أستوقفني وأنا أتسكعُ بين الصوتِ والصدى … وسألني في رزانةِ الحكماء – " أظلٌ أنت ؟"… قلتُ مبهورًا بأنثى البرقِ وهي تتعرّى على شراشف الأثير – "بل حصانٌ قادمٌ من نهاياتِ الزمان"… قال و وجهُه يضئُ كما قلب صوفيِ في ساحةِ الذكر – "مرحبًا بالخيولِ التي تبحثُ عن وطن"… قلتُ له بقلبٍ مكسور – "هذا زمانُ يتمُ الأوطان يا شيخي"… استمع معي لصوت " الكابلي " قليلاً … ثمّ تنهّد مسافة ما يكفي عاشقًا للارتواء من شفتي محبوبته و قال – "رُبّ صوتٍ وطن يا بني" … ثم استطرد متسائلًا … – "و ما حكايتُك مع الكابلي؟"… قلتُ له في رزانةٍ صبيٍ يتأملُ وجه شيخه على وقع نيران التقابة… – " الجوابُ يا شيخي تسييجٌ لعتمة السؤال وتحديدٌ لآفاق المجهول " … هزّ روحه في محبة ..فاستطردتُ قائلًا… – "حكايةُ العطرِ والوردة ، والطينِ والسحاب … حكايةٌ تعودُ إلى زمانِ ما قبل صعاليك المدينة"… قال وصوتُه يتكئُ على عصا المحبةِ… -"ذاك زمانٌ كان فيه الوطنُ وطنًا حقيقيًا"… قلتُ بشجنٍ ماحقٍ – "وكان القلبُ فيه هيكلًا للمحبة الخالصة"… سألني وأناملُه تركضُ بين حبيبات مسبحته – "ومتى دقّت حوافرٌ هذه الأغنيةِ على مكامن الحس فيك؟"… قلتُ و في دمي تذوبُ وردتان – "حين كان القلبُ يتثاءبُ لتوه مستيقظًا مع ضفائر نخلةٍ في قريتي … وقتها كان الحلمُ ممكنًا … وكانت أتفه التفاصيل تهبُ الروح طمأنينتها الكاملة"… قالَ مبتسمًا – "أعلمُ ذلك الزمان جيّدًا … فقد كنتُ أعيشُ فيه بين اللونِ والقماشِ والفرشاةِ وخيال الرسّام"… قلتُ له في ظمأِ عظيم – "زدني يا روح سر الألوان"… قال لي مبتسمًا – "لستُ هنا في مقامِ القول ، ولكنني في مقامِ الصمت" … قلتُ له – " الصمتُ هو الوجهُ الآخرُ لقمر القول" … سألني سؤال العارف … – " من أي وادي أتي الكابلي بهذا اللحن العظيم ؟" … فأجبتُه جوابَ من لا يعلمُ … – "لا تسل من أين تأتي الشمسُ بالضوء يا شيخي "… حينها وقفَ بين الحريق والمطر … وتمدّدت قامتُه حتّى ملأت الأفقَ أمامي … ثم تلاشى كما يتلاشى الطيفُ في هدوء الليل … وتركني أرّددُ مع "عبد الكريم الكابلي" : يا جرح دنياي الذي لا يندمل يا من نسيتِ القلب ينزفُ في أنين حسرات لحظاتٍ تولّت في وجل كصدىً يطيرُ مضيّعًا بين السنين