في وقت لم تصل جهود الوساطة الدولية بعد إلى حل بين المكونين العسكري والمدني في السودان، تدخل تجمع المهنيين السودانيين، مطالبا بالاحتكام إلى صوت الشارع، من خلال دعوته إلى "العصيان المدني الشامل"، يومي الأحد والاثنين. وحث التجمع، الذي قاد الاحتجاجات في الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس عمر البشير، المواطنين على الاستجابة للدعوة نحو العصيان المدني، ووضع المتاريس في الشوارع الرئيسية، متعهدا بمواصلة الاحتجاج حتى تشكيل حكومة مدنية كاملة. وفي اليوم الأول من "العصيان المدني الشامل"، فرقت قوات الأمن السودانية متظاهرين مناهضين للانقلاب في العاصمة الخرطوم بإطلاق قنابل غاز مسيل للدموع، وهو ما "ينذر بحرب أهلية"، بحسب ما قالته الصحفية السياسية، درة قمبو، في حديث لموقع "الحرة". وأوضحت قمبو أن "الجيش يأخذ البلاد نحو الحرب الأهلية، إذا استمر في مواقفه ولم يوقف تدخل قياداته التي اختطفت المسار المدني في الحكم"، مشيرة إلى أن "انصياع القيادة العسكرية لمطالب الشارع هو الحل السلمي الوحيد حاليا". في المقابل، تمسك المحلل الاستراتيجي، اللواء أمين مجذوب، في حديث لموقع "الحرة"، على أن "حرية التعبير مكفولة، وللشعب السوداني كامل الحق بالتظاهر، لاسيما أن العصيان لا يستهدف القيادة العسكرية، ولا مواجهة بالأساس مع الجيش". لكن المحلل السياسي، عطاف محمد مختار، في حديث لموقع "الحرة"، جزم بأن "العصيان المدني يريد النيل من سلطة العسكر، والطريق أمام المحتجين طويل، ولكنهم متمسكون بأفكارهم ومطالبهم نحو التمسك بالمشهد الديمقراطي والمدني في السودان". بينما شددت قمبو على أن "الشارع يقف بوجه الانقلاب الذي أقال رئيس الحكومة، عبدالله حمدوك، واحتجز مسؤولين آخرين دون خجل". وكان البرهان أعلن في 25 أكتوبر حالة الطوارئ في البلاد، وحل مجلس السيادة الذي كان يترأسه، كما حل حكومة حمدوك الذي تم توقيفه لفترة وجيزة، قبل الإفراج عنه لينتقل إلى منزله حيث وضع قيد الإقامة الجبرية، كما أوقف معظم وزراء الحكومة من المدنيين وبعض النشطاء والسياسيين. ومنذ إعلان هذه القرار، تشهد البلاد وخصوصا العاصمة موجة من الاحتجاجات ويقوم المتظاهرون بإغلاق الشوارع. وأكدت قمبو أن العصيان يريد العودة إلى المسار الديمقراطي.. لا القمع والعنف". في المقابل، يرى مجذوب أن "العصيان المدني والإضرابات السياسية هي وسائل تستخدمها النقابات والمنظمات العمالية للتعبير عن مآخذ معينة في الأزمة الحالية في السودان، لذلك هي تعبر عن مطالب محددة وليس مواجهة مع الجيش". وعن استخدام قوات الأمن للقوة في وجه المحتجين، يقول مجذوب: "للتظاهرات مواقع محددة ومسارات، حيث أن الاقتراب من المواقع الحيوية والسيادية تحتاج تدخلا سريعا من قوات الأمن التي لها الحق إبعاد المتظاهرين من خلال استخدام وسائل متعددة، من بينها الغاز المسيل للدموع". وأضاف: "حرية التعبير مكفولة، ولكن لا أستبعد الاحتكاك المباشر بين الجيش والشعب إذا لم يتم التفاوض بين المكون المدني والعسكري على حل سياسي". وسار، الأحد، عشرات المدرسين نحو وزارة التربية والتعليم في إطار حركة العصيان المدني، وقال مدرس الجغرافيا، محمد الأمين، "نظمنا تظاهرة احتجاجية صامتة ضد قرارات" قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بحسب وكالة فرانس برس. وأضاف الأمين أن "قوات الشرطة فضت التظاهرة وأطلقت الغاز المسيل للدموع فيما كنا نقف هنا فقط حاملين اللافتات التي كتب عليها لا للنظام العسكري". ونددت نقابة المعلمين السودانيين، الأحد، بأعمال عنف وتحدثت عن توقيف عدد من المعلمين والمعلمات أثناء التظاهرة، لكن بدون سقوط جرحى. وكان متظاهرون مناهضون للانقلاب أغلقوا ليل السبت الأحد بعض الشوارع الرئيسية في العاصمة ومدينتي بحري وأم درمان. وصباح الأحد، فتحت بعض المتاجر أبوابها وبقيت أخرى مغلقة في الخرطوم. الاقتصاد السوداني بعد "الانقلاب".. مخاوف من السيناريو القادم بعد أسبوع من سيطرة الجيش السوداني على السلطة في البلاد وحل شراكته مع المدنيين والمؤسسات الانتقالية، وإعلان حالة الطوارئ في البلاد، بدأ الوضع الاقتصادي الداخلي يتحسن، رغم الضغوط الدولية، لكن خبيرة اقتصادية حذرت من أن السودان سيعاني بشكل كبير على المدى المتوسط إذا استمرت الأزمة السياسية القائمة. وعما ستؤول إليه الأمور، تعتقد قمبو أن "المشهد مفتوح أمام جميع الخيارات، ولكن الجيش مجبور على الرضوخ لمطالب الشارع، وتحسين سمعته السيئة بعد الانقلاب الذي قام به"، على حد تعبيرها. وعن الحل الذي يتبناه الشارع السوداني، تعتبر قمبو أن "المخرج الأمثل للأزمة الحالية هو فض الشراكة بين المكون المدني والعسكري، والذهاب نحو تفاوض جديد يحدد الأحجام والصلاحيات وعدم العودة إلى مضمون الوثيقة"، وهو ما يرفضه مجذوب. وكان التجمع أعلن مساء السبت عن وثيقة جديدة تشمل المطالبة بتشكيل "سلطة انتقالية مدنية، تمتد لأربع سنوات". ومنذ أغسطس 2019، كان يحكم السودان مجلس سيادة مشترك بين مدنيين وعسكريين كجزء من الانتقال نحو حكم مدني كامل، لكن كثرًا يعتبرون اليوم أن مثل هذه الشراكة باتت مستحيلة. ويواصل حمدوك الذي يخضع للإقامة الجبرية والوزراء القلائل الذين أُفرج عنهم، الحثّ على العودة إلى الوضع الذي كان قائمًا قبل 25 أكتوبر. إلا أن الجيش يريد حكومة جديدة تميل أكثر إلى الحفاظ على مصالحه السياسية والاقتصادية، بحسب ما نقلته فرانس برس عن خبراء. ويرفض مختار التخلي عن الوثيقة الدستورية التي يعتبرها "مطلبا دوليا"، ولا يمكن إدارة البلاد من دونها، على حد قوله. بينما يرى مجذوب أن "الخيارات مفتوحة أمام التفاهم والحوار لعودة حدوك وتشكيل حكومة تكنوقراط جديدة كما دعا البرهان، وذلك مع تنفيذ بعض الشروط الممكنة"، رافضا أن يوضحها. ووضع حمدوك شروطا مسبقة تشمل الإفراج عن قيادات مدنية تم احتجازها خلال الانقلاب والعودة إلى الانتقال نحو الديمقراطية الذي بدأ بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير في عام 2019. والأربعاء، أكد البرهان أنه بصدد تعيين رئيس وزراء جديد يقوم بتعيين حكومة مدنية من تكنوقراط، وذلك خلال لقائه في مكتبه في الخرطوم، بالمبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي اوبوليسجان أوباسانجو. وأتت تصريحات البرهان بالتزامن مع إعلان التلفزيون السوداني أن تشكيل الحكومة الجديدة بات وشيكا، وفقا للمستشار الإعلامي للقائد العام للقوات المسلحة السودانية الطاهر ابوهاجة. وتابع مجذوب: "الخيار الثاني في حال تعثر المفاوضات مع حمدوك، تشكيل حكومة مدنية قائمة على الكفاءات وليست بقيادة الجيش". أما مختار، فهو غير متفائل، إذ قال إن "المشهد ضبابي وغير واضح، ولا يمكن للجيش إلا الاحتكام للشروط التي أعلنها حمدوك وتبناها المجتمع الدولي". والخميس، أعلنت الولاياتالمتحدة أن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، تحادث هاتفيا مع البرهان وطالبه بإعادة السلطة "فورا إلى الحكومة التي يقودها المدنيون" بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بها في نهاية الشهر الماضي. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، في بيان إن "الوزير حض البرهان على الإفراج فورا عن جميع الشخصيات السياسية المحتجزة منذ 25 أكتوبر والعودة إلى حوار يعيد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى منصبه ويعيد الحُكم الذي يقوده المدنيون في السودان". وأصدر البرهان الخميس، قرارا بالإفراج عن أربعة وزراء احتجزوا إثر الانقلاب العسكري، في وقت يتصاعد الضغط الدولي لاستئناف مسار الانتقال الديمقراطي. دان مشروع قانون، قدمه قادة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ ولجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، الانقلاب في السودان، ودعا الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى عكس المسار فورا وتسليم السلطة للمدنيين. ويكثف مفاوضون من جامعة الدول العربية وجنوب السودان والأمم المتحدة اللقاءات مع الطرفين، إلا أن مهمّتهم معقدة. وقال مصدران من حكومة حمدوك، السبت، لوكالة رويترز، إن المفاوضات من أجل إيجاد حل للأزمة السياسية في السودان بعد الانقلاب وصلت إلى "طريق شبه مسدود"، بعد رفض الجيش العودة إلى مسار التحول الديمقراطي. وأضاف المصدران أن الجيش شدد أيضا من القيود على حمدوك بعد حل حكومته ووضعه رهن الإقامة الجبرية في منزله، مشيرين إلى أن قيود جديدة حدت من قدرة رئيس الوزراء على عقد اجتماعات أو إجراء اتصالات سياسية. وعن مدى إمكانية استمرارية العصيان المدني رغم الإعلان إنه ليومي الأحد والاثنين، أكدت قمبو أن "إرادة الشارع كبيرة، والمطالب مستمرة مهما كانت الأساليب، مشيرة إلى أنه "يتم الدعوة للاحتجاجات عبر منشورات توزع في المساجد، ومن خلال مواكب سيارات داخل الأحياء، بسبب قطع الجيش للإنترنت". وتؤكد أن المنظمات المؤيدة للديمقراطية موقفها واضح، وتطلق دعواتها في بيانات تنشرها عبر رسائل قصيرة أيضا، تقول فيها "لا حوار، لا تفاوض، لا شراكة" مع الجيش.