ثورة ديسمبر إنجاز شعب عظيم فتح نافذة بسعة حلمه أن يعيش في ظل دولة حديثة تحمل معنى ومفهوم الدولة الحديثة وكذلك مفهوم السلطة وفقا للوعي التاريخي أي السير في طريق الانسانية التاريخية والانسان التاريخي. وحتى لا نبعد عن واقع حياتنا في السودان الشعب بثورته المجيدة وشعارها العظيم حرية سلام وعدالة يريد أن يغيّر واقع متكلس نتاج مفاهيم تقف من خلفها نخب تفتقر للوعي التاريخي الذي يجعلها تقوم بمقاربات تجعل سير المجتمع أسهل عبر مسيرة الانسان التاريخي واالانسانية التاريخية حيث تنشد تحقيق الانتصار للفرد والعقل والحرية. وفقا لإفتراض كل من عمانويل كانط ومنتسكيو في علم اجتماعه حيث يصبح مسار الانسانية التاريخية والانسان التاريخي صاعدا من إفتراض أن الفرد عقلاني وأخلاقي . وهنا يلتقي عالم الاجتماع الفلسطيني هشام شرابي بفكره حيث يرتكز على فكرة الوعي التاريخي وما هو إلا إنعكاس لفكر كل من عمانويل كانط ومنتسكيو فيما يتعلق بمسيرة الانسانية التاريخية والانسان التاريخي حيث نجد أن إنتصارهم لمعادلة الحرية والعدالة في انتصارها للفرد والعقل والحرية. أما شرابي فنجده يشغل تفكيره عن كيفية النهوض بالعالم العربي والاسلامي ما يطفح على السطح من جبل الجليد فيما يتعلق بتخلف العالم العربي و الاسلامي و إنعكس هذا التخلف على عجز تام للنخب للخروج من مستنقع العالم العربي و الاسلامي حيث ما زالت النخب فاشلة بامتياز في مقاربة مفهوم السلطة والحرية والإزدهار المادي في العالم العربي والاسلامي. هشام شرابي أنتبه الى حيث يكمن جبار الصدف الذي يحول ما بيننا والنهوض أي لتسجيل حقبة يقودها فكر يصعد الى مستوى فكر عصر النهضة وهنا يبرز دور الشخصية التاريخية التي تستطيع قيادة الشعوب لكي تفارق عقلها الجمعي التقليدي مثلما فعل مارتن لوثر في فكرة الاصلاح الديني وهذا عمل لا يقوم به إلا عباقرة الرجال. لأنه يتجاوز موروث متراكم لآلاف السنيين وقد رأينا الهزة العنيفة التي قد تعرضت لها أوروبا عندما تفتحت فكرة الاصلاح الديني ولكن قد تصادف مع رغبة وأماني البرجوازية الصغيرة في تحقيق الإزدهار المادي لذا قد لاقت فكرة الاصلاح الديني حماس لكي ينجر المجتمع ويخرج من قوقعة عقله التقليدي وقد كانت لحظات تمزق نفسي وتشظي عقلي مخيف وكان هذا بين النخب أنفسهم مثلا نجد أن إراسموس الفيلسوف الهولندي الذي يصنف من الانسانيين الكبار رفض مقابلة مارتن لوثر عندما دعاه لمقابلته. لأن أفكار الإصلاح الديني كانت هزة عنيفة لا يقوى على تحملها حتى الانسانيين الكبار أمثال إراسموس وهنا تأتي أهمية الشخصية التاريخية لأهمية دورها في تجاوز العقل الجمعي التقليدي. لهذا نقول للنخب السودانية اذا أرادت أن تخرج من انساق الطاعة والذاكرة المحروسة بالوصاية وممنوعة من التفكير إذا أرادت توسيع ماعون الحرية كما يقول الفيلسوف التونسي فتحي المسكيني يجب أن يكون الاتفاق الاطاري وإبعاد الجيش من ممارسة السياسة وممارسة المناشط الاقتصادية بداية القطيعة مع التراث القريب منه قبل البعيد وخروج النخب السودانية ورفضها لممارسة طقوس الطاعة التي تؤديها للمرشد والامام والاستاذ كما هو سائد عند الشيوعيين. ومن هنا التوجه صوب فكر جديد ينتصر للفرد والعقل والحرية حيث ينفتح الطريق لمفهموم الانسانية التاريخية والانسان التاريخي وهذا يحتاج لفلسفة منبتين ليس لهم علاقة بالماضي الذهبي كما يتوهم الاسلاميين والقوميين. المضحك يتحدث فتحي المسكيني عن فلسفة النوابت أو المنبتين وعندنا في السودان نجد المنبتين صفة لمن انقطعت مسيرتهم العرقية بسبب الرق وسبب الإختلاف الكبير بين إحتفاء فتحي المسكيني بفلسفة النوابت أو المنبتين لأن النخب السودانية كانت مشغولة بمسألة الهوية وليست الحرية ولهذا نجد أن النوابت أو المنبتين كفلاسفة يحتاجهم فتحي المسكيني وأن المنبتين أو النوابت في السودان محل سخرية ولك أن تتأمل. المهم في الأمر يجب أن يكون الإتفاق الإطاري بداية واضحة لمفهوم المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد ولا يمكن تأسيسها بغير بناء فهم جديد يستوعب مفهوم الدولة كمفهوم حديث ومفهوم السلطة كمفهوم حديث وعلى أساسهما تقوم علاقة مباشرة ما بين الفرد والدولة وليس كما كان في مجتمع تقليدي للغاية في السودان حيث لا نجد أي علاقة تربط الفرد بالدولة. لأننا لم نصل بعد لدولة حديثة بل نجد علاقة الفرد بالقبيلة والطائفة والطرق الصوفية والإدارات الأهلية وهذا تجلي واضح لتقليدية مقيتة قد حكمت مفاصل المجتمع السوداني وقيّدت حركته ومنعته من السير نحو مفهوم الدولة الحديثة التي تهتم بالفرد وليس بالطبقة كما يتوهم الشيوعيين السودانيين. لأن الفرد يرنو دوما لغاية الغايات وهي الحرية أي قيمة القيم. وعبر علاقته بالدولة يضمن مجانية التعليم ومجانية العلاج ويسير مطمئن نحو تحقيق فكرة الضمان الاجتماعي حيث تصان كرامته كانسان وفقا لفكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد ونجدها اليوم في الغرب حيث يستحق الفرد الحد الادنى للدخل لصيانة كرامته كانسان ذو علاقة بفكرة الدولة كمفهوم حديث وهذا هو ما أفضى له سير الانسانية التاريخية في الغرب في أقل مستوى نجده يؤكد فكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد بفكرة الضمان الاجتماعي وحفظ كرامته كانسان. وعليه نقول أن فكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد لا يمكن تحقيقها بغير تأسيس دولة حديثة في السودان ليس لها علاقة بماضي السياسي السوداني الفاشل وليس لها علاقة بماضي الأحزاب السودانية الفقيرة في الفكر وهي تحتاج لفكر غير مسبوق بعهد في السودان وليس لنا ما يدعمه من ذاكرتنا لأن ماضينا لم يعكس فكرة دولة حديثة. وعليه نقول أن الإتفاق الإطاري هو بداية جديدة لا تسعف فيها الذاكرة القديمة السياسي السوداني وبالتالي قد وضع السياسي السوداني نفسه أمام طريق صعب ليس له زاد من ذاكرته القديمة لكي يعون على قطع هذه المسافة الوعرة من أجل تحقيق دولة حديثة لأن ذاكرته التي تخلّد فكر الامام والمرشد ومولانا والاستاذ كانت في حالة وعي زائف منذ أيام أتباع مؤتمر الخريجيين وهذا الوعي الزائف الذي يجعل المثقف السوداني يؤدي فروض الطاعة للامام والمرشد والاستاذ لا يعرف الطريق المؤدي الى الدولة الحديثة. ومن هنا ننبه أصحاب الإتفاق الاطاري أن من يسعفهم في سيرهم في الطريق الوعر نحو الدولة الحديثة هو أن يستمعوا لما يوحيه لهم الشعب وقد أوحى لهم شعار عظيم حرية سلام وعدالة ما أعظمه من شعار وما أعظمها من مسؤولية على عاتق من يريد تحقيق هذا الشعار. ومن يريد تحقيق الشعار عليه أن ينعتق من ماضيه البائس نتيجة استظلاله في أحزاب وحل الفكر الديني أي أحزاب طائفية وكيزان و سلفيين أحزاب لاجئة الى الغيب في زمن شهادة شعار يبحث عن عالم شهادة متوشح بالحرية والسلام والعدالة. ونؤكد بأن تحقيق شعار ثورة ديسمبر المجيدة يحتاج لفكر نتاج عقل الانسان وتجربته وفقا لتجربة الانسان وضمير الوجود ولهذا كنت قد بدأت المقال بالحديث عن الانسانية التاريخية والانسان التاريخي. جاء الوقت بأن يعرف السياسي السوداني أن البشرية قد وصلت لمستوى نضج يسمح لعقلها بتنظيم أمورها وفقا لفكر نتاج عقلنا البشري أي فكر مفارق لفكر وحل الفكر الديني أي الفكرة المطلقة. ونقول للنخب التي تقف خلف الإتفاق الإطاري أن الثورات الكبرى كثورة ديسمبر تلحقها تشريعات كبرى تلغي ما تركته الحركة الإسلامية من ركام يسمى تجاوز سلطة قضائية فيجب إلغاء وحل الجهاز القضائي الكيزاني كما فعل الشعب التونسي حتى ينعتق من تعطيل كيزان تونس لثورته أعني بالواضح إبعاد الكيزان من السلطة القضائية. تفكيك التمكين بحيث تعود أموال الشعب السوداني المنهوبة الى وزارة المالية والاقتصاد. تفكيك التمكين يعني إبعاد أتباع الحركة الاسلامية من مفاصل الدولة حتى نستطيع رؤية ملامح الدولة وبالتالي نختار لها الوجهة التي تتحرك نحوها وهي وجهة الدولة الحديثة ولا يكون ذلك إلا بفعل تفكيك التمكين حيث يكون التعامل مع الكيزان بلا رحمة وإبعادهم من وزارة المالية والاقتصاد وإبعادهم من البنك المركزي ومراجعة سياسات السودان فيما يتعلق بالبنوك أي فيما يتعلق بالنقود والمصارف ودورها في تحقيق السياسات النقدية في تحقيق أقتصاد التنمية. وتساعد مسالة تغيير العملة كثيرا في استرداد الأموال المنهوبة الى وزارة المالية ولا يكون ذلك باليسير بغير إبعد الكيزان من البنوك ووزارة المالية والبنك المركزي. ابعاد الكيزان بلا رحمة من وزارة الخارجية ولو دعت الضرورة بقفل أكبر قدر من السفارات في كثير من الدول التي لا تخدم غرض غير أنها كانت مرتع للكيزان وعبيدهم من دبلوماسيين يريدون أن يوهموننا أن الدبلوماسية مهنة لا علاقة لها بخدمتهم للكيزان. يمنع الجيش الكيزاني من ممارسة أي مناشط اقتصادية وإرجاع شركات الجيش لحضن وزارة المالية إخضاع ديوان الزكاة لوزارة المالية لأنه أكبر عش دبابير كيزاني ومتاجرة بالدين. إرجاع الأموال المنهوبة تكون بداية لتأسيس مجانية التعليم ومجانية العلاج وطريق يسير نحو تحقيق المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد. هذا يتطلب من السياسي السوداني أن ينعتق من تبعيته للمرشد والامام ومولانا والاستاذ الذي لا يتحدث خطابهم عن أن لهم دور لا يخرج من أن يكونوا خادميين للشعب ولك أن تتصور كيف تنقلب الامور الامام والمرشد ومولانا يصبحون خدم لخدمة الشعب وهيهات. وعليه نقول أن تحقيق الإتفاق الإطاري يحتاج أن ينعتق السياسي السوداني من سيطرة الامام والمرشد ومولانا والأستاذ ويصير السياسي السوداني في ظل العلاقة الجديدة خادم للشعب حيث لم يستطع الامام ومولانا والاستاذ أن يكونوا خادمين للشعب ومن هنا كان الفشل ملازم لأحزابهم. نقول للنخب التي تريد تحقيق الإتفاق الإطاري الذي يرضي الشعب لا تبحثوا عن تجربة تساعدكم في دول الجوار ما يريده الشعب السوداني من ثورته لا يخرج من سعودية الملوك ولا مصر السيسي ولا من نموذج سلفاكير بل يخرج من إرادة الشعب السوداني التي قد أعجبت أحرار العالم. ولهذا نقول لكم لا تستمعوا لعويل الكيزان والشيوعيين في كرههم لأحرار العالم الذين يقفون بجانب الثورة المجيدة. الكيزان والشيوعيين وجهين لعملة رديئة ولم يستوعبوا بعد معنى الانسانية التاريخية والانسان التاريخي. وقد حزرنا منهم عالم الاجتماع هشام شرابي أي من الكيزان والشيوعيين وماهم إلا تجسيد للأبوية المستحدثة وقد تجسدت في أحزاب اللجؤ الى الغيب وأحزاب الأيدويولوجية المتحجرة. الكيزان لا يرون في الغرب غير عدو دائم لا يتغيير ولا يتبدل وفي نفس الوقت تقدم الغرب يجعل الكوز دوما ضد الغرب بحكم أنه يتوهم بفعل محاكاة الغريم لماذا لا يحكم المسلمون العالم بدلا من الغرب. لذلك تجد الكوز عدو دائم للحداثة وعقل الأنوار ويحاول سد كل الأبواب والنوافذ حتى لا يتسلل شعاع عقل الأنوار وفكر الحداثة . أما الشيوعي السوداني في نسخته المتخشبة قد جلب من الغرب شيوعية متحجرة لا ترى في الغرب غير أنه امبريالي. لهذا تجد الكوز والشيوعي السوداني أسيري لنصف قرن لشعارهم المحبب لن يحكمنا البنك الدولي وهذا بسبب جهلهم بمفهوم الانسانية التاريخية والانسان التاريخي وقد بداء مسيرته أي الشعب السوداني بشعار حرية سلام وعدالة ولا يمكن تحقيق هذا الشعار بغير الفكر الليبرالي بشقيه الاقتصادي والسياسي وأول ملامحه ظهور ملامح الدولة بعد إبعاد الكيزان من مفاصلها وإبعاد الجيش من السياسة ومنعه من ممارسة أي منشط اقتصادي. في الختام وجب التنويه بأن هذا المقال هو مقارنة ما بين فكر هشام شرابي وفكر فلاسفة الغرب وكيف أن هشام شرابي عبر مسيرة طويلة قد قدم فكر يجعله يقف جنبا لجنب مع فلاسفة ومفكري الغرب وخاصة في كتبه التي قد خاضت في النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي وكتابه المثقفون العرب والغرب.