اليوم يرفع الثوار راية استقلالهم وخلاصهم من حكم العسكر الطويل الأمد، والى الأبد، وسوف يسطر التاريخ مولداً جديداً لثورة كاملة غير منقوصة تزيح الهم والغم عن الصدور، فانصاف الثورات لا تؤدي الا للمهالك وحفر الثوار لقبورهم بايديهم، وانصاف الحلول لا تسمن ولا تغني من جوع، والوقوف عند منتصف الطريق لا يشفي غليل شعب رزح تحت نير الحكومات العسكرية زماناً، فالخلاص الوطني ان لم يجيء خالصاً من شوائب المكبلات والمعيقات، لن يكون خلاصاً حقيقياً يفضي للوصول الى تحقيق دولة الوطن الحلم، وارساء اعمدة الحكم المدني الرشيد، فالشاهد على الحراك الديسمبري المجيد منذ اقتلاع الطاغية، يلحظ الحماس الثوري الملتهب في قلوب الشيب والشباب، ويسمع الاناشيد والاهازيج المعبّرة عن العهد الذي تواثق عليه الثوار بأن لا رجعة عن الطريق المرسوم بالريشة المبللة بدم الشهيد، فلم تعد ثورة ديسمبر المجيدة مجرد شعار وهتاف تردده الافواه، وإنما اضحت عشقاً امتلك القلوب وشغل العقول، ونهجاً سار على طريقه الملبون لنداء الاوطان العاملون الليل بالنهار سعياً وبذلاً لأجل ريادة المجد وتحقيق الغايات النبيلة. نصف قرن ويزيد من الحكم العسكري، وست وخمسون عاماً من التدمير والتكسير الذي مازالت ابرز مظاهره مشاهدة عند مفاجئات الطرق المؤدية للمدن والعواصم والحواضر، يجب ان يرعوي كل المؤيدين لهذه الردة العائدة بنا لعصر التخلف والتردي، هل يعلم السودانيون أن بلادهم وجمهورية كوريا الجنوبية رائدة تصدير السيارات اليوم، كانتا على نفس نقطة الانطلاق سواء بسواء، ما الذي جعل بلادنا تتقهقر وتتراجع بعد أن سلّم البريطاني شأنها الاداري لاولاد البلد؟، السبب بكل بساطة هو سطوة العسكر على الشأن الاداري، ومن بداهة الأمر أن كل مخلوق ميسّر لما خلق له، اذ انه لا يمكنك أن تضع الطبيب مكان المهندس او العكس، فكيف لشعب يرنو للحرية والسلام والتنمية والعدالة أن يوكل شأن حريّته لرجل مدرّب على السمع والطاعة العسكرية؟، وهل من المعقول ان يقود مسيرة التنمية الصناعية والعمرانية غير المهندسين والادرايين النجباء؟، وما بالكم لو تفرّغ الجندي للعمل بالتجارة والصناعة؟، حتماً ستقع (الفشقة) في يد الجار الشرقي، ومؤكد جداً أن لا يكترث هذا الجندي لتحرير حلايب المحتلة من قبل جند الجار الشمالي، اعطوا الخبز للخبّاز ولا تعطوه للطيّان. مستوى الوعي الجمعي للمواطن السوداني قفز عالياً بفضل ثورة التكنلوجيا الرقمية، واصبح مستحيلاً تكميم الأفواه وغير ممكناً كتم انفاس الخياشيم بوقف خدمات الشبكة العالمية للانترنت، وامسى من الهبل والعبط السياسي أن يظن احد أن بمقدوره الوقوف امام الفيضان المعلوماتي السايبري الكبير، فواحدة من حماقات العسكريين انهم يظنون الظنون المجنونة بخطوتهم المتعسفة هذه، ولا يعلمون أن الحياة اصلاً متوقفة، وما قطع هذه الخدمة الحياتية في حد ذاته إلّا دعم لانجاح العصيان المدني الشامل واسهام رئيسي لشل حركة دولاب الدولة، ذلك أن العمل الحكومي لن يقوم الا بتوفر هذه الخدمات الالكترونية، فمن حيث لا يدرك العسكريون وجدوا انفسهم مسخّرين لخدمة اضراب النقابات، خوفاً وهلعاً ورعباً من سلاح القرن الواحد والعشرين الفتّاك (الكلمة)، فمن نعم الله على العباد في بلاد السودان أن جعل ادارة فيس بوك وقوقل وتوتر وواتساب بعيدة عن ايدي العابثين بمصير الشعوب، فدعمت هذه المنصات الرقمية الوقفات الاحتجاجية والثوارت والانتفاضات الشعبية بفضل انها لم تكن منحة من الحكومات الدكتاتورية القاهرة لشعوبها. المغامرة التي اقدم عليها قائد الجيش قوبلت برفض دولي ومحلي شاسع واسع، وعجّلت بالمواجهة الحتمية بين فلول النظام البائد والثوار، المعركة التي تأجلت منذ اليوم الاول لاقتلاع الطاغية، واليوم الثلاثون من اكتوبر سيخرج الشعب باكمله ليقصم ظهر المغامرين وللأبد، فالنفس السودانية تشبعت من حقيقة فشل نوعية مثل هذا الحكم المتجبر والمتسلط الفاتق لرتق الجرح والكاسر لجبر عظم الوطن المهشّم، ومن اكبر اخطاء المغامرين انهم اختاروا التوقيت الخاطيء، وطبّقوا السيناريو المصري المخالف لروح ووجدان الشعب السوداني السبّاح الماهر، الذي لا يمكن تخويفه او تهديده بالاغراق في البحار اللجية العميقة التي لا حدود لاعماقها، لقد اطبق الشعب الثائر الاخشبين على آخر دكتاتور وطاغوت عسكري قبل عامين، وعلى كل الذين يرتدون البزة العسكرية أن يبقوا داخل اطار المهمة المهنية والواجب الوطني، فقد قال الشعب كلمته يوم الحادي والعشرين من اكتوبر الجاري عندما احتشد في الشوارع والساحات والميادين العامة، لا لحكم السكر. [email protected]