السودان بلد يمتاز بنسيج اجتماعي مترابط لأبعد الحدود ويكاد اختلاف اللهجات والثقافات والاثنيات والعرقيات والايدلوجيات لا يغير أو يطفي على ذلك النسيج أدنى اختلاف، في الثامن من اذار الف وتسعمائه خمسه وتسعين ترجلت اسره ود الفكي من صهوه جواد القيود والعادات والتقاليد فبعد جدل وحوار وتوسلات وترجي من عنود لوالدها بأن لابد يا أبي أن أتعلم فانا قد أحرزت درجه عاليه فلن اترك مجهودي ومجهودك أن يضيع سدى اقتنع ود الفكي وأرسل ابنته للخرطوم للدراسه وكان أن ذاك مجتمع الريف يرفض رفضاً باتاً بدراسه حواء متحججين بأن المراءه مكانها البيت فهي كترياق حكم عليه بالخلود في البيت والفريق فرحلتها كقطار يمشي في خط مستقيم من بيت أسرتها إلى عش الزوجيه فهي الرحله ذات الصراط المستقيم الذي يسلكه قطار امنياتها وأماني أهلها وينتهي في تلك المحطه دون أي رجعه، فعندما توجهت بدور للعاصمة ضج مجتمعها ضجيجا كماكينات المصانع وتعالى ضجيج ذاك الحدث كطبل يقرع للحرب أو السلم معا واصبح سفر عنود محل جدال في كل المجالس وحديث السمر والسهر آنذاك لكن إيمان ودالفكي وتفهمه لاختيارها وتصميمها على كسر المعهود ذاد عنود شجاعه وإصرار على مواصله الطريق الذي اختارته فمضت قدما كما النيزك دون رجعه مصممه على تحقيق أحلامها ورفع مستوى الوعي في مجتمعها في مقبل الايام، هنالك كان الحنين إلى أسرتها ومجتمعها لا يبارح قلبها النابض وتهيم مهجتها بين ألفينه والأخرى وتحن إلى مسقط رأسها، في ذات صباح وهي متوجهه صوب الكليه وصلها تلغراف بأن هنالك طرد قادم من أسرتها به زواده وكانت الزواده عباره عن سمك مغلي متبل وبعض خيرات البلد فالاسره كلما صنعت طعاماً يكن طيف عنود حاضراً فهي كالنسمه مستقيمه القوام كعود صندل من دلهي ناصعه كالصبح خاصرتها كفلك يدور حوله الكواكب عينها ساحره جباره نهداها كسبيط العنب في حدائق حيفاء ودير الذور يداها ناعمه كحرير روما مدور وجهها كقمر مكتمل في ليلته شامخه كجبال الانديز ، تنتظر عنود ذاك الطرد بشغف فالوالده عائشه بت المك كانت ميرم، (والميرم اي المراءه الطباخه الماهره فلقب ميرم عند تلك المجتمعات لايطلق سدى بل يكون عن صدق فهو بمثابه وسام في صدور الماهرات في شئون المطبخ) ومصدر تفاخر بين نساء الفريق. وصل الطرد في المساء وكان السمك ملفوف بورق صحيفه محليه تصدر كل شهر من بعض الشباب المثقفين وكانت تدعي صحيفه الهودج (والهودج هو مخمل يصنع من الصوف يضاف له ألوان زاهيه وبعض الاكسسوارات المحليه يستخدم للتنقل خصوصاً في فصل الخريف للتنقل من مكان إلى آخر لمتابعه مكان الكلاء والماء ويوضع على ظهر الإبل أو البقر وعاده مايحمل فيه النساء والأطفال وتزف به العروس في بعض الأحيان من فريق لآخر). استلمت عنود بشغف ذاك الطرد فهو وصل بعد رحله طويله من كيلك أقصى الجنوب مروراً بلقاوه وغيرها من المناطق إلى أن وصل العاصمه الخرطوم فهي رحله أشبه بالرحلات الماكوكيه في ذاك الوقت نظراً لبعد المسافه وصعوبه الحركه فهو بمثابه شيء مقدس يحمل رحيق وعبق ذاك المكان فهو محمل بالزواده والأشواق والحنين الدفاق فالزواده معنويه وغذائيه. عنود بطبيعه حالها فهي من صلب مجتمع يمتاز بالكرم الفياض والايثار والعطاء بسخاء فتحت الطرد وعينها مليئه بالفرح والكبرياء بأهلها الذين لم ينسوها وهم من علي البعد يمتد خيرهم ووصالهم نادت كل من معها في السكن ليتذوقو من ذادها العابر للقارات، فا انهمك الجميع في الأكل وكأنهم يتذوقون مائده من السماء فا الاكل أعد بمهاره عاليه حافظت عليه من تغيير طعمه على طول الطريق فما أن فرغ الجميع من الأكل حتى أصبحت الاسئله تنهال على عنود من وين الأكل دا، فهي ترد بصوتها الذي يحمل في نبرته الحنيه والرقه كعود في يد موسيقار يعزف على سلم (الاوكتاف) ترد بلهجتها المحليه فلم تغيرها عواصف المدن ولا متغيراتها انه من الفريق مرسلنا لي ناس آمي فحينها أصبحت الاسئله تنهال عليها فهي لاتتحدث كثيرا يلازمها الصمت في الكثير من الوقت فهي تؤنس وحدتها بالاستماع إلى الراديو أو تصفح الصحف التي تصدر كل صباح دار حديث ملى بالشغف والمعرفه عن مجتمع عنود وعاداته وتقاليده فبنات البندر كن ينصتن إلى حديث عنود وهي تسرد لهم سرد منظوم كما اللؤلؤ تنتقي الكلمات بعنايه وهي تتحدث فطلاقه لسانها كانت تدل على ثقافتها العاليه واطلاعها المتواصل انتهت تلك الليله التي كانت كليالي منتدى عبدالكريم مرغني وقرر الجميع بزياره الفريق في اجازه السمستر القادم حاملين معهم الشغف التواق للوقف على سماحه ذاك المجتمع الذي شكلته لهم بمخيلتهما الخصبه واقعاً عاشوه جميعاً رغم اختلاف المكان والزمان. [email protected]