خبراء يحذرون من "الفوضى" ومحللون يُرجحون فرضية طرف "ثالث" له مصلحة في القتل أثناء المواكب وسط ترقب وحذر.. لأمن يفرق المتظاهرين بقنابل الغاز قرب القصر، ومواكب تجتاح امدرمان وبحري.
الخرطوم: مهند بكري وسط ترقب وحذر دوليين، انطلقت في الخرطوم وعدد من مدن البلاد الأحد، تظاهرات جديدة اتجهت في العاصمة نحو القصر الرئاسي، تطالب بالحكم المدني الديمقراطي. ومع استمرار الاحتجاجات، وسقوط مزيد من الشهداء والجرحى، وانسداد الأفق السياسي، والقمع المفرط الذي تفرضة قوات الأمن على المحتجين، حذر خبراء ومحللون من مفترق طرق يضع البلاد أمام 3 خيارات أسوأها "الفوضى والاحتقان السياسي" في ظل الراهن الذي تعيشه البلاد. وبحسب محللين تحدثوا ل(اليوم التالي) فإن المخرج الآمن للبلاد؛ يكمن في جلوس جميع الأطراف صاحبة المصلحة في طاولة حوار مستديرة، تمهد إلى الرجوع ل"الوثيقة الدستورية" و عودة رئيس الوزراء المستقيل عبدالله حمدوك بضمانات دولية جديدة، علاوة على تقديم استقالات من قبل مجلس السيادة الحالي وتشكيل مجلس شرفي من كبار ضباط القوات المسلحة ومدنيين.
جداول زمنية
والأحد، أطلقت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين بالقرب من قصر الرئاسة ووسط الخرطوم، بحسب إفادات شهود عيان. وتجمع آلاف المحتجين في منطقة باشدار جنوبي الخرطوم، في محاولة لقطع نحو 4 كيلومترات وصولاً إلى القصر الجمهوري، إلا أن قوات الأمن حالت دون وصولهم للنقطة النهائية. فيما شهدت منطقة ودالبشير، وشارع الأربعين تجمعات احتجاجية مماثلة، ضمن "مليونية 9 يناير" التي دعت لها لجان المقاومة وتجمع المهنيين وأحزاب وقوى سياسية مناهضة لإجراءات ال(25) من أكتوبر الماضي. ويقول المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان ، المعز حضرة ل(اليوم التالي) إن الاحتجاجات ستستمر في الجداول الزمنية المعلنة من قبل الثوار حتى الوصول إلى استجابة السلطة القائمة لمطالب الجماهير، وتابع.. "حال استمرار الوضع القائم وتكرار سيناريوهات العنف في مواجهة المتظاهرين السلميين دون رؤية واضحة من قبل السلطات لحل الأزمة؛ لن يكون هنالك مخرج يجنب البلاد حالات الشد والجذب".
احتمالات بالغة التعقيد
وترك حمدوك بعد استقالته الباب مفتوحاً للعديد من الاحتمالات في ظل الظروف المعقدة التي تمر بها البلاد، وسط استمرار احتجاجات الشارع المطالب بالحكم المدني الكامل، ليجد رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان نفسه أمام خيارات صعبة. ويقول القانوني، المعز حضرة، إن أمام البرهان خياراً واحداً، وهو تسليم السلطة للمكون المدني، بعد أن قال الشارع كلمته. ويضيف حضرة: "إذا أراد البرهان ومجموعته الانقلابية – بحسب تعبيره – إعادة الاستقرار بالبلاد سيكون أمامه التخلي عن السلطة وسماع صوت الجماهير"، والاستفادة من أخطاء النظام البائد، التي مازال يرتكبها في حق الشعب السوداني، مشيراً إلى أن ذلك يُمثل المخرج الآمن، بيد أنه عاد وقال "حال أصر البرهان على الوضع الراهن والقراءة من كتاب النظام البائد باستخدام العنف المفرط في مواجهة المحتجين السلميين، بالضرورة ذلك سيقود إلى أوضاع أكثر تعقيداً ". ويقول حضرة، إن المحتجين ليسوا ضد القوات المسلحة بدليل أنهم يرددون شعارات "شعب واحد جيش واحد" لكنهم ضد إجراءات قائد الجيش واستيلائه على السلطة. ويشير حضرة إلى أن الثوار ظلوا متمسكين بسلمية الحراك منذ عهد المخلوع، وأنهم مصرون على إكمال الثورة وتحقيق غاياتها عن طريق السلمية التي قال إنها أبهرت العالم وصارت نموذجاً يحتذى به.
أيد خفية
وخرج آلاف المحتجين في الخرطوم وعدد من الولايات، أمس، في تظاهرات رافضة لحكم العسكريين، مؤكدين على مطالبهم بالحكم المدني، خاصة عقب إعلان حمدوك استقالته من رئاسة مجلس الوزراء. وعقب كل موكب تخرج احصاءات "رسمية وغير رسمية" تؤكد وقوع قتلى وجرحى أوساط المتظاهرين وقوات الأمن، وبحسب لجنة أطباء السودان المركزية سقط نحو 60 شهيداً وعشرات الجرحى منذ قرارات قائد الجيش وحتى الثامن من يناير الجاري. بدوره قال الفريق، عابدين الطاهر، إن هنالك أياديَ خفية تعبث بأمن البلاد، ولابد من قرارات حاسمة مهما كانت ردود الأفعال لإيقاف هذا القتل الممنهج، وتابع "من المؤسف أن تتكرر حوادث إزهاق الأرواح عند كل موكب وعند كل تجمع"، وأضاف متسائلاً : إلى متى هذا الصمت المريب؟ وإلى متى هذا التماهي؟ وإلى متى السكوت عن استمرار القتل؟ وإلى متى سيظل القاتل مجهولاً ؟
سيناريو ثالث ومؤخراً زادت مخاوف المجتمع الدولي من حدوث فوضى بالبلاد، حال استمرار الوضع الراهن الذي قال عنه مراقبون إنه لا يقود لاستقرار العسكريين في الحكم ولا سلطة تؤول للمدنيين، ما جعل الأممالمتحدة تتحرك بشكل لافت؛ وتدعو جميع الأطراف إلى إدارة حوار لإنهاء العنف واستئناف الانتقال. وتأتي مبادرة الأممالمتحدة التي حظيت بترحيب دولي وإقليمي على وقع أزمة سياسية طاحنة تفاقمت بعد استقالة رئيس الوزراء من منصبه، فيما رفضت قوى سياسية ومدنية التجاوب مع المبادرة، واضعة شرط إنهاء قرارات ال (25 من أكتوبر) قُبيل الانخراط في أي نقاش. وتقول الأممالمتحدة إنها ستتشاور عن طريق بعثتها في الخرطوم مع الشركاء السودانيين والدوليين، بهدف دعم أصحاب المصلحة السودانيين للتوصل لاتفاق للخروج من الأزمة السياسية الحالية والاتفاق على مسار مستدام نحو الديمقراطية والسلام. ويرى اللواء ركن "متقاعد" استاذ العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية د. محمد خليل، في حديثه ل(اليوم التالي) إن الأوضاع الآن أضحت أكثر تأزماً من ذي قبل، وأن الحل في ظل استمرار الاحتجاجات والقمع الذي تواجه به، يكمن في عودة رئيس الوزراء المستقيل عبدالله حمدوك والوثيقة الدستورية بضمانات دولية جديدة، علاوة على ضمانات أخرى تقدم لقادة مجلس السيادة والاستغناء عن المجلس الحالي عقب إجراء مشاورات مع القوى السياسية، بالرغم من الصعوبة التي يمكن أن يجدها من قوى إعلان الحرية والتغيير، المجلس المركزي، التي رفعت شعار "لا تفاوض لا شراكة". وتابع خليل قائلاً: إن الحل هو تداعي قوى حريصة على استقرار السودان لحوار جاد وبناء يحل الأزمة، على أن يعود الجيش إلى دوره وفقاً لدستور البلاد، بعيداً عن السياسة، وأن توقف فعاليات المجتمع الاحتجاجات لاستكمال تشكيل هياكل السلطة الانتقالية والوصول إلى انتخابات يدلي فيها الشعب برأيه في من يحكم وكيف يُحكم.؟ ونصح خليل، بضرورة الرجوع إلى الوثيقة الدستورية والالتزام بها وتنفيذ مطالب الشارع.
خارطة طريق
والأحد، سير الأطباء مواكب احتجاجية منفصلة عن احتجاجات الأمس، جابت عدداً من شوارع الخرطوم، وأم درمان، تندد بما أسمته انتهاكات القوات الأمنية للمستشفيات. وسلم الأطباء المفوض السامي لحقوق الإنسان بالسودان، مذكرة تندد باقتحام الأجهزة الأمنية للمستشفيات وإطلاق الغاز المسيل للدموع. وجاءت مواكب "الجيش الأبيض" بدعوة من المكتب الموحد للأطباء بمناسبة الذكرى الثالثة لاقتحام مستشفى أم درمان التعليمي في 9 يناير ، 2019، بواسطة القوات الأمنية وما صاحبها من انتهاكات حينها. ويوم السبت الماضي، وجه مجلس السيادة السوداني بعدم ملاحقة المتظاهرين داخل الأحياء السكنية والمستشفيات، كما تم نشر ضباط برتب رفيعة لرصد أي انتهاكات قد تحدث. وشدد المتحدث الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي الأصل، عادل خلف الله، على ضرورة إيقاف العنف المفرط في مواجهة المتظاهرين، علاوة على الانتهاكات التي تتم أعقاب المواكب بالمستشفيات. ويقول خلف الله، إن الشارع لن يقبل خلاف سلطته المدنية التي خرج من أجلها. بدوره يرى نائب رئيس حزب الأمة الدكتور إبراهيم الأمين أن خريطة الطريق للخروج من الأزمة يجب أن تعتمد على الحوار مبدأً لتجاوز الخلافات بين القوى السياسية والقائمين على أمر السلطة. ويقول الأمين إن المسؤولية الوطنية والتاريخية تحتم على كافة القوى المدنية في الحراك الثوري الاجتماع على كلمة سواء، لتوحيد الرؤى والمواقف استجابة لمطالب الشعب والشارع الثوري وشعارات ثورة ديسمبر.