اطلعت على مقال للأستاذ محمد علي صالح منشور بصحيفة الراكوبة الإلكترونية بتاريخ 30 ديسمبر 2022 بعنوان سودانيون في أمريكا (54): الجمهوريون (2) ابتدر الأستاذ محمد علي صالح مقاله بقوله (وأكرر بأني اريد تحاشى الكتابة عن الأديان والعقائد، لأنها مواضيع معقدة. وأفضل الكتابة عن شخص معين، كتب رايا معينا، في موضوع ديني معين.) وأتفق معه في أن يتحاشى الكتابة عن الأديان والعقائد، لا لأنها كما ذكر هو (مواضيع معقدة)، ولكن لأن الكتابة فيها تتطلب قدرا من المعرفة، والدقة، والصدق في النقل، وهو أمر التمست غيابه في المقال المشار إليه، كما سيتبين لنا لاحقا، فإن للدين حرمة وقدسية ولا يجوز أن نخوض في أموره، كما نخوض في (الونسة) العادية. المقال المذكور، كما ذكر الكاتب، هو بمناسبة حوار دار في ندوة أقامتها مجموعة دعم الثورة السودانية بمنطقة ديلمارفا، ونحن نشجع الكتابة عما يدور في ندوات المجموعة حتى تعم الفائدة، فإن المجموعة تتفنن في انتقاء المواضيع، وربطها بالثورة السودانية، وما يدور في الساحة السياسية، كما تحسن اختيار المتحدثين، وقد أمها لفيف من المفكرين، والوزراء، والزعماء والقادة السياسيين والمختصين في المجالات المختلفة، وكما هو حال المتحدثين، فإن الحضور أيضا وكأنهم الدرر المنتقاة من حيث المعرفة، والاهتمام والقدرة على الحوار العميق، والمنبر يعد رائدا في مجاله، فهو من أوائل المنابر الاسفيرية، إن لم نقل أولها على الإطلاق، وقد حافظ على رونقه واستمراريته رغم كثرة المنابر الاسفيرية في الآونة الأخيرة. وبالرغم من أن سبب المقال هو الندوة المذكورة، إلا أن الكاتب أبحر بنا في سماوات شتى، وقد أفرد مساحة واسعة لذكر وفرة إنتاجه في الكتابة (عشرات الحلقات عن كذا، وعشرات الحلقات عن كذا، وربما 200 حلقة عن كذا) وقد انبهرت بغزارة إنتاجه، ولكن زالت حيرتي عندما توغلت في المقال ولمست خلوه من دقة النقل، ومن عمق الطرح ومن أي مجهود في البحث والتحري! ابتدر الكاتب حديثه عن تلك الندوة بقوله عن مقدم الندوة، بروفيسور عبد الله أحمد النعيم: (وها نحن، بعد 12 سنة تقريبا، هو يكرر فصل الدين عن الدولة (حياد الدولة)، وانا اكرر ان القرآن لا يفصل نفسه عن الدولة.)! وكأني بالكاتب لشدة انصرافه عن ما قدم من طرح، وكأنه لم يكن حضورا في تلك الندوة! أو ربما كان مشغولا بالبحث عن نقاط يذكرها في مقاله الذي أعد له سلفا في عقله، فلم ير المفارقة بين أقواله وأقوال بروفيسور النعيم التي أوردها هو في المقال! أو ربما الكاتب لا يعرف الفرق بين الدين والقرآن! فبروفيسور النعيم يعلم أن القرآن منهاج حياة تنزل من الله في إطلاقه إلى أرض الناس ليسوقهم إليه، وهو في تنزله كتاب مثاني (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني) وتلك الثنائية طبقات غير متناهية بين القيد والإطلاق، ولكنه تحدث في طرحه بوضوح وتحديد شديدين عن شيء محدد وهو (ضرورة الفصل الصارم بين الدين -الإسلام- والدولة) وعن (استحالة الفصل بين الدين والسياسة)، وقد عرف الدولة بوضوح بأنها (المؤسسات ذات السيادة وذات الاستمرارية بين حكومة وأخرى) وأضاف بأنها لا يمكن أن تكون مسلمة لأنها مؤسسة لا تملك الاعتقاد.. أما ما ذكره الكاتب عن علاقة القرآن بأمور الناس فهو يندرج تحت إطار السياسة، فعند بروفيسور النعيم السياسة تشمل سياسة النفس البشرية وسياسة أمور الناس، وقد ذكر بوضوح استحالة الفصل بين الدين والسياسة، الشيء الذي تجاهله الكاتب تماما في مقاله! وهو أحد مرتكزين أساسيين اعتمد عليهما بروفيسور النعيم في طرحه (اختلفنا معه أم اتفقنا)، فطرح بروفيسور النعيم في الندوة كان واضحا ومحددا وشمل تعريفات محددة لما يقصد فقدم نقاط قصد بها أن تكون رؤوس مواضيع للحوار، ولكن جاءت تعليقات الكاتب معممة، وانشائية، تخاطب العواطف أكثر مما تخاطب العقول فكانت أشبه بخطب الوعاظ من منابر المساجد!! ذكر الكاتب أربعة نقاط استخلصها من حديث بروفيسور النعيم، وما يهمني هو النقطة الرابعة: "أنا أدعو للفصل المؤسسي الصارم بين الدين والدولة. فلا يمكن، ولا يجوز، للدولة أن تتخذ أي موقف ديني باختلاف الأديان، وليس الإسلام وحده." وتوقف الكاتب عند هذا الحد! وقد أعقبها بروفيسور النعيم بقوله باستحالة الفصل بين الدين والسياسة وطالب بضبط العلاقة بينهما، وقد تعجبت لتجاهل الكاتب لتلك النقطة الجوهرية عند بروفيسور النعيم (كفتي الميزان)!!! أوضح الكاتب أنه تفاجأ بتداخل واعتراض د. عمر القراي على طرح بروفيسور النعيم، وأردف قائلا: (وعرفت، لأول مرة، أن النعيم لا يمثل كل الفكر الجمهوري.)، ولا أعيب على الكاتب جهله بالفرق بين طرح النعيم والفكرة الجمهورية، ولكن أعيب عليه عدم فهمه لعبارات بروفيسور النعيم الواضحة وصريحة في تلك الندوة، حيث قال: (لا أنسب أي شيء أقوله للسيد الأستاذ محمود محمد طه) وأضاف: (أنا مسئول شخصيا عن ما أقول)، ثم شدد قائلا (الكلام ده يكون واضح)، فهل كان الكلام واضحا عند الكاتب؟!! وتطوع الكاتب بتعريف د. القراي بقوله (كان القراى مسئولا عن المناهج في حكومة عبد الله حمدوك بعد ثورة ديسمبر. واشتهر بنشر كتاب للتلاميذ الصغار، على غلافه صورة الرسام الإيطالي مايكل انجلو، التي رسم فيها الله، ورسم ادم عاريا، يظهر عضوه التناسلي). وهو وصف أبسط ما يقال عنه إنه في منتهى عدم الدقة!! فد. القراي اشتهر قبل ان يعرف الناس تخصصه الأكاديمي بأنه صاحب قلم جريء وشجاع وقد برع في نقد ومواجهة قيادات الإخوان المسلمين وحكومتهم وقد صدرت في حقه التهم الكيدية إبان حكم حكومة البشير، كما عرف بأنه مفكر ومتحدث في المنابر العامة، وهو لم ينشر الكتاب المذكور ولم يؤلفه، وإنما تم نشر صورة منه بواسطة الفلول لغرض لا يخفى على لبيب، فعلاقة د. القراي بالكتاب هي أنه كان مديرا لإدارة المناهج بالوزارة والتي صدر عنها الكتاب، أما الصورة المعنية فلم تكن (على غلافه) كما ذكر الكاتب، وإنما كانت في أحد أبوابه، كما أن الصورة المعروضة في الكتاب لم تظهر العضو التناسلي لآدم، فعجبا لكاتب يتناول موضوعا بكل الجرأة وهو يجهل أبسط تفاصيله ولا يكلف نفسه بالبحث والتحري!!! ذكر الكاتب مداخلة د. القراي بقوله (اثناء المقابلة مع النعيم، تدخل القراى، واختلف معه. وانتقد "الدولة العلمانية" و"الدولة المحايدة". واقترح "الدولة الإنسانية". ووصفها بأنها "دولة قائمة على مستوى علمي تتلاقى فيه الأديان، والأفكار الانسانية.") ليخلص الكاتب لقوله (هكذا، اختلف مع هذين الجمهوريين المحترمين، مثلما اختلفت في الماضي مع شيوعيين، وعلمانيين سودانيين محترمين في أمريكا.) ومن يقرأ الجملة الأولى يظن أن د. القراي قد اختلف مع بروفيسور النعيم في كل طرحه، مع أن د. القراي بدأ مداخلته بالتأمين على نقطة اتفاق جوهرية بينهما، وقد ذكر غيرها من نقاط الاتفاق التي وردت في حديث بروفيسور النعيم خلال مداخلته، ولكنه ختم المداخلة بأنه يختلف مع حديث بروفيسور النعيم في نقطتين فقط سماهما تحديدا فكيف غاب كل ذلك على الكاتب؟!! ثم ما الغرابة في الاختلاف بين الرجلين؟ فبروفيسور النعيم صاحب طرح يخصه هو وقد ذكر ذلك صراحة، فهل غريب أن يختلف معه الاخرون؟!!! ألم يختلف الكاتب نفسه مع كلا الرجلين (رغم أنه لم يوضح نقاط الخلاف ولم يبرر لها!!)؟! ولكن تزول الغرابة ان لاحظنا ان الكاتب خلال مقاله تجاهل تماما الصفة التي دعت بها المجموعة المنظمة فبروفيسور النعيم وقدمته بها، وهي كونه خبير في القانون الدستوري وناشط في مجال حقوق الإنسان وصاحب طرح خاص به، وهي نفس الصفة التي تحدث بها البروف، فالكاتب جرد البروف من تلك المكانة العلمية العالمية الرفيعة باعتباره من القامات العالمية المرجعية التي يشار لها بالبنان في مجاله وبمجهوده الفكري الخاص الذي حاضر فيه وكتب بمختلف اللغات، ولم ينظر إليه سوى بمنظار (هذين الجمهوريين)!! وهي ليست سُبة، ولكن إن تتبعنا نهج الكاتب في المقال (كتب شيوعي!! كتب علماني!! كتب مسيحي!! هذين الجمهوريين!!) فسنعرف حجم الخلل في تفكيره وتعامله مع الغير. الغريب في الأمر أن بروفيسور النعيم قدم طرحا معينا واختلف القراي معه في نقطتين ذكرهما صراحة وبين بطريقة علمية مسنودة بالأدلة لماذا يختلف معه، بينما الكاتب أطلق حكما تقريريا باختلافه مع كلا الاثنين دون أن يفصل في ذلك، فأين هو بين نقطتي الخلاف بين الرجلين؟!! فمثلا بروفيسور النعيم يعتقد أن الدولة الدينية لم تحصل باستثناء دولة النبي عليه أفضل الصلاة والسلام (حسب مافهمت من كلامه) بينما يرى د. القراي أن الدولة الدينية كانت موجودة منذ القدم، فكيف يختلف الكاتب مع الاثنين بحيث يكون كلام بروفيسور النعيم بأنها غير موجودة غير صحيح وفي نفس الوقت كلام د. القراي بأنها موجودة غير صحيح!!!! الاختلافات ظاهرة صحية، ومطلوبة وهي واقع معاش، ومن أجل ذلك تقام مثل هذه الندوات لتتلاقح الأفكار، ولكن على أن ننحو منحى د. القراي في إدارة الاختلافات حيث أبرز أولا نقاط الاتفاق الأساسية والأرض المشتركة، ثم ذكر نقاط الخلاف صراحة وتحديدا وبين بطريقة علمية لماذا يختلف مع بروف النعيم، فهل انتهج الكاتب منحى قريب من ذلك وهو ينشر الندوة على القراء؟! هل اختلاف الكاتب (مع هذين الجمهوريين) مؤسس ومبني على طرح وفهم أم لمجرد انتمائهما الفكري (هذين الجمهوريين)؟!! يبدو جليا أن الكاتب غير ملم بمنطلق د. القراي الفكري وذلك من خلال الخلل الواضح في نقل أقواله مثل قوله (واقترح "الدولة الإنسانية". ووصفها بأنها "دولة قائمة على مستوى علمي تتلاقى فيه الأديان، والأفكار الإنسانية.") مقرونا بقوله في آخر المقال (يا ليت المسلمين الذين يخاطبون الأمريكيين (مثل الاخوين المحترمين عبد الله النعيم، وعمر القراى) يقولون لهم ذلك، بدلا عن اللهث وراء المفاهيم الامريكية، مثل: "حقوق الانسان" و "الدولة العلمانية" و "الدولة الإنسانية".) فعبارة (الدولة الإنسانية) عند د. القراي أصيلة ومأخوذة من القرآن كما ذكر صراحة في حديثه أثناء الندوة، ولا علاقة لها بالحضارة الغربية كما يظن الكاتب، فيبدو أن جهل الكاتب بالإسلام وطول معايشته للمجتمع الغربي (48 سنة) قد أصابه بالانبهار بتلك الحضارة فصار ينسب إليها كل ما هو جميل وإنساني، وبنفس المفهوم الغربي يجرد الإسلام من تلك القيم التي هو أولى بها من غيره!! د. القراي فصل في موضوع (الدولة الإنسانية) بما يكفي لنفي هذه التهمة عنه، فقد قال ما نصه: أنا في رأيي أن الدستور الإنساني والدولة الإنسانية دي الفرصة الوحيدة لنظام حكم محايد تجاه الأديان كلها وتجاه الأفكار) وأضاف (وده هو الدعى ليه الأستاذ محمود محمد طه) ثم فصل قائلا (وده ممكن يُدعى ليهو من ناحية علمية ما عقائدية موش لأنه الزول عنده عقيده فيه، لا، ده موضوع علمي جدا، الدعوة لدولة إنسانية ده موضوع علمي قائم على أصول القرآن موش باعتبار أن القرآن كتاب المسلمين.. لا، باعتبار أن القرآن كتاب الإنسانية، وكونه القرآن كتاب الإنسانية موش لأنه نحن معتقدين فيه، ده رأينا نحن، لأنه نحن مسلمين نقول القرآن كتاب الإنسانية، لا، لأن القرآن فيه خطاب للناس "يا بني آدم" للناس كلهم.. الخطاب ده إنساني، وبيتكلم عن قيم إنسانية في المساواة وفي الحقوق، ده ممكن يُطرح، والدولة تطرح دولة إنسانية والدستور دستور إنساني، وبعد داك نشوف هل الدستور ده بيحقق القيم الإنسانية ولا مافيه) "انتهى حديث د. القراي" فهل هذا هو (لهث خلف الغرب)؟!! تناول الكاتب في مقاله حوار دار في السابق في قروب (خريجي جامعة الخرطوم في أمريكا الشمالية) فذكر نماذج لثلاث متداخلين وصفهم ب (شيوعي)، (علماني) و (مسيحي) بدلا عن أن يقول (أحد الأعضاء) ولا أدري ما السر في هذا التصنيف، هل لتعميم طرح الأول على الشيوعيين والثاني على العلمانيين والثالث على المسيحيين؟!اليس الأولى ان نركز على ما يوحدنا (عضو المجموعة) بدلا من تعميق الخلافات مستغلين إرث تعدد الثقافات والأفكار وكأنه مسبة؟ أقول ذلك مع ملاحظة أن الكاتب تعرض فقط لأقوال (شيوعي أو علماني ومسيحي) ثم اختلف مع (هذين الجمهوريين) وهي نفس الفئات التي يشن الهجوم عليه الفلول في محاولاتهم المستمرة لتفتيت وحدة الثورة وتعميق الخلافات بينها مستغلين منابر المساجد ووسائط التواصل الاجتماعي، الشيء الذي أثر سلبا على المد الثوري وأوشك على إفشال الثورة، وبهذه المناسبة فإن مجموعة دعم الثورة ستقدم مولانا نصر الدين مفرح وزير الشئون الدينية والأوقاف لحكومة الثورة في ندوة عن هذا الموضوع يوم السبت القادم 7 يناير 2023. وبعد ذكر الكاتب لمداخلات أولئك الأعضاء قام بتحليل ظروفهم ونفسياتهم ليجد لهم بعض العذر ثم ليتهمهم بالخلط بين الإسلام والإسلاميين وباستخدام الطريقة الغربية في انتقاد الأديان (بما فيهم بروفيسور النعيم ود. القراي كما أشار صراحة في آخر المقال)، ودلل على جنوحهم للغرب في فهم الإسلام استخدامهم لعبارات منها الديمقراطية، حقوق الإنسان، حقوق المرأة، والاشتراكية، فالكاتب يزعم أنه (لا توجد في القرآن كلمات "العلمانية" و "الديمقراطية" و " الاشتراكية" و "حقوق الإنسان" و "حقوق المرأة" و "حقوق الأقليات" و "حقوق الشاذين جنسيا.")!!! هذه المقولة تنم على جهل فظيع بالقرآن، فهو كتاب لم يغادر صغيرة ولا كبيرة (ما فرطنا في الكتاب من شيء)، ولكن من يصعب عليه فهم كلمات د. القراي وبروفيسور النعيم، فهو أمام كلمات الله أعجز، فالديمقراطية، والاشتراكية، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة وحقوق الأقليات كلها واردة في القرآن (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه )،، ولكن معاني القرآن تحتاج للتوسل إليها بالوسائل الصحاح (واتقوا الله ويعلمكم الله)، فآية الديمقراطية هي (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر)، وآية الاشتراكية (ويسألونك ماذا ينفقون، قل العفو) والعفو قد فسره المعصوم عمليا بكل ما زاد عن حاجته الحاضرة، وحقوق الإنسان في قمتها حق الحياة (من قتل نفسا بغير نفس، او فسادا في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا) وحرية الاعتقاد (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وحق المرأة (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) وحق الأقليات (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله، والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان، الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها، واجعل لنا من لدنك وليا، واجعل لنا من لدنك نصيرا) وكل تلك صور من (رحمة الله) و (رعاية الله) فرحمته ورعايته ليست كلمات معلقة فوق الرؤوس وإنما هي مترجمة عمليا في قيم إنسانية مثل الديمقراطية والاشتراكية والعدالة والسلام والمحبة، فمن لم يراها في القرآن فما عرف القرآن لعمري أن الكاتب في نهاية مقاله انتهج نفس النهج الذي أسماه بنهج الغرب مستعملا عبارات مثل (يهبط الله الى مستوى الناس) وعبارة (يكاد الله يركع أمام الناس الذين خلقهم، ويرجوهم ان يتوبوا) فالله لا يهبط ولا يركع تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وإنما كلامه تنزل حتى نفهم (إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) كما أن من عصاه لم يعصاه مراغمة عنه حتى يكاد يركع أمامه ويرجوه أن يتوب (إن تكفروا فإن الله غني عنكم) فالغني هو القوي الذي لا يغلب، فالعاصي لا يخرج بمعصيته عن إرادة الله وإن خرج عن الرضى ولذلك بخلاف ما يظن الكاتب ففي نهاية المطاف سيغفر الله حتى للذين لم يؤمنوا به في الحياة الدنيا، بعد أن يحصلوا الإيمان في الحياة الأخرى (إن علينا للهدى، وإن لنا للآخرة والأولى) وتلك مغفرة تأتي بفضل الله بوسائلها من التطهير بالعقاب (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ) النقاط المقتضبة الأخيرة اسوقها للكاتب حتى يتأنى فيما ذهب إليه في آخر مقاله بحديثه عن (استثنائية القرآن) وعن وعده بالكتابة عنها، فما أحب له أن يخوض في هذا الأمر بدون علم، فهو من الخطورة بمكان وأرجو له أن يجدد علاقته بالقرآن ويصححها، عسى الله أن يفتح علينا وعليه. عبده الحاج [email protected] هولي سبرينقز نورث كارولينا 2 يناير 2023