اتصال هاتفي بين"البرهان" و"تميم"    إعفاء غرامات الإقامة للسودانيين الراغبين فى مغادرة مصر    هذا الهجوم خرق كل قواعد الإلتزامات السياسية لقطر مع دولة الكيان الصهيوني    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    إيران: هجوم إسرائيل على قيادات حماس في قطر "خطير" وانتهاك للقانون الدولي    سلاح الجو السوداني يشن غارات مكثفة على مواقع ميليشيا الدعم السريع في محيط بارا    نجاة وفد الحركة بالدوحة من محاولة اغتيال إسرائيلية    دموع رئيس وزراء إثيوبيا تسيل مع جريان المياه من سد النهضة        بعد 14 عاماً من البناء .. إثيوبيا تفتتح سد النهضة رسمياً    أزمة تضرب أوروبا.. إغلاق قياسي للشركات منذ 2009 وتسريح 18 ألف عامل    تصفيات المونديال.. الجزائر تؤجل الحسم وليبيا تتمسك بآمالها    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: السودان يشهد أكثر التحولات السياسية تعقيدا    الجزيرة تصنع درعها    الهجرة الدولية للأمم المتّحدة تعيد افتتاح مكتبها في الخرطوم    المريخ بربر يعزز صفوفه بالمهاجم القناص عمار سراج    عودة إلى العمل.. الهلال يستعد لمواجهة حاسمة في سيكافا    أخَوات (إنّ) بالرِّضَاعَة    ديب ميتالز .. الجارحى ليس شريكا    شعب منكوب محاط بالغزاة والطامعين ومغتصبي الأرض والنساء والمعادن    "فيلم ثقافي".. هل تعمد صلاح استفزاز بوركينا فاسو؟    «لا يُجيدون الفصحى».. ممثل سوري شهير يسخر من الفنانين المصريين: «عندهم مشكلة حقيقية» (فيديو)    التدابير الحتمية لاستعادة التعافي الاقتصادي    ضبط (91) كيلو ذهب وعملات أجنبية في عملية نوعية بولاية نهر النيل    الهلال والأهلي مدني يتعادلان في سيكافا    شاهد بالصورة.. بعد هجوم الجمهور عليه.. المذيع حازم حلمي يكتب تدوينة مؤثرة: (ممكن أغلط وأقع في أخطاء، لكن عمري ما كنت بسوء ظن بعض الناس.. كلنا بنحب السودان، لكن ما بنحب بعض)    تمويل مرتقب من صندوق الإيفاد لصغار المنتجين    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    شاهد بالفيديو.. "عينك فوقو تركب فوقو".. الفريق كباشي يحمس جنود الجيش في محاور القتال بكردفان بإشارة البرهان    شاهد.. الفنانة ميادة قمر الدين تفتح النار على زميلتها المطربة إيمان الشريف: (كفاية تناخيس وخساسة وضرب على الضهر)    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    شاهد بالفيديو.. فنان سوداني يشعل حفل غنائي في مصر وأسطورة نادي الزمالك وساحر الكرة المصرية يتفاعل في الرقص إعجاباً بأغنياته    مواعيد خسوف القمر المرتقب بالدول العربية    وزارة المعادن تنفي توقيع أي اتفاقية استثمارية مع شركة ديب ميتالز    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    الإمارات تتوقف عن استيراد النفط السوداني    شاهد.. كروان الطمبور يبعث برسالة قوية للمطرب "الفارس" الذي وبخ الجمهور وحسم الفوضى وفرض النظام داخل حفل غنائي    كسلا تستعد لإقامة ملتقى الاستثمار الثالث    بيان للجمعية السودانية لعلوم الفلك    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    بالصورة.. حسناء الفن أفراح عصام تتغزل في سيدة الغناء السوداني وتطلق عليها لقب "المرعبة": (انتي في مكان بعيد شديد لا يقبل أي مقارنة)    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تفاصيل جديدة حول جريمة الحتانة.. رصاص الكلاشنكوف ينهي حياة مسافر إلى بورتسودان    قوات الطوف المشترك محلية الخرطوم تداهم بور الجريمة بدوائر الاختصاص وتزيل المساكن العشوائية    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    من صدمات يوم القيامة    "وجيدة".. حين يتحول الغناء إلى لوحة تشكيلية    فعاليات «مسرح البنات» في كمبالا حنين إلى الوطن ودعوة إلى السلام    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    اتهام طبيب بتسجيل 4500 فيديو سري لزميلاته في الحمامات    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دروس مستفادة ونصر وشيك
نشر في الراكوبة يوم 12 - 04 - 2022

لا نحتاج لساحر أو قارئ للكف والفنجان ليشرح لنا كيف أن أهداف ثورة ديسمبر 2018م وغاياتها العليا قد حملت في عمقها (ظاهرها وباطنها) قضايا الوطن المعلقة منذ فجر الاستقلال وحتي اليوم مرورًا بأكتوبر 1964م ومارس/أبريل 1985م وغيرهما من انتفاضات ومحطات ثورية أخرى أبرزها، مثالًا لا حصرا، يناير 1982م، وسبتمبر 2013م. فغايات الثورة عبَّرت عنها شعاراتها، وهتافات كنداكاتها وشبابها وشيبها وحتى أطفالها منذ انطلاقها في الدمازين ومايرنو وعطبرة والخرطوم وامتدت لكل البوادي والحضر على طول السودان وعرضه. وعبَّرت عنها في اعتصام القيادة العامة وكل تجمعاتها ووقفاتها الاحتجاجية ومواكبها من خلال كلمات شعرائها الخالدة حميد، شريف، والقدَّال، أزهري محمد علي، معد شيخون، عاطف خيري، يوسف الدوش وغيرهم. وتغنت بها إيقاعات الفن السوداني من أناشيد وأغاني الثورة والحرية والسلام والعدالة، وما خطته وشَكَّلته ونحتته على الأرض والحجر والحوائط الجدارية والبوسترات المحمولة في الشوارع والمتداولة عبر وسائط الثوار الأسفيرية أنامل الرسامين والنحاتين والمصممين والمبدعين السودانيين. ولا ننتظر العرَّابين وهواة الرثاء والمصطلحات المبهمة، ومُدمِني التسويات والمحاصصات تحت الشعارات الملغومة المزورة ليقنعونا بأن الثورة أصبحت ثقافة وأسلوب حياة اخترقت كل الحواجز الطبقية والاجتماعية من كل جوانبها وتبينتها وخبرتها وأدركت أن الصراع، كله عاجله وآجله، يدور أساسًا حول المصالح بين قوى ثورية عريضة تنشد التغيير الجذري الحقيقي المعبر عن كل غايات الثورة وعن مصالح أصحاب الوجعة الحقيقيين، وبين قوى مضادة للثورة محدودة تعمل ليل نهار من أجل الاستئثار بثروات البلاد وخيراتها لوحدها. ولذلك فإن جماهير الثورة الحقيقية بكل مكوناتها من لجان مقاومة، لجان نقابات، منظمات مجتمع مدني نسوية وشبابية، أسر الشهداء والمصابين والمفقودين، الكيانات الثورية الإقليمية، ومستويات تنظيم اللاجئين والمشردين والمهمشين بأشكالها المختلفة، تنظيمات المفصولين والمشردين من الخدمة المدنية والعسكرية، والقوى السياسة المؤيدة لشعارات ومطالب قوى الثورة الحقيقية على أرض الواقع قد تعلمت ثلاثة دروس عظيمة لا تقدر بثمن هي أم الثورة وركائز مستقبلها وأسباب نجاحها وانتصارها الأكيد الوشيك والمتمثلة فيما يلي:
أولًا: بينت تجربة السودان السياسية منذ الاستقلال وحتى اليوم أن هنالك قوى جماهيرية ثورية تناضل وتقدم الشهداء والتضحيات وتفجِّر الثورات وتسقط الأنظمة الديكتاتورية، وهنالك قوى صفوية تسرق الثورات وتصعد على ظهر القوى الثورية للسلطة وتكرسها لتحقيق مصالحها الضيقة سواء كانت أحزاب طائفية، أو أحزاب الحركة الإسلامية، أو تحالف الإثنين معًا كما حدث بعد أكتوبر 1964م ومارس/ أبريل 1985م. وحدث أيضًا بعد ثورة ديسمبر 2018م حيث رفضت قوى الحرية والتغيير بعد وصولها للسلطة تمثيل لجان المقاومة وتجمع المهنيين المنتخب في المجلس المركزي، وحادت عن شعارات الثورة وبرامجها واستفردت بالحكم. ولذلك فإن القوى الثورية صاحبة المصلحة الحقيقية ممثلة في لجان المقاومة وتجمع المهنيين والنقابات ومنظمات المجتمع المدني وغيرها من القوى الثورية الموجودة في الشوارع قد تعلمت اليوم أن تكون القيادة والسلطة التشريعية في يدها، وأن السلطات التنفيذية والقضائية سلطات مستقلة تختار عناصرها بمعرفتها وتظل تحت رقابتها المباشرة.
ثانيًا: أن السبب الرئيسي لفشل السلطة الانتقالية والذي تفرعت عنه كل الأسباب الأخرى يتمثل في عدم التزامها بتنفيذ برنامج الثورة. وأن حمدوك قد رمى بتلك البرامج في سلة المهملات ولم ينفذ منها شيئًا، وسعى في تنفيذ برنامج من عنده لوحده ليس له علاقة بميثاق الحرية والتغيير والبرامج المكملة له التي توافقت عليها كل قوى الثورة بمختلف توجهاتها وكياناتها الجماهيرية والسياسية. وبالتالي فإن الدرس الذي تعلمته الجماهير الثورية اليوم هو أن أي سلطة تنفيذية تأتي بعد انتصار الثورة الوشيك يجب أن تنبثق عن مركز ثوري موحد يمثل كل تلك القوى الثورية وتكون ملتزمة التزامًا صارمًا ببرنامج الثورة وميثاقها الذي ستتوافق عليه هذه القوى الثورية وعدم الانحراف عنه مهما كانت المبررات. فالشعب السوداني لم يعد لديه استعداد ليقدم التضحيات ويسقط الديكتاتوريات ويرفع شعاراته ويضع برامجه ومواثيقه ويظل حقل تجارب لبرامج خاصة بشخص أو مجموعة من الأشخاص من نسج تجاربها الذاتية ومصالحها الخاصة حتى لو دعا الأمر لتوقيع عقود عمل رسمية مع رئيس الوزراء القادم وكل طاقمه التنفيذي يُحَدد فيها الوصف الوظيفي وبرنامج الثورة ومقاييس الأداء التي تتم المحاسبة والرقابة على أساسها.
ثالثًا: أحد أهم أسباب فشل الفترة الانتقالية أيضًا هو أن طريقة اتخاذ القرار داخل المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير كانت تتم بالأغلبية الميكانيكية الأمر الذي فتح الباب للتكتلات والعزل لبعض القوى والاتفاقات التي تتم تحت الطاولة لتحقيق مصالح ضيقة يتم تمريرها بالأغلبية الميكانيكية وهذا يتعارض مع المعايير التي تقوم عليها تحالفات الحد الأدنى. فالمركز الموحد لقيادة الثورة هو تحالف يضم قوى جماهيرية وسياسية متباينة في أفكارها وقضاياها المطلبية، ولكنها تتفق حول برنامج حد أدنى لتحقيق مصالح الوطن. وليس لأي قوى داخل هذا التحالف أن تفرض آرائها وتوجهاتها على بقية القوى المتحالفة ويجب أن تصدر القرارات دائمًا بإجماع كل القوى الممثلة في هذا التحالف وأي قضية خلافية يتم إسقاطها وتركها للمجلس التشريعي أو لمؤتمرات شعبية لمزيد من التشاور أو للاستفتاء الشعبي أو لما بعد الفترة الانتقالية. ولذلك لا بد أن يكون الإجماع هو أساس اتخاذ القرارات داخل التحالف الموحد لسد الطريق أمام التكتلات والهيمنة. فالفترة الانتقالية هي فترة حد أدنى لإنجاز برنامج حد أدنى عام تتوافق عليه قوى الثورة وتعمل على تحقيقه دون أي انحراف لمعالجة قضايا الوطن الملحة كالإصلاح الاقتصادي، إزالة آثار الحروب الأهلية، تحقيق السلام، وعقد المؤتمر الدستوري لتحديد هوية الوطن ووضع دستوره الدائم وتحديد شكل الحكم الملائم الذي يستوعب واقع التنوع الثقافي والعرقي ويضع الأسس المتينة التي تقوم على أساسها الديمقراطية المستدامة فيما بعد.
وبالتأكيد لا نحتاج لمفسِّر للأحلام أو لمن يحدثنا من وراء حجاب ليعلمنا بأسماء من لا يستأنسون هذه الجرعة من وعي الثوار بهذه الدروس المفصلية المستفادة من التجربة العملية المخضبة بدماء الشهداء ويسعون ليل نهار دون أن يغمض لهم جفن لتغبيش هذا الوعي وفرملة عجلة التاريخ وإرجاع الوضع إلى ما كان عليه قبل انقلاب 25 أكتوبر 2021م، بل إلى ما قبل انطلاق ثورة ديسمبر 2018م نفسها حيث دهاليز التسوية والمحاصصات الكبرى تحت مظلة مسرحية الحوار الوطني وانتخابات 2020م، وتجميع كل أطرافها بدعم إقليمي واضح كالشمس تلعب فيه مصر السيسي رأس الرمح بحثًا عن منبر مستحيل وحاضنة ضائعة لانقلاب هزمته الجماهير ومرقت أنفه بالتراب وشلَّت قدرته نهائيًا على تثبيت نفسه وفرض سلطته وتشكيل حكومة أو حاضنة برغم كل ما يجده من دعم داخلي وإقليمي مادي وسياسي وترسانة ضخمة من الأسلحة وأجهزة القمع. وحتى توقعاتهم لانحسار حركة الجماهير في رمضان قد باءت بالخيبة والفشل تحت زلزال 6 أبريل 2022م الهادر. وكلما يحاول أي تيار من تيارات قوى الثورة المضادة الظهور ويعلو صوته يزداد حجم السخط عليه، فالمؤتمر الصحفي لمجموعة التوم هجو وأردول وعسكوري قد قُوبِلَ بالضرب بفردة حذاء، وتصريحات بعض فلول السلطة البائدة بالقاهرة على خلفية مقابلتها للميرغني قد قُوبِلَت أيضًا بمزيد من السخط. هذا السخط العام المتزايد والصعود اليومي لحركة الجماهير سيفرز قريبًا منبرًا موحدًا لكل قوى الثورة الحيَّة، وهو منبر يتشكل شيئًا فشيئا وسيُعَبِّر عن نفسه بوضوح كلما استمر تصاعد حركة الجماهير وحينها سيكتمل الظرف الذاتي للثورة وسيزداد انتظامها انتظامًا وسيدفع بحركة الجماهير لمزيد من الصعود وستأتي اللحظة الثورية الفاصلة التي ستنقل حركة الجماهير لمرحلة الإسقاط الكامل للسلطة الانقلابية. فالتاريخ لا يعيد نفسه كما يتصور البعض برغم ما تتخلله من انقطاعات ومؤامرات ومطبات تعطل مسيرته، فهو لا يعود للوراء أبدًا، بل يسير دائمًا إلى الأمام ويتجه باستمرار نحو الأعلى. وأن هذه المحاولات المحمومة اليائسة لسلطة الردة ما هي إلا جزء لا يتجزأ من استمرارية حركة التاريخ للأمام وللأفضل. فتطور الثورة السودانية وصعود حركة الجماهير الماثل أمام العين المجردة وغير المجردة، يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن عودة حكم التسويات والمحاصصات قد ولى إلى الأبد وأصبح مستحيلًا. وكل المؤشرات تبشِّر بأن الفترة القادمة من تاريخ السودان ستقودها الجماهير الثورية الحية صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير الموجودة على أرض الواقع في قلب الشوارع التي لا تخون. وبرغم الثمن الغالي الذي تدفعه الجماهير يوميًا في سبيل النصر، إلا أنه هو النهاية المؤكدة الوشيكة القادمة ومسك الختام.
الميدان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.