لا تحل مشكلة بخلق مشكلة أخرى في الدول الأفريقية عموماً وفي السودان بصفة خاصة لا مكان للتخطيط ، ولا للتنظيم ، ولا للترتيب في كل شؤون الحياة ، إن كانت شؤون سياسية او إقتصادية او إجتماعية أو ثقافية او رياضية أو غيرها والنتيجة الطبيعية والمتوقعة (لخبط العشواء) بالطبع هي فليكن الحال كما يكن ! ، وفلتكن الظروف كما تكون ، ولا يبالي بعدها صناع القرار بشئ بعد أن يتم (البل) بنجاح منقطع النظير ! ، مثلاً يمكن تكون ساكن في بيتك بأولادك وفي أمان الله وراضي بالمقسوم والمقسوم ما راضي بيك ويتم طردك منه ليلاً او نهاراً أو عشاءً بأولادك وبغنمك وبحمارك وبما تملك بإسم التنظيم ، وفي الواقع وهو ابعد ما يكون من التنظيم ، والتهمة الوحيدة غالباً ما تكون إنك ساكن (عشوائي) وكأن الدولة تسير بنظام ودقيق كمان ، ويمكن أيضاً إن لم تمتثل للتعليمات والإجراءات أن يتم هدم بيتك دون هوادة وفي لحظات تكون في العراء تلتحف السماء وتفترش الأرض وما أحلاها ! . كما يمكن في هذه الدول بأن يتم إخراجك ببساطة من المستشفى لو لم تكن تملك حق العلاج ولا عزاء لك ولا لألآمك ، كما يمكن منعك من الجلوس للإمتحانات الجامعية إن لم تدفع رسوم الجامعة ومستقبلك في ستين ألف داهية وهو طبعاً مستقبل الدولة وهكذا دواليك…! . فالإنسانية وهي قبل القانون وقبل القانون روح القانون لا توجد في تلك الإجراءات التعسفية وغائبة تماماً ! . وما حدث بالأمس من طرد للفرشين والباعة المتجولين بسوق بورتسودان تحت إسم إزالة التشوهات امتداد لتلك السياسة العشوائية التي يدعي أصحابها أنهم يكافحون بها العشوائية وهي العشوائية بعينها ، فالفرشين والباعة المتجولين يعرضون بضاعتهم في السوق ويسترزقون من عوائدها ومصدر رزقهم الوحيد ولا يملكون مصادر وخيارات أخرى للعيش لمواجهة ظروف الحياة الصعبة ، وكغيرهم من المواطنين لهم أسر تنتظرهم وأطفال معلقين فيهم ، وكبار سن عاجزين عن الحركة وجالسين في البيوت مصدر دعمهم الوحيد في القوت والعلاج الفرشين . نعم الباعة المتجولين والفرشين يعرضون بضاعتهم وسلعهم على الطرقات والشوارع حتى أصبحت الشوارع والطرقات خضراء وتسر الناظرين بفضلهم وهذا خطأ من كل النواحي ….. ولا شك هم أيضاً يتسببون في إعاقة حركة المرور داخل السوق حتى لا تميز البائع من المتسوق من الناس بكثرتهم ، لكن ليس الحل بوجهة نظري لو يسألني عنها سائل في إعاقة رزقهم ومصدر قوتهم الوحيد وطردهم بعد مطاردتهم فهم ليسوا مجرمين ولم يقترفوا جرائم يستحقون على ضوئها ذلك العقاب القاسي ، ومن المفارقات العجيبة يوجد داخل بورتسودان وبالقرب من سوقها الكبير من يستقطعون مساحات من مدارس واوقاف ويبنون فيها دكاكين وأكشاك ولا تستطيع الحكومة ومحليتها إزالة الأكشاك ولا الدكاكين كعشوائي وكمظاهر سالبة ، وليس هناك فرق بين من يحيل موظف للعزل ويشرده من عمله ويقطع رزقه لإعتبارات سياسية وبمسميات مختلفة وبين من يطرد بائع من السوق بدعاوي التنظيم ويُفقده مصدر رزقه الوحيد فالضرر واحد للطرفين كما الألم وهو قطع الأرزاق وإن اختلفت طريقة وحجج تنفيذ قرار قطع الأرزاق ، وفي الحديث النبوي الشريف دخلت إمرأة النار والعياذ بالله في (هرة حبستها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض) فما بالكم بالإنسان الذي أكرمه الله … ، ولا احد يرفض أو يعترض على التنظيم لكن لا بد للتنظيم لكي يكون تنظيماً أن يضمن حق البديل للفرشين ، نعم الفرشين بوضعهم الحالي بسوق بورتسودان هم مشكلة ويقر ويعترف بذلك الجميع ، ولكن لا تحل مشكلة بخلق مشكلة أخرى إلا في(أفريقيا) وفي قلب أفريقيا السودان ، فماذا كان يضير لو جلست محلية بورتسودان مع وفد او لجنة مكونة من الفرشين وناقشت معهم عن أفضل السبل لتنظيم السوق في ظل المحافظة على استمرارية عملهم بدلاً أن يتم تنفيذ قرار المحلية خلال 48 ساعة بعد أن تركتهم وحالهم المحلية سنين الي درجة أنهم اعتقدوا مع تقادم الزمن واعتقادهم حق ان الوضع الذي هم فيه هو الوضع الطبيعي والمثالي لعرض وبيع بضاعتهم !؟ . وفي الختام اتمنى من حكومة البحر الأحمر أن تنفذ إزالة التشوهات وبنفس السرعة التي نفذت بها بسوق بورتسودان ضد الفرشين والباعة المتجولين لصالح المعلمين ولصالح موظفي الصحة بتحسين اجورهم ومنحهم كامل إستحقاقاتهم وعلاوتهم ، فالمظاهر السالبة ليست حصراً لسوق بورتسودان وإنما في كل مكان ببورتسودان ويعاني منها الجميع فهل للحكومة ان تزيلها من كل مكان ام هي شايفها السوق بس وما شايفها ما تعانيها المستشفيات من إهمال وما تعانيها المدارس من دمار وما تعانيها الشوارع العامة من هلاك وما تعانيه حتى الضمائر الإنسانية من موت َ؟! .