استيقظ السودانيون فجراً في يوم 25 أكتوبر على أنباء عن محاولة انقلابية ناجحة هذه المرة، وبالفعل كانت المشاهد في الشوارع تُنبئ بذلك، حيث أغلقت المركبات العسكرية جميع الطرق الرئيسية في العاصمة الخرطوم ومداخل كل الجسور المؤيدة إليها. وبدأ واضحاً من الانتشار الكثيف للجنود ومركباتهم بما فيها مركبات الدعم السريع، بأن المكون العسكري اتخذ قراره المؤجل كثيراً بالانقلاب على الحكومة والاستيلاء عليها. ورغم أن أول خطوة تم اتخاذها من قبل المؤسسة العسكرية هي قطع كل خدمات الاتصال والإنترنت، إلا أن الجماهير السودانية خرجت للشوارع بشكلٍ عفوي منذ الساعات الأولى للفجر، وقامت بتتريس الشوارع وحرق الإطارات تعبيراً عن رفضهم للانقلاب العسكري أياً كانت مبرراته أو قيادته. ثم أغرقت القنوات الفضائية وكل وكالات الأخبار، مسامع السودانيين بأن العسكر قد استولوا على السلطة بقوة السلاح وقاموا باعتقال كامل طاقم الحكومة المدنية بما فيها رئيس الوزراء وعدد من قيادات الحرية والتغيير، عدا قيادات أطراف السلام باستثناء ياسر عرمان نائب رئيس الحركة الشعبية وقتها والذي تم اعتقاله مع الوزراء والمستشارين في حكومة حمدوك. رويداً رويدا امتلأت الشوارع بالجماهير، وكانت الغالبية العظمى من شباب الثورة، وتعالت الهتافات رفضاً لانقلاب ورفضاً لفلول المنظومة البائدة، وعاد الهتاف الشهير أيام حراك ثورة ديسمبر المجيدة : (رص العساكر رص الليلة تسقط بس)، وسير متظاهرو مدينة الخرطوم المواكب الحاشدة زحفاً على الأقدام نحو مقر القيادة العامة، ووقتها لم يكن البرهان قد أذاع بيان الانقلاب الأول، ولكن بعد البيان مباشرةً، عادت القوات الأمنية للعنف المُفرط في تفريق المتظاهرين. وقتها كانت (الجريدة) حاضرة في وسط المتظاهرين، ورصدت جموع شباب الثورة، وهم يتعاهدون فيما بينهم لتنظيم صفوفهم ومواصلة الحراك الثوري مهما كانت فاتورته وكُلفته، وقد توقعت (الجريدة) في اليوم التالي للانقلاب، بأن الأيام القادمة ستشهد بروزاً للجان المقاومة وستكون هي القائد الفعلي لحراك الشارع، وقد كان ذلك هو ما تم بالفعل. الجريدة