د. نور الدين بريمة الثورة السّودانيّة ، أو ثورة 19 ديسمبر المجيدة ، هي ثورة تلاحميّة نتاج ثورات نضاليّة عديدة ، وهي تراكم لسلسلة من الإحتجاجات السُودانيّة ، تفشّت في 19 ديسمبر من العام 2018م ، ثم ذاعت لتعمّ القرى والحضر السّودانيّ ، بسبب : غياب الحُريّة والشفافيّة والدّيمقراطيّة فضلًا عن غياب دولة المُؤسّسات ، حيث أدخل هذا الغياب البلاد في جُحر ضبّ من السُيُولة الأمنيّة والإقتصاديّة. حيث أدّت هذه السيولة بطبيعتها إلى إرتفاع الأسعار وغلاء المعيشة ، التي أسهمت بدورها في تدهور حال البلد في كل المناحي ، علاوة على الجبروت والإنزواء المُلازمين للحكم الإسْتبْدادي ، الذي تطاول أمده وإستمر إلى ثلاثة عقود ونيّف ، وهي فترة لم يمكثها في الحكم أي زعيم آخر- غير عمر البشير- منذ خروج المُحتل الأجنبي في العام 1956م ، وبقاء المُحتل الوطني. غير أن البشير طالته يد القوات المسلحة ، وأقالته من منصبه في 11 أبريل 2019م ، بعد أشهر من الإحتجاجات السلميّة والإنتفاضات الشعبيّة التي شملت مختلف ولايات السّودان ومحليّاته ، وُضع البشير على إثرها قيْد الإقامة الجبريّة ، رهن إنتظار تشكيل المجلس الإنتقالي ، إلا أنّه من المؤسف جدًّا أن تحل اللجنة الأمنية محل البشير ، طُغاة عسكريّون تمّ إعدادهم لهذا اليوم. قبل تولّي عبد الفتاح البرهان منصب رئاسة المجلس السيادي في أغسطس 2019م ، كان هو الرئيس الفعلي لدولة السّودان ، بصفته رئيس المجلس العسكري الإنتقالي ، خلفًا لوزير الدفاع ، أحمد عوض بن عوف ، الرئيس السابق للمجلس ، الذي تمّت إقالته من منصبه في 3 أبريل 2019م ، بالفعل الثوري الشعبي الذي لم يدع- ابن عوف- ليهْنأ برئاسته أربعًا وعشرين ساعة. إلا أنّ ولاية البرهان على المجلس العسكري الإنتقالي إنتهت بحلّه ، فور تشكيل المجلس السيادي في 21 أغسطس 2019م ، لذلك عندما تسمع البرهان يعد بالإنزياح ، فإنه أمر مُضحك ومُبْكي في آن معًا ، ففي إفطارٍ رمضانيّ ، أقامه الفريق ياسر العطا يوم الجمعة (7/4/2023) ، جمع فيه قيادات عسكريّة ، مع الحريّة والتغيير المجلس المركزي والكتلة الديمقراطيّة (جناح الإنقلاب) . قال البرهان وبدون خجل أو حياء مُستعطفًا : أنا بصراحة داير أترجّاكم ، المجلس المركزي والكتلة الدّيمقراطيّة (جناح الإنقلاب) ، إنتو ونحن كلنا نزح جانبًا ، ونفسح المجال لغيرنا لإدارة البلاد ، ليعترف قائلًا نحن (أربعة سنين تجربة وفشل) ما قدرنا نعمل حاجة للمواطن .. ثم يقرّ بالتأخير في الوصول إلى إتفاق ، عزاه إلى المشاكسات في ملف الإصلاح الأمني والعسكري (الدّمْج والقيادة). وتابع البرهان مُستبْشرًا : باقي لينا قريب ونصل لإتفاق نهائي ، لأننا لا نريد أن نمشي برجل فيها (عرْجة) على حد وصفه ، دون إخبارنا كم يريدون لنتساءل .. هو إنتو ماشين أصلًا ولا واقفين؟!!، لا ماشين- لأنّو عاوزين كل الناس (يجُوا...) لمّا شُفنا التجاذبات والمناكفات بين المجموعات السياسيّة ، ولم نجد سببًا وجيهًا للتصارع ، لذلك لزامًا علينا أن نعمل إنتقالًا حقيقيًا يحس به الشعب. منذ متى كان البرهان صريحًا وواضحًا؟، أربعة سنين ظلّ يتمدّد في المراوغة ، ويتزيّا بالبُغض والحِقد على الثورة والثوار ، الذين ألقموه ووليّ نعمته حَجرًا يظل في الذاكرة ، دفعهم توجيه آلتهم القمعيّة في القتل ، منذ السيطرة على الحكم والتوهّط فيه ، فهل حقًا سيسلّم البرهان الحكم لغيره؟!!، لا لا .. لا أعتقد بل كذب المنجّمون ولو صدقوا، لأنّهم والغون في الغيّ والتجبّر حتى الثّمالة؟. وما ذلك الجدار الأسمنتي الذي أحاطوا به القيادة العسكرية ، بظنّ- تعْصمهم من غضب الشفّاتة والكنداكات ، إلا دليلًا ساطعًا وواضحًا ، بل وبائنًا بينونة كبرى بأنهم (قاعدين بس) ، تعزّز نيّتهم في الكنكشة ، وكأنّما لسان حالهم يقول : الزّارعْنَا غير الكيزان (يجو يقلّعُونا) ، ونسي أم تناسى المُتكبّرون بجدارهم وصولجانهم ، أنّ أوليائهم الكيزان في حيْرة من أمرهم. يتخبّطون من هول الصاعقة الشعبية التي ألمّت بحكمهم ، كما أن في ذاكرتنا الثورة الليبيّة التي أطاحت برئيسها معمّر القذافي رغم باب العزيزيّة ، الذي بناه ليعصمه من الثورة ، ويمنع ثوارها من بلوغ الأهداف ، لكنّه لم يمنعهم منها ، ولقّنوه درسًا لن ينساه الجبابرة ما بقُو أحياء ، وما يقوله البرهانيّون ما هو إلا مُكاءًا وتصْدية لأناسٍ كفروا بالتحوّل والإنتقال المدني الديمقراطي.