نحتفل هذه الأيام بذكرى الاستقلال المجيدة، فنستعرض ما قدمناه من تضحيات على مر التاريخ، وقد تزامن هذا الاحتفال وذكرى ثورة ديسمبر المجيدة، كما نستعرض ما قدمه الشباب من تضحيات جسام في سبيل تحقيق الدولة المدنية الديمقراطية. وضمن هذه الذكريات الخالدات أيضًا نستعرض صور أبطال ثورة أكتوبر وأبريل وننتبه إلى أننا لم ننجز شيء يذكر سواء على مستوى التنمية التي تدعم التحرير الاقتصادي أو خلق مشاريع كبيرة لاستيعاب طاقات الشباب والنساء. وما جرى خلال الحقبة من نيلنا لاستقلال بلادنا وحتى صباح اليوم الماثل سنطلق عليه سيطرة عقلية الإحلال والإبدال في السياسة السودانية!، حيث وبدلًا من انشغالنا بالتنمية المتوازنة في كل ربوع السودان لنربط استقلالنا الاقتصادي باستقلالنا الوطني، اكتفينا للأسف بالاستقلال الشكلي، المتمثل في رفعنا لعلم السودان وعزفنا للنشيد الوطني!، متمثلين رفعنا لشعار "تحرير لا تعمير"، وهكذا واصلنا غنائنا العذب للعلم إلى يومنا هذا بدون إنجاز آخر يدعم الاستقلال الوطني، ليس ذلك فحسب، بل سارعنا بإحلال "المستعمرين الجدد" بالسودانيين، وكمثال أنظر لأحياء السودنة التي نشأت في مدن كعطبرة وغيرها والتي أقام فيها بعض السودانيين الذين حلوا كبديل عن "الخواجات" وجلسوا على تلك المقاعد والبيوت الفخمة ولكن بذات عقلية المستعمر للأسف!، حيث لم يضيفوا شيئًا يذكر لتلك الوظائف التي تمت سودنتها، لا بل يعتقدون بأن إحلالهم هذا كبديل للمستعمر إنما هو الاستقلال الحقيقي بعينه!. مثل هذه العقلية ظهرت مرة أخرى بعد هزيمة الحكم العسكري الأول، حيث لازم التطهير كشعار لتصفية "تمكين" عناصر ومناصري "الحكم العسكري الأول" إحلالاً خاطئًا بل وبانتهازية بغيضة من قبل القوى التي لا تنظر إلا لمصالحها الذاتية وطموحات "ذاتية كبيرة" دون أن يكون "الوطن" وقضاياه "الكبيرة" ضمن هذه الطموحات!. وهكذا فإن ذات العقلية استمرت أيضًا في أعقاب هزيمة ودحر حكم السفاح النميري ومرت المايوية في ثورة أبريل المجيدة!، حيث تقاسم قادة الأحزاب الكبيرة "الكيكة" فيما بينهم وتجاهلوا الشعب السوداني!. وبهذا الصدد أذكر إني أردت أن أكون من ضمن كادر سودانير الطبي في فترة الديمقراطية الثالثة، فذهبت لتقديم طلبي، كانت الإجابة صادمة ،، وهي أن سودانير هي من ضمن حقوق الحزب الفلاني وعلب أن أبعث لهم بخطاب من المكتب السياسي لذلك الحزب الذي لم أكن في يوم من الأيام عضوة فيه!. وبالرغم من وجود الأهل والمعارف في ذلك المكتب السياسي إلا إني آثرت السلامة!. والمحزن ما حدث في ثورة ديسمبر وذات العقلية التي تبنتها (قحط)، حيث حلت في محل الفلول وما شايعهم من تلك الأحزاب دون الانتباه لجزيئيات مهمة، ليس أقلها "المؤهلات وسنين الخبرة"، ما يعني أن يعني أن نفتح تلك الوظائف للجميع مع المؤهلات المطلوبة، لا أن تكون حصرًا على أحزاب المجلس المركزي لقحط، في سبيل "التمكين" وهو إحلال بشكل أو آخر!. فلقد ضاعت الأحلام وتبددت لأن "المحاصصات" كانت دومًا هي الهدف الأساسي دون الانتباه لضرورة مخاصمة هذا الطريق وهذه العقلية غير السوية، فالإحلال كبديل ليس هو الحل!. صحيح نحن الشعب يثور من أجل كرامته ولكن أن تظل هذه العقلية معشعشة في رؤوس الأحزاب، فإنه عين الخطأ التاريخي الكبير والذي يجب إصلاحه، ولذا لا بد أن نخرج من المصالح الحزبية الضيقة إلى براحات الوطن!. الميدان