هذا الانقلاب وُلد ميتاً، حتى وإن أفلح في إبقاء الانقلابيين على سدة الحكم لسنة أو اثنتين أو عشر سنوات، وذلك لتقاطعات المصالح وتناقضات المعسكر الانقلابي نفسه. الحالة المُزرية التي وُلد فيها الانقلاب جعلتنا نعتقد أنه أضعف من أن نقاومه متوحدين، وانصرفنا عن معركتنا الأساسية لمعاركنا الثانوية، فتطاول أمده وحال عليه الحول، وبات أنصار الانقلاب يسعون سعياً حثيثاً لإنتاج النسخة الثانية من الإنقاذ. الثورة السودانية بعد الانقلاب؛ انقسم معسكر المقاومة إلى اتجاهين: اتجاه يرى أن العملية السياسية والحوار يمكن أن تكون وسيلة تاكتيكية لسحب السلطة من الانقلابيين، وذلك بناء على أن السلطة الانقلابية تتحدث بمنطق القوة وفرض الأمر الواقع، بجانب استمرارها في غيِّها، فانخرطت هذه القوى في الحوار المتعثِّر الذي كانت قد يسرته الآلية الثلاثية. الاتجاه الثاني ويمثله قطاع واسع من لجان المقاومة، تلاقى معه خط الحزب الشيوعي السوداني، يرون أن (ق.ح.ت) تسعى إلى إعادة إنتاج المشاركة عبر تجريب المجرَّب، وبناء على ذلك اتخذوا من موقفها موقف العداء. كما يرى هذا الخط أن الانقلاب سيسقط بمواصلة الضغط الجماهيري والمُضي قدماً في وسائل المقاومة المجربة. قدَّم جزء من هذا التيار حلولاً ضَمَّنها في صياغته لمواثيق سياسية، وبالطبع لم تتفق قوى سياسية كثيرة مع بعض جزئيات هذه المواثيق، ولم تتم أي خطوات عملية من جانب (ق.ح.ت) في اتجاه تعديل ما يحتاج من بنود، بل تجاهلت المواثيق. كما أن أصحاب المواثيق تجمَّدت خطواتهم نحو عملية الدمج، فأضحت المواثيق معلَّقة غير مكتملة، فمثَّل عدم اكتمالها عاملاً آخر من عوامل تعميق الفجوة بين التيارين، بل حتى التيارات المتعددة التي صاغتها. البعض يزعم أن قوى الثورة على خلاف جوهري كبير، ولا توجد قواسم مشتركة فيما بينها، لكن الدلائل تُشير إلى أن الخلاف الأساسي يكمن في وسائل وأساليب استعادة مسار التحول الديمقراطي التي قرر انتهاجها كل طرف، فلكلٍ رؤيته. أصابت النيران الصديقة جسد الثورة إصابات بليغة، وأصبح الرِهان على وحدة قواها شبه خاسر؛ ما جعل قائد الانقلاب يصطاد في الماء العكر ويلعب على خلافات قوى الثورة عند إصداره لبيان 4 يوليو. بيانات وحدة قوى الثورة التي صدرت الثلاثاء، ممهورة بتوقيعات عدد من التنسيقيات احتفى بها البعض؛ واستاء منها البعض الآخر. أقول للذين تفاءلوا خيراً بهذه الخطوة: إذا انخرطت كل قوى الثورة في جبهة موحدة لإسقاط الانقلاب، فإنه وفي أول منعطف ستفترق وتعود إلى نفس حالة التناحر التي كانت في الفترة الانتقالية المُجهضة، وبذلك تُمهِّد الطريق أمام حركات الردَّة والانقلابات. لذلك يجب استصحاب مرحلة ما بعد إسقاط الانقلاب في رؤية وحدة قوى الثورة حتى لا تكون وحدة مرحلية تنتهي بمجرد اجتياز العقبة الأولى. السلطة سلطة شعب-العسكر للثكنات حقيقةً لا أدري ما هي أسباب معارضة الخطوة التي تمت، وأتمنى أن يطرح معارضوها أفكاراً عملية واضحة لوحدة قوى الثورة، إلا إذا كانوا يرون أن هذه القوى ليست قوى ثورة أصلاً ليتوحدوا معها، كما أن جزءاً كبيراً من مهمة إقناع الطرف الثاني بضرورة الوحدة تقع على عاتق الطرف الأول الذي خطى خطوات نحو تجميع قوى الثورة. وأخيراً.. لا تتحقق الوحدة بمجرد التوقيع على بيان، وإنما بالفعل الجاد والإرادة الحقيقية، وتغليب قضايا الثورة على الصراعات الثانوية. الديمقراطي