لدى مخاطبته حفل تكريم رجل الاعمال شكينيبة بادي يشيد بجامعة النيل الازرق في دعم الاستقرار    شغل مؤسس    عثمان ميرغني يكتب: لا وقت للدموع..    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    "ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    تيك توك يحذف 16.5 مليون فيديو في 5 دول عربية خلال 3 أشهر    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة يكشف عن إحصائيات بلاغات المواطنين على منصة البلاغ الالكتروني والمدونة باقسام الشرطةالجنائية    وفد المعابر يقف على مواعين النقل النهري والميناء الجاف والجمارك بكوستي    وزيرا الداخلية والعدل: معالجة قضايا المنتظرين قيد التحرى والمنتظرين قيد المحاكمة    صقور الجديان في الشان مشوار صعب وأمل كبير    الشان لا ترحم الأخطاء    والي الخرطوم يدشن أعمال إعادة تأهيل مقار واجهزة الإدارة العامة للدفاع المدني    الإسبان يستعينون ب"الأقزام السبعة" للانتقام من يامال    تكية الفاشر تواصل تقديم خدماتها الإنسانية للنازحين بمراكز الايواء    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    السودان..إحباط محاولة خطيرة والقبض على 3 متهمين    توّترات في إثيوبيا..ماذا يحدث؟    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تكييف المآلات الاقتصادية/الاجتماعية والسياسية لثورة ديسمبر المجيدة وأليات الحلول (1-4)
نشر في الراكوبة يوم 03 - 10 - 2021

2-7 تحديد المسئولية عن انقلابات التجزئة في الفترة الانتقالية
2-7-1 مسئولية المكوِّن العسكري وقحت الناعمة
من الحقائق المهمَّة التي لم ينتبه إليها الكثير من المحللِّين والدارسين، هِيَ أنَّ لجنة البشير الأمنية بقيادة البرهان، وهِيَ إخوانوية مائة بالمائة، لم تكن لتنحاز للثورة والثوار إلاَّ تحت ضغط كوادر الجيش الوسيطة وصغار الضباط، التي أمهلتهم 48 ساعة للتحرك السريع بعد أن اعتصم الثوار أمام القيادة العامة، أو بالعدم سيتم اعتقالهم والتحفظ عليهم ومحاسبتهم.
ومنذ تلك اللحظة التي تضافر فيها ضغط الثوار في الشارع خاصةً بعد مجيئهم لساحات القيادة العامة، وضغط كوادر الجيش الوسيطة وصغار الضباط من داخل القيادة العامة، كان هؤلاء الجنود المجهولون من كوادر الجيش الوسيطة والثوار المعتصمون، محطَّ التفكير والتخطيط المباشر لِلَجنة البشير الأمنية بقيادة السفاح البرهان، بغرض التصفية والإبعاد من الجيش للضباط، وبغرض فض ساحات القيادة العامة من المعتصمين.
وقد تكرَّست هذه الحقيقة في أذهان لجنة البشير الأمنية يوم حمى أشاوس القوات البحرية (حامد عثمان حامد ومحمد صديق وصحبهم الميامين) ظهر الثوار حين أمطرتهم عصابات المؤتمر الوطني بوابلٍ من الرصاصِ قادماً من جهة مبنى عمارة البشير الطبية.
لقد ذكرنا في المقالات السابقة أنَّ لجنة البشير الأمنية قد تولَّت أمر تصفية كوادر الجيش الوسيطة بنفسها (فصلت عدد كبير من رفاق محمد صديق، وشخصه الكريم، وأرسلت البعض لليمن، والبعض الآخر تمت تصفيته، ثم فصلت 32 ضابطاً من كوادر الجيش الوسيطة وصغار الضباط قبل أقل من عشرة أيام؛ أعلاهم رتبةً كان عقيداً، وستفصل بعد محاولة الانقلاب الوهمية الأخيرة عشرات من كوادر الجيش الوسيطة بالمدرعات الداعمين للتحول المدني الديمقراطي؛ والجرم مستمر على كوادرنا الوسيطة للأسف)، وقد اختارت لمن يعمل وسط الثوار أُناساً خارج دائرة اليسار الجذري، بل هم أقرب لشرائح رأس المال التقليدية أو منشقة عنهم إن لَّم يكونوا كاموفلاجات لها، ليقوموا بمسألة الانحراف بالثورة ترقيباً وترهيباً ومخادعةً في أحيان كثيرة.
وبالتالي لم تكن لجنة البشير الأمنية بحال من الأحوال شريكاً في التغيير كما تدعي أو يدَّعي متعهدو النِّفاق السياسي من المدنيين الذين اقتربوا من هذه اللجنة وخادنوها. بل هي في الحقيقة أول من شرع في عملية تصفية الثورة بانقلابات التجزئة.
وعليه أول من يُسأل أخلاقياً عن وتيرة وتسلسل انقلابات التجزئة أعلاه، هو لجنة البشير الأمنية (لاحقاً المُكوِّن العسكري) ومن نصَّبَ نفسه مفاوضاً بين جماهير الثوار في ساحة الاعتصام مع هذه اللجنة (لاحقاً قحت الناعمة). وكما قلنا من قبل، أنْ لا أحد يعرف على وجه الدقة ماذا تمَّ بين المفاوضين الذين يشغلون اليوم معظم وظائف الفترة الانتقالية ولجنة البشير الأمنية، وقلنا أيضاً سنستجلي ذلك بالتحليل الدؤوب المثابر والطويل النَّفَس للخطاب السياسي والشفاهي لنموذج الشراكة المدني – العسكري القلِق، خاصةً في لحظات الاختلاف بينهم، حيث كلُّ إناءٍ بما فيه سينضح.
وكما ذكرنا من قبل أيضاً، فقد أُوكِلَتْ لقحت الناعمة مهمة مركزية هِيَ إبعاد اليسار السوداني الجذري من المشهد الانتقالي بأيِّ وسيلة من الوسائل ولا بأس بالبعثيين. ومن أملى ذلك عليهم، هم درابنة النظام السابق في شخص المُكوِّن العسكري و"عسكوطفيلياته"، والليبراليين الجدد في الداخل والخارج، ورغبة المفاوضين أنفسهم في أن يحتلوا أو يقودوا السودان من موقع الهيمنة الجديد. وينبني كل ذلك بطبيعة الحال على ملموس تتبعناه لفترة طويلة مفاده أنَّ:َ "شرائح رأس المال وكاموفلاجاتها لا تُقصي بعضها البعض إقصاءاً نهائياً في لعبة السياسة".
وبالفعل قد بدأت قحت الناعمة في قتل الروح المعنوية للثوار بالتطويل المتعمَّد والمدفوع القيمة، وبالإخفاقات المتكررة في إنجاز حكومة مدنية تلبي تطلعاتهم، وبالاتفاق المسبق على تشتيت هذه الجموع ليبدأ الشركاء الجدد في تنزيل نموذج حكم يلبي تطلعات من يتنافسون على موضع الهيمنة الجديد، وبالتجاهل التام لتتبُّع أحوال كوادرنا الوسيطة التي دافعت عن ثوارنا والتنسيق معهم لضرورات المرحلة رغم مناشدتنا المتكررة لهم.
وما يدفعنا لترجيح هذا المنحى في التحليل هو عدم وجود سبب واحد "يتيم"، يجعل الثوار أصحاب الجماهير الغفيرة واليد العليا والقدح المُعلَّى في التغيير يقبلون بدَنِيَّةِ التغيير؛ ولكن ذلك قد حدث على أيِّ حال، والمرجَّح أنَّه قد حدث بسبب تبدُّل أخلاق المفاوضين (ربما بالترغيب والترهيب والمخادعة وغيرها). وما يُعضد هذا الاتجاه في التحليل أيضاً هو استعجال المتآمرين المتنافسين على موضع الهيمنة لتحويل هذا التآمر المتَّفَق عليه، من فعل غيبي إلى فعل مادي. وهذا الفعل المادي قد بدأ شريراً للأسف في يوم 07/04/2019، يوم قتلت لجنة البشير الأمنية 25 ثائراً وعسكرياً أمام بوابة القوات البحرية، ثمَّ توالت الهجمات حتى وصلت ذروة مأساتها في عملية فض الاعتصام في 03/06/2019، حيث قتل المتآمرون من شبابنا أكثر من 2700 شهيد (بحسب الإحصاءات الأمريكية) أمام القيادة العامة وما انفكَّوا يفعلون.
ولعلَّ تنزيل ذلك النموذج على الأرض، كان من الممكن أن يكون أكثر فداحةً على الثوار واليسار الجذري فيما بعد، لو لا بقاء جذوة الثورة حيةً، وإصرار الثوار وتجمُّعُهِم وكرَّتُهُم تارة أُخرى على المتآمرين في أكبر مظاهرة طوفانية عرفتها الإنسانية في 30/06/ 2019 (يا نجيب حقهم يا نموت زيَّهم).
ومن وقتها أمعن المكوِّن العسكري الفلولي في التجزئة على نار هادئة، وطفق المتآمرون يتكالبون من جديد على ثورة الوطن الوسيمة، تحفهم الوفود الأفريقية والعربية والعالمية والأممية، ليُصيغوا فيما بعد وثيقتين دستوريتين إحداهما فوق الطاولة والأخرى تحتها، وفي غفلة من الزمان تُغيَّب الوثيقة المتفق عليها ويُجاء بالمحرَّفة، فيتمُّ التوقيع عليها وينتهي الأمر على هذا النحو الذي ذُبِحَ فيه ما تبقَّى لقحت الناعمة من أخلآق.
2-7-2 كِفل رئيس وزراء السودان في الانقلابات على الدولة المدنية
إذا كان هناك ثمة شئ يجب أن يُشكر عليه د. عبد الله حمدوك، فهو شجاعته وقبوله أن يكون رئيساً للوزراء في السودان عقب أفسد نظام حكم عرفته الإنسانية، وفي ظل ما ذكرناه بعاليه من عوج الثورة الخديج المُتآمر عليها من الداخل والخارج. وفي الحقيقة قد عقد السودانيون على حمدوك كلَّ آمالهم، وأيَّدوه تأييداً لم يُحظَ به رئيسٌ في السودان من قبل. والرجل من الناحية الأكاديمية والمهنية والأخلاقية أهلٌ لكلِّ ذلك، ولكنه من حيث الشكيمة وقوة الشخصية والكارزما ومنازلة العسكر قد أفجعنا وكاد يُضيَّع علينا ما تبقَّى من الثورة الخديج تلك.
فيا سعادة دولة الرئيس حمدوك، يوم قلتَ بعد أداء القسم "أنَّك من اليوم فصاعداً رئيس لكل السودان"، استبشرنا خيراً بأنَّ الرجل يحمل في جُعْبَتِهِ حلاًّ كاملاً لكلِّ مشاكل السودان في إطار مشروعه الوطني الذي لطالما بشرنا به (وبشرنا آخرون بنظائر أُخرى له). ولكن حينما تقدمنا معك وجدناك تتنازل من صميم ما هو حصري لك كرئيس وزراء السودان للمكوِّن العسكري (اللجنة الأمنية للنظام السابق المناصرة حتى اللحظة لعناصره) على حساب الدولة المدنية وأحلام الشباب وتطلعاتهم للحرية والسلام والعدالة؛ وذلك تنازلٌ في لا ضرورة، وأنت عندك من الشباب القائل (أُكرِّر): "لو خضتَ بنا هذا البحر لخضناه معك".
فأولاً، يتجسَّد قولنا بعاليه في سلام جوبا الذي هو من صميم عمل رئيس مجلس الوزراء، ولكن المكوِّن العسكري اختطفه منك ولم تنبُسْ بِبِنتِ شفة. ولما اختطفه منك كان الغرض الحصري من ذلك هو تطويل زمن التفاوض لأطول فترة ممكنة من شأنها أن تُعطِّل قيام المحكمة الدستورية التي سوف تبِتْ في قضايا الإعدام بالنسبة لقتلة الثوار، والمجلس التشريعي الذي يجب أن يتم تشكليله في غضون 90 يوماً (أي بعد 30 يوماً من الزمن الحقيقي المضروب لتحقيق السلام وهو ستة أشهر)، والذي يجب أن ينظر في شرعية ولا- شرعية الكثير من القوانين والقرارات الصادرة في الفترة الانتقالية.
ولما أوشك السلام على الانتهاء، مازال المكوِّن العسكري يتغوَّل على صميم مهامك الوظيفية، وذلك حين أعلن عن قيام مجلس شركاء السلام، وهو مجلس زنيم لم نرَ له أيَّ ضرورة غير الإمعان في تعطيل قيام المجلس التشريعي، بالقدر الذي بدأت معه بعض الحركات المسلحة ستتنكر قيامه بعد قيام مجلس شركاء السلام خاصةً في اجتماعاتهم المغلقة (تقرير هبة محمود سعيد: الراكوبة 22 نوفمبر 2019).
ثانياً، إذا كان الوثيقة الدستورية الشائهة قد أعطت المكون العسكري الحق (وهو حق حصري لرئيس وزراء السودان ذهب للمكون العسكري لغباء المشرِّع أو تآمرِه) في اختيار وزيري الدفاع والداخلية كأشخاص (وقطعاً سيكونون من عناصر النظام السابق)، فأنت المسئول الأول عن صرف الأوامر للوزارتين وتسييرهما ومتابعة وتقييم أدائهما ومحاسبتهما، وفصل أفرادهما من الخدمة إن شئت. فوزير الدفاع وأعلى سلطة موجودة في الجيش السوداني تتبع لك حصرياً، وليس لأيِّ جهة أُخرى.
وبالتالي كيف تسمح بأن يسحب المكون العسكري عناصر الجيش والشرطة من حراسة لجنة إزالة التمكين والعقارات المستردة من عناصر النظام السابق دون مساءلة، والأمر في حقيقته تمرد بالكامل على صلاحيات رئيس مجلس الوزراء وقراراته؛ بل هذا انقلاب بالكامل على سلطاتك وأنت مسئول من استمراره.
ثالثاً، وكما قلنا في مقالات سابقة، فإنَّ قرار الحرب قرار دولة وأنت رئيس الدولة؛ وليس بقرار مكون عسكري، ولا بقرار مجلس الأمن والدفاع، ولا بقرار رئيس مجلس السيادة. وهو في مدنيتنا الخمسمشكل هذه يُتَّخَذ بثلثي أعضاء مجلس الوزارء ومجلس السيادة مجتمعين. وكم أعجب كما عجبتُ من قبل ومازال عجبي قائماً، في أن يُعلن السفاح البرهان الحرب على إثيوبيا من غير علمك ومن غير موافقة المجلس التشريعي، بل أنّهَ أعلنها وأنت في زيارة رسمية داخل إثيوبيا بكل ما يحمل تصرفه من لامبالاة ودون مراعاة لأمنك الشخصي وأمن الوفد المرافق لك؛ وإلى الآن لم نرَ أيَّ تحقيق عام أو مساءلة لمجترِح الحرب ومن معه من قِبَل شخصكم الكريم في هذا الصدد.
هذا الحدث والحدث الذي قبله في ثانياً أعلاه (أنا لم أتحدث بعد عن محاولة اغتيالك التي أصبحت مثل التحقيق في عملية فض الاعتصام) فيهما تمرد على رئيس الدولة يستوجب اعتقال اللجنة الأمنية للبشير برمتها ومحاسبتها واستبدالها بمكون عسكري آخر من مؤسسة قوات الشعب المسلحة متناغم مع روح الثورة وداعم للتحول المدني الديمقراطي وبناء الدولة المدنية المكتملة الأركان، وليس مسخَّراً لتقويضها ليل نهار.
رابعاً، تعلم أنَّ سفاحي لجنة البشير الأمنية يتخوفون من قرب أيلولة رئاسة مجلس السيادة للمكون المدني، الذي سيشكل المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية لا محالة، والذي ربما يعيد النظر في كثير من تشريعات الحكومة الانتقالية الخرقاء بفعل صنيع المكون العسكري الإخوانوي كما جاء بعاليه. وبالتالي إلتحام المكون العسكري الإخوانوي بحاضنته الإخوانوية في 02/10/2021 بقاعة الصداقة على حساب الشريك الأصيل في الوثيقة الدستورية هو انقلاب مكتمل الأركان، ويجب أن يرفع لمجلس الأمن الدولي فوراً وشركاء السودان، وأنت مازلت تقوم بدور أجواد الخير.
وفي الحقيقة لا فرق بين ما قام به الفلولي تِرِك في شرق السودان من تخريب الموانئ والطرق والمطارات لإعاقة الدولة المدنية، وتعطيل خط السكة حديد في عدد من المناطق لكي يصل قطار ثوار عطبرة، وذلك الصنيع القذر الذي قام به برطم في قفل طريق أمدرمان دنقلا حلفا عند مدينة الدبة؛ وبين ما يقوم به المكوِّن العسكري الفلولي من انقلابات بالتجزئة (آخرها ما حدث في قاعة الصداقة) لكي لا يصل المكون المدني لرئاسة مجلس السيادة والمدنية الصِّرفة للدولة في نوفمبر القادم.
وأخيراً يا دولة الرئيس حمدوك: وزيرة خارجيتك التابعة حصرياً لك تُؤمر بدعوة السفراء والبعثات الدبلماسية من وراء ظهرك من قبل جهة غير مخوَّلة البتَّة بذلك، وأردولك الفاسد الذي يعمل ضدك، ووزير ماليتك الفلولي وابن الفلول يعادي مدنيتك ويُعطِّل كل قرارات لجنة إزالة تفكيك التمكين بوزارة المالية لأنَّها تمس عناصر تنظيمه الفلولي؛ والكل في منصبه حتى الآن (كيف تأمنهم على أمال الدولة المدنية)؛ وأنت مازلت تمارس دور أجواد الخير؛ أين المؤسسية يا رعاك الله.
فيا عزيزي دولة الرئيس حمدوك (ويا كل الأعزاء من دعاة المصالحة الوطنية والمشروع الوطني)، ربما أنَّكم تستأنسون في مشروعكم الوطني بفتح مكة، والكل يريد أن يكون أخاً كريماً وابنَ أخٍ كريم (رئيس لكلِّ السودانيين)؛ ولا تثريب. ولكن لا تنسَوْا أنَّ رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قد قال في شأن عتاة مجرمي مكة الأربعة: "والله لن أتركهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة" – معني الحديث.
ولما كانت العبرة في مثالنا أعلاه ليست بالعدد بقدر ما هي مرتبطة بالإجرام والعداء السافر والتآمر على الدين الجديد آنذاك؛ وفي واقعنا السوداني الإجرام والعداء السافر للثوار المدنيين العُزَّل (وقتلهم وسحلهم وإغراقهم في النيل واغتصاب بعضهم) وللدولة المدنية والتآمر عليها الذي وصل حد محاولة اغتيال رئيسها والمحاولات الست العسكرية للانقلاب عليها؛ لكلِّ ذلك كان لابد من تنظيف الخدمة المدنية والعسكرية وكل القطاعات العامة والخاصة من عتاة حراس المعبد القديم (درابنة النظام القديم كما يقول د. قصي همرور) وإن تعلقوا بأستار الكعبة؛ المجرمين الذين يعيقون التحول للمدنية كأمثال أفراد المكون العسكري الشاخص الآن، وخط الثورة الموازي للتحول المدني من أمثال هجو وبرطم والجاكومي وأردول ومريم ومناوي وتِرِك وغيرهم من المدسوسين الذين بدأ ينكشف أمرهم في اجتماع يوم الثاني من أُكتوبر 2021 بقاعة الصداقة.
وإذا لم تقم بذلك التنظيف يا دولة الرئيس (وهو واجب ديني كما استنَّه حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم) فإنَّك ستذبح ثورتنا من الوريد إلى الوريد. ونحن لن نسمح بعد اليوم لسفاح ولا لمخادن للسفاحين أن يُملئ علينا وفاقاً أخرقاً ولا مصالحة وطنية مِلئها الغبن والإحن من غير محاكمات عادلة، ولن نجلس من الآن فصاعداً مع من قتل أبناءنا تحت سقف واحدٍ أبداً، ويجب تغيير المكون العسكري السفاح الحالي هذا ومن يُشايعه من المدنيين، بمكون عسكري آخر شريف (وما أكثر العسكريين الشرفاء المنحازين للثورة داخل قوات الشعب المسلحة) منحاز للدولة المدنية والتحول الديمقراطي وليس منحازاً لأعدائها؛ رُفِعَتْ الأقلامُ وجَفَّتْ الصُّحُف.
خاتمة
على كوادرنا الوسيطة المنحازة للدولة المدنية الديمقراطية داخل مؤسسة قوات الشعب المسلحة والقوات النظامية الأخرى، أن تكون جاهزة لاعتقال المكوِّن العسكري المجرم وبقية أعضاء لجنة البشير الأمنية المجرمين متى ما صدرت الأوامر لهم من رئيس الوزراء الحالي أو من يخلفه. فهؤلاء القتلة السفاحون لابدَّ أن يمثلوا أمام القضاء العادل الشفاف والنزيه بما اقترفت أياديهم في حق أبنائنا في ساحات الاعتصام وغيرها. وعليهم أن يكونوا جاهزين لانتخاب مكوِّن عسكري داعم للتحول المدني الديمقراطي فيما تبقى من عمر الفترة الانتقالية.
يُتبع …
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.