قبل أن يجف حبر البيان الذي أصدره المكتب التنفيذي للحرية والتغيير بشأن الاجتماع الذي دعت له الآلية الثلاثية صباح الأربعاء 8 يونيو والذي أوضح فيه اعتذار الحرية والتغيير عن حضور ذلك الاجتماع، مشيراً إلى أن "أي خطوة لاحقة يجب أن يسبقها التطبيق الفعلي لإجراءات تهيئة المناخ"، هاهو نفس المكتب التنفيذي للحرية والتغيير يصدر مساء اليوم 9 يونيو تصريحاً صحفياً يذكر فيه أنه "بدعوة من مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية مولي في وسفير المملكة العربية بالسودان سوف يعقد لقاء غير رسمي بين وفد من الحرية والتغييروالمكون العسكري" ثم يستطرد في ذكر ما سيتطرق إليه اللقاء "غير الرسمي" من مواضيع. إذا كان المكتب التنفيذي قد ذكر في بيانه واعتذاره عن حضور اجتماع 8 يونيو أن "أي خطوة لاحقة يجب أن يسبقها التطبيق الفعلي لإجراءات تهيئة المناخ"، فإن السؤال الذي سيقفز إلى السطح مباشرة سيكون هو "هل يا ترى تم التطبيق الفعلي لإجراءات تهيئة المناخ في فترة ال 24 ساعة الفاصلة بين اعتذارهم عن حضور اجتماع الآلية الثلاثية ثم تلبيتهم الدعوة للقاء المكون العسكري بدعوة من الدبلوماسية الأمريكية والسفير السعودي؟" قادة الحرية التغيير ليسوا سياسيين مبتدئين وإنما ساسة محترفون، ولكنهم محترفون في الممارسات السياسية السيئة والمرذولة القائمة على المناورة والفهلوة والاستهبال، إنهم يعرفون ما يقولون، ولكنهم، ببساطة، من النوع الذي حينما يقول شيئاً لا يكون قد فكر في كيفية الالتزام به وإنما في كيفية التنصل منه، لذلك فإن كلامهم وتصريحاتهم دائماً ما تتضمن ثغرة ينفذ منها تنصلهم اللاحق. من هذا القبيل وصفهم لاجتماعهم مساء اليوم بالدبلوماسية الأمريكية والسفير السعودي والمكون العسكري بأنه "لقاء" أي أنه "ليس اجتماع" لأنهم سبق أن قالوا أن الاجتماع مع المكون العسكري يكون فقط بعد "الالتزام الكامل والصحيح بإجراءات تهيئة المناخ الديمقراطي التي طالبنا بها وأعلنت عنها سلطة الانقلاب والمتمثلة في رفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين وإنهاء العنف والقمع وحماية المدنيين... ووقف القرارات الارتدادية التي ألغت قرارات لجنة التفكيك وأعادت منسوبي نظام المؤتمر الوطني المباد." "اللقاء" الذي يختلف عن "الاجتماع" هو ذلك الذي يكون، كما قال الشاعر "عابراً"، لا الذي توجه له الدعوات وتحدد أجندته، ولكن قاموس الحرية والتغيير يتضمن تعريفات أخرى. لا يكتفي المكتب التنفيذي للحرية والتغيير بوصف اجتماعه بالمكون العسكري بدعوة من مساعدة وزير الخارجية الأمريكي والسفير السعودية بأنه "لقاء" وإنما، وتشدداً في التنصل والتبرير" يصفه بأنه "لقاء غير رسمي"! ما نعرفه هو أنك تصف شيئاً ما سواء كان لقاء أو غيره بأنه "غير رسمي" إن تم في إطار اجتماعي عادي مثل العزاء والأفراح أو تم مصادفة وبصورة غير مقصودة، أو تلك اللقاءات التي لا يتم تناول أمور رسمية فيها، فما هو "غير الرسمي" في هذا الاجتماع بين المكتب التنفيذي والمكون العسكري يا ترى؟ كيف عرف المكتب التنفيذي أن الاجتماع غير رسمي؟ هل تم إخطاره بذلك "بصورة رسمية؟" أم أنه تخيل ذلك من عنده؟ وهل يا ترى حضرت مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للسودان لعقد اجتماعات ولقاءات غير رسمية؟ كيف لك يا عزيزي القاريء أن تتصور اجتماعاً "غير رسمي" تتم الدعوة له من دبلوماسيين على ذلك المستوى ويكون طرفاه هما المكون العسكري وقيادة الحرية والتغيير وتكون مواضيعه هي "1. إجراءات إنهاء انقلاب 25 أكتوبر 2021م وكل ما ترتب عليه من آثار وتسليم السلطة للمدنييين والتنفيذ الفوري لاستحقاقات تهيئة المناخ الديمقراطي جميعها ودون استثناء. 2. وقف إجراءات الآلية الثلاثية في جمع قوى قوى مؤيدة للانقلاب وعناصر النظام البائد في العملية السياسية .... 3. النقاش حول كيف تكون العملية السياسية شاملة بعد اتفاق قوى الثورة والمقاومة والانقلابيين على كيفية وإجراءات إنهاء الانقلاب" كيف يكون هذا "لقاءاً غير رسمي"، وماذا أبقيتم إذن "للاجتماعات الرسمية" لتناقشه إن حسمتم كل هذه المواضيع في لقائكم غير الرسمي؟ إن اللقاء "غير الرسمي" الجاري الآن، ورغم كل البيانات السابقة من الحرية والتغيير والتي تنكر أن ذلك سيتم قبل تنفيذ إجراءات تهيئة المناخ، هو بداية (معلنة) للتفاوض المباشر بين المكتب التنفيذي للحرية والتغيير والمكون العسكري، وأكتب (معلنة) لأن الكثيرون يعلمون أن قيادات الحرية والتغيير أجرت من قبل لقاءات عدة "غير رسمية" و(غير معلنة) مع المكون العسكري. لقد كتبت من قبل أن قيادات الحرية والتغيير غير مؤهلة لقيادة المفاوضات مع المكون العسكري وقد ظلت الأحداث والتطورات تثبت يوماً بعد يوم أنها فعلاً غير مؤهلة لا سياسياً ولا أخلاقياً ولا فنياً لمفاوضة أي جهة. لقد طالبت ببناء جبهة مدنية واسعة تضم إلى جانب الحرية والتغيير كل قوى الثورة والمقاومة وأسر الشهداء وتجمعات المفصولين تكون هي المسؤولة عن قيادة المفاوضات، وقد تلقفت قيادات في الحرية والتغيير تلك الدعوة ولكن فقط للمناورة السياسية، وإلا فلماذا لا ينتظرون بناء تلك الجبهة قبل الخوض في المفاوضات، ولماذا لا يبدون من الجدية في اتجاه بنائها معشار الجدية التي يعاملون بها أهمية الحفاظ على وجود الجبهة الثورية في قيادتهم بينما تتربع تلك الجبهة في الهياكل العليا للانقلاب؟ حينما قرأ الكثيرون بيان الحرية والتغيير بالاعتذار عن حضور اجتماع 8 يونيو مع الآلية الثلاثية وحينما شاهدوها فعلاً تغيب عن ذلك الاجتماع تفاءلوا خيراً، ورأوا في ذلك أخيراً خطوة ممتازة في اتجاه التقارب بين قوى الثورة المختلفة وبتاء جبهة مدنية موسعة لمقاومة وإسقاط الإنقلاب، ولكن، وللحسرة فإن قيادات الحرية والتغيير لم تمهل تفاءلهم ذلك يوماً واحداً وإنما عاجلته بطعنة غادرة في الظهر بعد أقل من 24 ساعة.. يا للأسف. الديمقراطي