هل ثمة سيناريو اخر لزيارة البرهان، للامارات بعيدا عن كونها مبادرة إماراتية سعودية مصرية لحل الازمة بالبلاد وعقد ترتيبات محددة لإعادة حمدوك إلى منصبه وفق ما رشح من معلومات؟ وفي ظل شح المعلومات مالذي دار داخل الاجتماعات المغلقة وفي أي إطار يمكن قراءة زيارة البرهان المرتقبة إلى السعودية؟ هل المخاوف الأمريكية من قيام القاعدة الروسية بالسودان، جعلتها تحرك حلفائها الاقليميين للتاثير على المكون العسكري لعدم المضي في انشاء القاعدة عقب تصريحات حميدتي الأخيرة؟ أم أن للقضية إبعادها الأخرى المتعلقة باوضاع السودان السياسية والاقتصادية فقط؟ وفيما سارعت أسرة حمدوك بنفي خبر عودته لمنصبه مجددا، تساؤلات عدة تطرح نفسها حيال مجريات الأحداث وتشابك خيوطها، في ظل رمادية المواقف وضبابية المشهد، ما يجعل الكثير من الأسئلة حيرى، فما الذي ابلغته الإمارات للبرهان سرا و دعمته اقتصاديا؟، وما الذي تريد السعودية بحثه بعد غد؟. حماية مصالح يبدو أن العنوان العريض لدعوات البرهان الرسمية للامارات والسعودية، بحسب معطيات الأحداث هو بحث سبل التوصل إلى حلول للازمة التي تعيشها البلاد منذ انقلاب 25 أكتوبر الماضي، سيما أن تصريحات المستشار الإعلامي للبرهان العميد طاهر أبو هاجة مضت في اتجاه اعتبار الإمارات شريك استراتيجي لدعم الانتقال في السودان. هذا هو ظاهر الأمر، لكن الخبايا والدوافع بحسب متابعين تمضي في اتجاه حماية المصالح أكثر من كونها بحث وسائل إخراج السودانيين من ازمتهم السياسية والاقتصادية وتهيئة الجو لإكمال ما تبقى من فترة الانتقال العسيرة. وفيما يضع كثيرون التحركات الإماراتية السعودية في إطار المخاوف من قيام القاعدة الروسية بالسودان، يمضي البعض الاخر بالمقابل لوضع الأمر كله في إطار ضرورة تهيئة الجو في السودان بإعتباره حليف استراتيجي وزعزته تمثل زعزعة للاخرين. في نفس الوقت يعتقد متابعين إن البرهان يبحث ضمانات لخطة تتمثل في الإطاحة بحميدتي لتمديد سلطته ومحاولة تهدئة الشارع الثائر في وجهه. سيناريوهات التخلص بين العسكريين لم تكن وليدة اليوم، لكن بكل المقاييس ضارت حالياً واضحة للعيان بين البرهان وحميدتي فكلاهما غادر إلى عواصم محددة ل"قبر" طموح الأخر والاستيلاء على السلطة كاملة. أبعاد أخرى ومن واقع الأحداث يرى مراقبون أن زيارة البرهان الإمارات، كانت لبحث قضايا بعيدة عن قضايا الانتقال، رغم ما رشح من حديث عن مسودة مرتقبة بين البرهان وحمدوك تحدد ملامح المرحلة المقبلة، ما جعل أسرة الاخير تسعى لنفي العودة مجددا، ويذهب في ذلك الخبير والمحلل السياسي محمد البشير، إلى أن الحديث عن عودة حمدوك كان بمثابة وسيلة الهدف منها التشويش على الغرض الأساسي للزيارة. وأكد في حديثه ل" الراكوبة" على أن المخاوف الأمريكية في تصاعد من التقارب الروسي السوداني، منوها فى الوقت نفسه إلى أن زيارة البرهان الى الإمارات استبقه فيها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لان مصر تتخوف كذلك أيضا من قيام القاعدة الروسية على ساحل البحر الأحمر. "البعبع" وتمثل القاعدة الروسية بعبعا مخيفا للولايات الأمريكية وحلفائها، وكان الرئيس الروسي فلادمير بوتن قد صادق في 16 من نوفمبر 2020 على إنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان قادرة على استيعاب سفن تعمل بالطاقة النووية، قبل أن يعلن مسؤولون بالحكومة تجميد الاتفافية لحين قيام المجلس التشريعي ونشرت الجريدة الرسمية الروسية، في 9 ديسمبر 2020، نص الاتفاقية حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على البحر الأحمر، بهدف تعزيز السلام والأمن في المنطقة، ولا تستهدف أي طرف آخر، وستضم القاعدة نحو 300 فرد من عسكريين ومدنيين، ويمكن استخدامها في عمليات الإصلاح والتموين وإعادة الإمداد لأفراد أطقم السفن الروسية، ويحق للجانب السوداني استخدام منطقة الإرساء، بالاتفاق مع الجهة المختصة من الجانب الروسي. وتحدد الاتفاقية إمكانية بقاء 4 سفن حربية كحد أقصى في القاعدة البحرية، ويحق لروسيا أن تنقل عبر مرافئ ومطارات السودان "أسلحة وذخائر ومعدات" ضرورية لتشغيل تلك القاعدة في ميناء بورتسودان الاستراتيجي. ومدة الاتفاقية 25 عاما قابلة للتمديد 10 سنوات إضافية، بموافقة الطرفين. السودان على طبق من فضة واثارت تصريحات نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) الأخيرة عقب عودته من روسيا بشأن القاعدة مخاوف الأمريكان، عندما اكد عدم وجود مشكلة في إقامة قواعد عسكرية روسية أو غيرها من الدول، على البحر الأحمر، إذا كانت تحقق مصلحة السودان، ولا تهدد أمنه القومي. وقالت صحف أمريكية أن العزلة قدمت السودان لروسيا على طبق من فضة، وشدد موقع "أيه بي سي" الأمريكي أمس على أن استمرار العزلة الغربية على السودان دفع الخرطوم نحو موسكو. وقال دبلوماسي غربي رفيع انهم قدموا السودان للروس على طبق من فضة، كما أن تجربة حكم الرئيس السابق عمر البشير مع العقوبات الغربية خلقت قناعة لدى الخرطوم بأن العقوبات الغربية ليست ذات تأثير كبير. وأضاف بأنه قبل الانقلاب العسكري تعهدت روسيا للخرطوم بحماية استقرار السودان، وأشار إلى أن السودان انضم إلى 35 دولة امتنعت عن تصويت للجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة غزو روسيالأوكرانيا. ونوه الموقع إلى أنه بالرغم من انشغال الرئيس الروسي بالحرب في أوكرانيا إلا أنه ما زال يعمل على توطيد علاقته بإحكام مع الخرطوم، لجهة أن عينه على المياه الدافئة في البحر الأحمر والموارد المعدنية والموقع الاستراتيجي. وكلاء الإقليم من جانبه يرى استاذ العلوم السياسية بجامعة بحري د. عمر عبد العزيز أن زيارة الإمارات على الرغم من ما حملته المعلومات الا ان هناك كواليس أخرى للزيارة، بحد تعبيره، وتوقع في حديثه ل "الراكوبة" أن تحمل الزيارة رسالة من امريكا عبر حلفائها الاقليميين للسودان للتأني في انشاء القاعدة الروسية. في مقابل ذلك يتوقع الخبير الأمني لواء امين اسماعيل أن تكون القاعدة الروسية بمثابة كرت تفاوض به الحكومة ما بين المعسكر الغربي وروسيا، منوها فى حديثه ل" الراكوبة" إلى ان الملف تمت اثارته في توقيت حرج لكل الأطراف، وقال إن ملف القاعدة الروسية يدار عبر وكلاء اقليمين، فليست هناك مفاوضات مباشرة مع الغرب لمنع السودان من التوجه نحو روسيا. وفي ذات الاتجاه يضع اسماعيل عدة خيارات لزيارة البرهان للامارات مؤكدا أن الزيارة السابقة للوفد الحكومي كانت اقتصادية، اثيرت فيها عدة ملفات وربما وضعت القاعدة الروسية كملف وكرت مقابل للمساعدات الاقتصادية، اذا ان المعسكر الغربي يدير الملف من خلال الوكلاء الاقليميين وهما الإمارات والسعودية. وتابع : كل هذه الزيارات لها ملفات واجندة محددة، زيارة الإمارات والسعودية لها أجندة سياسية خاصة بالمخاوف من التوجه السوداني الجديد، بالإضافة إلى الشق الاقتصادي، ومناقشة بعض المبادرات الاقليمية.