عوض البارئ محمد طه رغم الوضع الحرج وغير المسبوق الذي يعيشه السودان، ولكن هنالك الكثير من المؤشرات الايجابية التي تؤشر لمستقبل سياسي واعد طابعه الاستقرار والوعي بما يقود لدولة مستقرة نامية على أنقاض الموروثات السياسية السيئة بعيدآ عن الاستهبال السياسي الذي كان يقوم على الموروثات الاجتماعية التي يستقلها المستهبلون السياسيون بعقلية القطيع والضمير الجمعى والقبلية والوصاية الدينية والاجتماعية وادعاء الحكمة والأبوية وممارسة التغبيش واستقلال البسطاء . لقد أحدثت ثورة ديسمبر المجيدة تحولات جذرية في المجتمع السوداني وأفرزت جيلآ مغايرآ للمجتمع القديم بكل أرثه السالب وطبيعته التي تميل إلى الركون والاستسلام والتسليم للواقع رغم ما فيه من ظلم وأعوجاج وخضوع لأرث اجتماعي بالي يقوم على القبليات والطرق الصوفية والتراكيب الاجتماعية التقليدية ، فالطرق الصوفية بالطبع لا أحد ينكر أو يتنكر لدورها التاريخي في نشر الإسلام وتغذية ممسكات الوحدة الوطنية والمساهمة في تجانس المجتمع السوداني وفق طرقها في توحيد الكلمة وقيادة المريدين والاتباع طيلة سنوات التخلق التكوينى للسودان ، ولكن كل ذلك كان يتم على الصعيد الاجتماعي والديني وليس السياسي لأن التعاطي السياسي والمواقف حيال الأحداث السياسية تقوم على الرأي والرأي الآخر، وتبني الأفكار السياسية يقوم على القناعات الفردية ، ومسألة الضمير الجمعي في السياسة تبدأ بتكوين الاتجاهات التي تمهد لتكوين رأي عام متجانس شيئآ فشيئا .. ثم يتبلور في توجه عام يسمى بالرأي العام ، ومن يشتركون في رأي موحد أو متشابه على الأقل أو تجمعهم مصالح مشتركه يصبحون جماعة ضغط (Loby) أو يتطورون إلى حزب سياسي إذا سعوا للوصول للسلطة عبر تغليب أفكارهم بالطرق السلمية والديمقراطية المعروفة ، إلا أن اللجوء للطرق الصوفية في حشد الإتباع والمؤيدين بدأ في السودان منذ نشأة القوى السياسية مع فكرة الصراع حول الاستقلال أو الوحدة مع مصر فكان الأنصار والختمية وكان الحزب الاتحادي الديمقراطي ، وحزب الشعب الديمقراطي ، وحزب الأمة القومي ، ثم جاء الحزب الشيوعي وافدا من مصر عبر حركة (حدسو) وهو حزب عقائدي يختلف عن القوى السياسية التقليدية التي نشأت في البيئة السودانية إبان نضال الرعيل الأول من جيل الحركة الوطنية ضد المستعمر . ويبدو إن مشكلات القوى السياسية السودانية صاحبتها منذ تكوينها ومنذ إرتباطاتها الأولية بالكيانات الدينية المتصوفة مما حدً من تطورها التنظيمي وبالتالى إنفتح الطريق أمام مغامرات العسكر ، بل وتحالف بعض الاحزاب مع العسكر فى صناعة النظم الدكتاتورية الشمولية عبر الانقلابات العسكرية . أما القبلية عندما تدخل دائرة المعترك السياسى فإن النتائج تكون سيئه حتى على القبيلة والمكونات الاجتماعية والديمغرافية المجاوره ، ولسنا فى حاجة لضرب أمثلة على ذلك فواقع السودان الماثل وخصوصا هنا فى شرق السودان وفى دارفور ، وما عاشته البلاد من صراعات قبلية دامية خير دليل وليس ذلك سوى نتائج مباشره لبحث إنقلاب 25/ أكتوبر عن حاضنة سياسية مصنوعة وسط القبائل والكيانات الاجتماعية ، وعندما فشل فى ذلك رغم ثمنه الباهظ طفق يبحث عن مخرج عبر الطرق الصوفية بما سمى بمبادرة أهل السودان !!!. ووسط هذا الخضم المتلاطم من التردي السياسي تبرز المؤشرات الايجابية للتحولات القادمة فرفض الانقلاب وسقوطه قبل إذاعة بيانه وتكسير خططه رغم السند الاقليمى فى بدايته وبقائه في مربعه الأول لمدة قرابة العشرة أشهر متخندقا فى خانة الدفاع عن استمراره دون تحقيق أي هدف من أهدافه خير دليل على وعى متصاعد لدى الجماهير وخصوصا الشباب ولجان المقاومة وهو وعى بات ينسحب حتى على المجتمعات التقليدية إذا إستثنينا بعض القيادات والرموز التى نشأت على الأثرة والانانية والاستحواز الموروث وهذه فى طريقها للإنقراض مثلها مثل الديناصورات سواء طال الزمن أم قصر . [email protected]