امام العملات الاجنبية الامريكى على التجارة العالمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بعد استقراره على سعر صرف محدد بموجب اتفاقية برايتون وودر فى يوليو 1944م . ومنذ لك الحين ظل الدولار هو العملة المهيمنة على جميع جوانب النظام المالى العالمى – وهو العملة التى يتم تداولها فى شراء النفط والقمح كاكبر سلع الصادر فى العالم وفى عمليات التجارة الخارجية لبقية السلع بين كل دول العالم. ورغم سطوة الدولار وهيمنته على بقية عملات العالم كالين اليابانى والاسترلينى واليورو واليوان ، الا ان النظام المالى العالمى ربما يشهد تغييرات حاسمة نتيجة بروز قوى اقتصادية جديد ة كالصين . ونتيجة لاسباب جيوسياسية بسبب الحرب الروسية الاوكرانية ، ادت هذه الحرب الى تغيير فى استثمارات البنوك المركزية حول العالم خاصة بين دول اوربا وروسيا ودول اخرى بسبب العقوبات الغربية على روسيا . ففى عام 2019 م كان الدولار يمثل 62% من احتياطيات البنوك المركزية فى العالم ، واليورو 20% ، الين اليابانى 5% ، والاسترلينى 4.5% ، وبقية العملات العالمية بما فيها اليوان الصينى تمثل اقل من 2% – وبالتالى اى تغيير فى احتياطيات النقد الاجنبى بالدولار الى عملات اخرى سؤدى الى خسائر مستقبلية للاصول المقومة بالدولار وومخاطر فى تسوية المعاملات المالية الدولية . فهذه الهيمنة منحت الولاياتالمتحدة درجة كبيرة من النفوذ والقوة ، حتى اصبح الاقتصاد الامريكى يمثل حوال 25% من اجمالى الناتج المحلى العالمى حتى اليوم مقابل 30% عام 2000م . وتقترن هيمنة الدولار بقوة الولاياتالمتحدة على شن حروب اقتصادية على الدول المارقة كما تسميها الولاياتالمتحدة مثل كوريا الشمالية وايران والسودان – وتخضع البنوك المركزية فيها لعقوبات قاسية عن طريق المؤسسات المالية التى تشرف علي النظام المالى العالمى (البنك الدولى وصندوق النقد الدولى) بالحصار الاقتصادى والحرمان من الدعم المالى والفنى وتحريض الدول التى تدور فى فلكها بمحاصرة اقتصاديات هذه الدول . مكتسبات الهيمنة :- تعزيز الموقف الامريكى المالى حيث تسعى كثير من البنوك المركزية حول العالم الاحتفاظ باصول مقومة بالدولار . حماية الاقتصاد الامريكى من الصدمات الناشئة فى الخارج . ممارسة النفوذ العالمى لتحقيق اهداف السياسة الخارجية الامريكية تحسين القدرة التنافسية للشركات الامريكية بما يساعد على استقرارها وابتعادها عن تقلبات اسعار الصرف . حجم الناتج الاقتصادى العالمى فى 2021م بالدولار الامريكى الولاياتالمتحدة 23 تريليون الصين 18 تريليون اليابان 5 تريليون ألمانيا 4.3 تريليون الهند 3 تريليون المملكة المتحدة 3 تريليون فرنسا 2.9 تريليون إيطاليا 2.1 تريليون البرازيل 1.85 تريليون كندا 1.84 تريليون كوريا الجنوبية 1.8 تريليون روسيا 1,7 وقد تباينت وجهات نظر الخبراء الاكاديميين حول مستقبل هيمنة الدولار الامريكى على بقية العملات الاجنبية وعلى النظام المالى العالمى ، فالبعض يرى انه سوف يضعف تدريجياً واخرون يرونه سيظل قوياً وربما يصبح العملة الدولية الوحيدة المستقرة فى التدول عالمياً لعقود قادمة . الا ان هنالك مخاوف طفحت على السطح بسبب العقوبات الامريكية والغربية على روسيا بسبب حربها على اوكرانيا والتى كان لها تأثير كبير على النظام الاقتصادى والمالى والتجارى العالمى ، مما اثار مخاوف حدوث تعديل فى النظام المالى العالمى تؤدى بدورها الى تفتت النظام النقدى الدولى ، لذلك فاكبر المخاوف على هيمنة الدولار هى الحرب الروسية الاوكرانية. فالمخاوف ايضاً التى باتت تنتاب العالم بسبب تسليح الدولار فى الحرب الدائرة الان ربما تحفز كثير من دول العالم للبحث عن بدائل للدولار وتسريع التغييرات فى النظام المالى العالمى خلال ال 20 عاماً القادمه ، فتقارير صندوق النقد الدولى اظهرت بياناتها ان احتياطيات العملات الاجنبية العالمية المقومة بالدولار بلغت 7087 تريليون دولار فى الربع الاول من عام 2021م بما يمثل 58.51% من حصة احتياطيات العملات الاجنبية بعد ان كانت 72% قبل سنوات ، وفى تقرير لبنك التسويات الدولية عام 2020مش ان 90% من تداول العملات الاجنبية كان مقوماً بالدولار . ومن المخاوف على هيمنة الدولار ، هى التحولات التى حدث للاقتصاديات الناشئة التى اصبح لها نصيب اكبر فى الناتج المحلى العالمى والتجارة العالمية مثل البرازيل وماليزيا وفيتنام وكوريا الجنوبية ، ومخاوف اخرى بسبب ظهور العملات الرقمية الخاصة والرسمية ودورها فى زعزعة النظم المالية محلياً ودولياً وتاثيرها الكبير على نظام المدفوعات . فقد ادى استغلال التكنولوجيا الجديدة لزيادة كفاءة آليات الدفع والتسوية بين كثير من البنوك المركزية لعدة دول فى تعاملاتها مع بعض كالصين والامارات وتايلند وروسيا ، مما قلل من العيوب المرتبطة بالمدفوعات فى مجال التجارة الدولية ، فسرعة السداد والتسويات تحد من تقلبات اسعار الصرف مما يقلل بدوره مخاطر المصدرين والموردين فى التحوط لتقلبات اسعار الصرف نتيجة التاخير فى معالجة وتسوية المدفوعات ، لذلك كلما ازدادت سهولة اجراء المدفوعات الدولية وانحسار عيوبها ، يمكن ان يؤدى هذا الى تراجع دور الدولار فى التجارة العالمية كعملة وسيطة فى تسوية المدفوعات . ونتيجة لكل هذه المخاوف من فقدان الدولار لسطوته وهيمنته على العملات الاجنبية لجأت بعض البنوك المركزية الى تجربة اصدار عملات رقمية كما يحدث الان فى الصين باصدار يون رقمى لكل معاملات الصين الخارجية ، مما يوشى بتفوق اليوان على كثير من العملات العالمية فى المستقبل وربما ينافس الدولار- الا ان مشكلة الصين تكمن فى الانغلاق الداخلى الخاص بآليات السوق المفتوح والذى يتنافى مع النظام الوسطى الذى تتبعه الان بين الاشتراكى والراسمالى وهيمنة الدولة على مفاصل الاقتصاد والبنك المركزى مما يضع قيوداً على التدفقات الراسمالية الاجنبية – وهذا بدوره يؤثر على وضعية اليوان كعملة دولية يمكن الاعتماد عليه مستقبلاً ، فالان برغم ان الصين قوة اقتصادية ضخمة يمثل اقتصادها 18% من الناتج المحلى للاقتصاد العالمى الا ان اليوان يستخدم فى تنفيذ 3% فقط من احتياطيات العالم من النقد الاجنبى و3% من عمليات الدفع الدولية . احتياطيات البنوك المركزية الاخرى بخلاف الدولار :- اليورو : وهو العملة الموحدة لدول الاتحاد الاوروبى ، الذى تم اعتماده فى عام 1999م واصبح العملة الاكثر قدرة على منافسة الدولار حيث تحتفظ البنوك المركزية الاجنبية بما نسبته 20% من احتياطياتها من العملات الاجنبية باليورو ، وهى عملة اوروبية يتم تداولها عبر اقتصاديات 19 دولة تمثل الاتحاد الاوروبى (البنك المركزى الاوروبى ومقره فرانكفورت بالمانيا) ، ويعانى اليورو حالياً من اكبر انخفاض له منذ عشرين عاماً . الين اليابانى : يعتبر الين اليابانى من اكثر العملات الاجنبية التى نافست الدولار فى السبعينات والثمانينيات واوائل التسعينات – الا انه تراجع لصالح اليورو الاوربى . الاسترلينى : سيطر الاسترلينى على النظام المالى العالمى فى نهاية القرن التاسع عشر ، حيث كانت 60% من التجارة العالمية يتم تداولها بالاسترلينى وهى فترة توسع الامبراطورية البريطانية سياسياً واقتصادياً واستقراراً مالياً ، حتى آلت السيطرة للاقتصاد الامريكى عالمياً بعد الحرب العالمية الاولى وانهيار التعاون المالى بين الحلفاء. ويعتبر الاسترلينى ثالث اكبر احتياطى للعملة فى العالم بعد الدولار واليورو ورابع اكبر العملات تداولاً فى سوق الصرف الاجنبى – الا انه شهد تراجعاً كبيراً فى السنوات الاخيرة . فقد شهد العام 2008م انخفاضاً بنسبة 30% من قيمة الاسترلينى بسبب الازمة المالية العالمية ليصبح 1.40 دولار – ثم انخفض مجدداً بعد التصويت لمغادرة الاتحاد اوروبى فى عام 2016 م ليصبح 1,33 دولار – حتى شهد اكبر انخفاض فى قيمته مع بداية العام 2022م ليصل الى 1.145 دولار بسبب زيادة العجز فى الميزانية واللجوء الى الاستدانة دون خطة واضحة لسداد هذه الاموال ، مما تسبب فى حالة ذعر فى الاسواق المالية العالمية لدى المستثمرين الذين هرعو للتخلص من الاسترلينى حتى اقترب من 1.03 دولار قبل ايام وهو اقل قيمة للاسترلينى فى التاريخ . اليوان (العملة الصينية) : يأتى اليوان فى المرتبة الخامسة لاقوى عملات الاحتياط العالمية ، وتسعى الصين الى استخدام مؤسساتها الاقتصادية لتمويل البنية التحتية ل 68 دولة حول العالم ، وانشاء نظام تجارى يستخدم عملتها الوطنية من خلال التعامل مع الشركات الصينية (مبادرة الحزام والطريق) ، لذلك فاليوان يمكن ان ينافس الدولار على المدى الطويل بشرط توفر مطلوبات محددة خاصة بالنظام المالى الداخلى للصين . الذهب : احتياطى الذهب لدى البنوك المركزية لا يمكن الاعتماد عليه ولا يمثل بديلا للدولار لان الاسواق العالمية ليست لديها السيولة الكافية لشراء كميات كبيرة من معدن الذهب فى فترة قصيرة دون التسبب فى تراجع اسعاره . العملات المشفرة : هذه العملات الرقمية قيمتها غير مستقرة ولا توجد ضوابط عليها حتى الان اضافة الى عدم قابليتها للتحول الى عملات اخرى بسهولة . الاصول الآمنة : وهى الاصول التى تتمتع بالسيولة العالية وكميات كبيرة منها لدى بلدان ذات نظم مالية موثوقة ، غير ان عرضها محدود . اثر التكنولوجيا المالية والتحول الرقمى :- – الحد من تقلبات اسعار الصرف . – تمكين الشركات الناشئة والاسواق الصاعدة والنامية الاستفادة من روؤس الاموال العالمية . – الحد من عيوب المدفوعات الدولية فى التجارة العالمية . – الحد من تقلبات سياسات البنوك المركزية النقدية بسبب تقلبات سياسات اسعار الصرف – بما يؤدى الى تغويض الاستقرار الاقتصادى والمالى للدول . – فتح الباب امام الشركات العالمية الكبرى والدخول الى اسواق الدول النامية والاقتصاديات الصاعدة . – الحد من فعالية الضوابط الراسمالية مما يمكن من هروب الاموال فى حال حدوث اى انهيار للعملات الوطنية – مثلما حدث فى روسيا اخيراً وهروب الاموال باستخدام البتكوين . ختاماً سيظل الدولار الامريكى هو العملة المهيمنة على العملات الاجنبية لعقود قادمة وببساطة لان البنوك المركزية العالمية تحتفظ باحتياطيات ضخمة منه وان اى تراجع فى هيمنته وهو فى حيازة هذه البنوك المركزية وفى حيازة المستثمرين الاجانب ، ستؤدى الى زيادة العملات الاجنبية الاخرى مقابل الدولار بمعنى زيادة الحيازات ، وبما ان الولاياتالمتحدة تصنف كمدين تجاه باقى دول العالم فات تراجع الدولار مقابل هذه الحيازات ستنشأ عليه ارباح استسنائية لصالح الولاياتالمتحدةالامريكية وهى بلا شك خسائر فى بقية دول العالم – لذلك لن يتراجع الدولار عالميا كعملة مهيمنة تقوّم عليها كل الاصول والخصوم الاجنبية لمعظم دول العالم . [email protected]