصا المجلس التشريعي والمفوضيات اضعف أداء حكومة الانتقال التي تفتقر للبرنامج الوطني الطموح المرضي لتطلعات الجماهير ورغباتها كما انها انتهجت سياسة المحاور في علاقاتها الخارجية والذي انعكس بدوره سلبا علي وحدة صفها الداخلي حيث شهدة قوي الثورة كثير من الانقسامات التي اغرت ارباب النظام المندحر في زعزعت الاستقرار ومحاولة إفشال فترة الانتقال واليوم علي مستوي قيادة الحرية والتغيير هنالك جفوة بين بعض مكوناتها وعداء واضح للعيان بيد ان الجميع مشغول بتحقيق مكاسبه الحزبية والجهوية واستغلال سلطان الدول لتأجيج الصراع اوحسمه لصالح بعض الأطراف. المحاولة الانقلابية الفاشلة كشفت ان الانقسام اخطر من ماهو بائن فالعسكر علي ما يبدو شهيتم مفتوحة للاستيلاء على السلطة مستغلين الأوضاع الأمنية الهشة والمصنوعة بفعل بعض منهم كذلك الازمة الاقتصادية وتزمر الجماهير من سوء الأوضاع المعيشية الصعبة والاحتجاجات المهنية والشعبية ضد سياسات الحكومة في ما يتعلق بالاقتصاد وتحقيق العدالة والقصاص وتفكيك تمكين نظام 30يونيو وحلفاءهم من القوى السياسية المعادية للثورة والتي تسيطر على المشهر بمراكز قوي داخلية مسنودة من قوي اقليمية غير راغبة في تحول ديمقراطي حقيقي في السودان لان ذلك ربما ينقل العدوي لشعوبها ويضعف إمكانية تحقيق مصالحها او اطماعها في خيرات السودان الشارع السياسي السوداني اكثر وعيا وتماسكا وايمانا بضرورة انجاز مطلوبات الانتقال والتحول الديمقراطي ويرى ضعفا في حكومة الانتقال غير مبرر الا ان تكون لها رغبة في تنفيذ اجندة خارجية او صلات بالنادي القديم كما انه في حالة قطيعة مع الحاضنة السياسية (الحرية والتغيير) لحكومة الانتقال والتي يحملها مسؤولية تعثر خطوات التغيير الجذري بالتزامها نهج المحاصصات وتشكيل حكومة حزبية ضعيفة بدلا عن حكومة ثورية من كفاءة وطنية مختبرة ومشهود لها بالنزاهة والإرادة الفاعلة في مشروع التغيير غير ان حساسيته من إمكانية تسلط العسكر جعله يقف في خندقها مجبرا ضد اي احتمالات ردة عن المسار الديمقراطي فخروج آلاف الثوار والثائرات الي الشوارع في هذين اليومين بعد الخلاف الحاد في هرم السلطة والاتهامات المتبادلة والخطابات الغير مسؤولة من قبل الجانبين مدنيين وعسكر هو ترجيح كفة خيارات الشعب لصالح مدنية الدولة والتداول السلمي للسلطة فقد اغلقت ثورة ديسمبر المجيدة باب الانقلابات العسكرية الي الابد و تولدت قناعة لدي جماهير شعبنا وكل الثوار الا خير ياتينا من قبل حكم العسكر (حكم العسكر ما بتشكر) فهو ينتج شمولية مستبدة تخالف اسس الحكم المدني الرشيد في الدولة الحديثة القائم علي فصل السلطات الثلاث واستقلاليتها ورقابتها لبعضها البعض ولئن لم تستفد النخب السياسية الحزبية من هذا الوعى المتنامي لشباب الثورة والقوي الوطنية الحية بأهمية الديمقراطية والحريات وتعمل جاهدة علي تلبية تطلعاته وطموحه عبر تقديم رؤية واضحة وبرنامج منتج يعزز امكانية الانتقال للديمقراطية بسلام وبناء سودان جديد خالي من العنف بكافة اشكاله وطرائقه فإن هذا الجيل الشبابي المناضل الحر الشريف المصادم سيتجاوزها ويسلك دروب اخري ينتصر عبرها محققا طموحه في إعادة بناء وطنه علي اسس حضارية تقدمية لن يكون للنادي القديم وجودا فيها. ثم يتولى بنفسه ملفات القصاص العادل للدم الطاهر وتحقيق العدالة الانتقالية والسلام هذا الامر ليس بالسهولة ولكن سيعرضه لمواجهات دامية مع العسكر باعتبار انهم اصحاب مصلحة أصيلة في قطع الطريق امام التحول الديمقراطي وتاسيس دولة الدستور والقانون التي يتساوي فيها الناس جميعا فيحاسبوا علي كل جرائم ارتكبت ضد الشعب فلا حصانة لأحد ولا أمر عاصم لمجرم يفلته من العقاب وتأكيدا علي وعي الشارع السياسي الثوري وايمانه بمدينة الدولة فإن الملايين ستخرج الي الشوارع في 30سبتمبر 2021م شاهرة بالهتاف مؤكدة على مدنية الدولة و مطالبة بتسليم رئاسة المجلس السيادي للمدنيين في أوانه حسب ماهو منصوص بالوثيقة الدستورية فقد انتشرت دعوات للخروج من كافة قوي الثورة في لجان المقاومة والاجسام الثورية وتجمع المهنيين السودانيين الخ يلاحظ اصطفاف ثوري جديد يجسد حالة الانقسام داخل قوي اعلان الحرية والتغيير لكن القول الحاسم والفيصل هو الشارع السياسي الثوري والذي تاكد خروجه تثبيتا للمدنية كما سيشارك ثوار عطبرة في هذا اليوم بتسير قطار دعما لرفاقهم المناضلين بالخرطوم الثورة مستمرة والردة مستحيلة الغرفة المشتركة للحراك الثوري