مع مابدأ يتبلور من أصطفاف خجول للمجتمع الدولي خلف أتفاق حمدوك مع الانقلابيين , فمن الحصافة أن تعيد قوي الثورة ترتيب أولوياتها بموجب المعطيات الجديدة و ذلك دون أي تساهل في أهدافها الرئيسية , وهي حكم مدني كامل يخضع فيه الجيش – الذي يجب أن يكون جيشا واحدا – لقيادة المدنيين وتتم فيه محاسبة كل القتلة الذين سفكوا دماء الثوار . ترتيب الاولويات دوما مايبدأ بتحديد مالاتريد حدوثه . وهو هنا الكارثة الكبري التي سيكون لها تداعيات كبيرة في المستقبل أن واصل الانقلابيون خداعهم للمجتمع الدولي , وتم دعم المجتع الدولي الكامل لهم ولخطتهم لتفصيل دستور للسودان علي مقاس حميدتي- البرهان لخوض أنتخابات لرئاسة الجمهورية في يوليو 2023 . هذا هو الكابوس الذي يجب الحذر منه , لأنه في مثل تلك الانتخابات الرئاسية سيفوز صاحب المال والنفوذ , وهو معروف للجميع وسيعاد صناعة تجربة سيسي مصر في سوداننا الحبيب لاقدر الله .
أذا كان ذاك مالاتريد قوي الثورة حدوثه , فماذا هي فاعلة ؟ التظاهرات التي يمكنها أسقاط النظام علي المدي الطويل يمكنها أن تتواصل وهذا حق مشروع للثوار . ولكن بالاضافة لذلك عليها القيام بفعل أيجابي آخر.
الفعل الأيجابي الذي أعنيه هو خلق رأي عام ضاغط للحيلولة دون نجاح العسكر في تفصيل دستور علي مقاسهم , يسمونه دستورا دائما وتتم بموجبه الانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية . الفعل الأيجابي سيبين صعوبة توافق السودانيون علي دستور دائم للبلاد خلال ماتبقي من عمر الفترة الانتقالية الحالية . مااعنيه بصفة "دائم" للدستور هو أن يُقَدر لذلك الدستور الاستمرار لعشرات السنين القادمة , مثل الدستور الامريكي . هنا يمكن كسب حمدوك نفسه لهذا الرأي فهو دائما مايردد بأن المطلوب هو التوافق علي "كيف يُحكم السودان " وليس "من يحكم السودان ". ولا يتم ذلك , اي كيف يُحكم أي بلد في العالم (السودان نموذجا) ؟ الا عبر دستور متوافق عليه.
هذا ما أدندن حوله في هذا المقال أي أن تجعل القوي الثورية كل همها وتكيكاتها ونضالها موجها نحو كتابة دستور ديمقراطي دائم متوافق عليه بين غالبية السودانيين . كل ماعدا ذلك ماهي الا اهداف ثانوية ستتحقق لاحقا أن تم كتابة و أعتماد دستور دائم يتوافق عليه معظم السودانيين . أعرف طريقتين لكتابة الدساتير . أحدهما قيام لجنة معينة من القانونيين والاكاديميين وغيرهم بكتابة مسودة للدستور , تجيزها السلطات الحاكمة , ثم تعرضها في أستفتاء شعبي عام للتصويت عليه ب "نعم" أو "لا" وهذه هي الطريقة المتبعة في معظم بلدان العالم الثالث (مصر السيسي نموذجا) . الطريقة الثانية (هي مافعله الاباء المؤسسون للولايات المتحدةالامريكية) هي أن تقوم كل ولايات القطر بانتخاب مناديب لها للجنة كتابة الدستور , يجتمع مناديب الولايات المختلفة ويتوافقوا علي كتابة دستور , يعرض لاحقا للتصويت عليه في كل الولايات . بالطبع ماأتمناه لبلدي هو الطريقة الثانية . أي أن تنتخب كل ولاية أو أقليم ممثلين يمثلونها في لجنة كتابة الدستور .
هل يمكننا فعل ذلك فيما تبقي من الفترة الانتقالية؟ (أي انتخاب مناديب من الولايات وكتابتهم للدستور , اجازته قبل يوليو 2023) وان لم يكن ذلك ممكنا , ماذا علي القوي الثورية أن تقترح للأمة السودانية ؟ هل ستقترح خوض انتخابات يوليو 2023 بموجب دستور ماقبل انقلاب البشير ؟ وفي هذه الحالة ستقفل الباب , ربما مؤقتا , أمام طموحات حميدتي أو البرهان برئاسة الجمهورية لان النظام سيكون برلمانيا (سلطة تنفيذية برئاسة رئيس وزراء) وذلك حتي اجازة الدسنور الدائم فيما بعد . يمكن أن يتم التصويت علي انتخاب مناديب الولايات / الاقاليم للجنة الدستور ضمن انتخابات يوليو 2023 . وفي هذه الحالة سيكون من المفيد أن تشارك كل قوي الثورة بفعالية في الانتخابات البرلمانية وانتخابات أختيار مناديب الولايات الاقاليم للجنة كتابة الدستور . وسيمكنها ان تكتلت في كتلة واحدة أن تكسب الانتخابات البرلمانية , تختار رئيس وزراء مابعد يوليو 2023 , تحوز علي أغلبية المناديب الذين سيكتبون الدستور الدائم للبلاد , تقضي علي خطر فوز البرهان او حميدتي برئاسة الجمهورية , كما و يمكنها آنذاك محاكمة كل قتلة الثوار (اذ أنه من المستحيل محاكمتهم خلال الفترة الانتقالية الحالية) .
ماطرحته اعلاه هو رؤية شحصية لي ربما تصيب وربما تخطئ , ولكن الغرض منها هو أن تواكب قوي الثورة المتغيرات , مع الحفاظ علي ثوابتها . وتستفيد من رأسمالها الضخم في الاعجاب الشديد بها عالميا لتلعب اللعبة السياسية بحذاقة وصبر بعيدا عن الجمود والتكلس , طالما هي لم تتنازل عن ثوابتها . ولها في نضال الافارقة بجنوب أفريقيا واللبراليين واليساريين في شيلي قدوة حسنة. [email protected]