استيقظ سكان العاصمة السودانية الخرطوم، يوم السبت، على دوي إطلاق نار عنيف، معلناً بداية المواجهات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع، التي طالما حاول الجميع تفاديها بعد بروز مؤشراتها خلال الفترة الماضية. ويرى محللون أن الأسباب الحقيقية التي قادت إلى اشتعال نيران الحرب هي سياسية في المقام الأول، مرتبطة بصراع السلطة المشتعل في السودان منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير في ال11 من شهر نيسان/ أبريل 2019. محاولة انقلابية ورأى المحلل السياسي شوقي عبدالعظيم أن ما بدأت شرارته اليوم السبت في الخرطوم، وتمدد لعدد من المدن السودانية، إنما هو محاولة انقلابية على الترتيبات السياسية التي كانت جارية، مثله وما جرى في ال25 من شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2021، حينما انقلب المكون العسكري بقوة السلاح على الحكومة المدنية برئاسة رئيس الوزراء المستقيل عبدالله حمدوك. وأشار ل"إرم نيوز" إلى أن الفرق بين ما جرى في ال25 من شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2021، هو أن القوة العسكرية كانت موحدة يومها ضد المكون المدني، بينما انقسمت اليوم حيث أيد قائد قوات الدعم السريع العملية السياسية التي أقرت خروج العسكر من العملية السياسية، بينما اشترط قائد الجيش إشراك قوى جديدة في العملية السياسية، بحسب قوله. النظام السابق ويقول المحلل السياسي محمد عبدالعزيز إن مؤشرات الصراع المسلح كانت واضحة، من خلال نفخ الموالين للحركة الإسلامية في نيرانها لعرقلة الترتيبات السياسية التي كانت جارية لإنهاء علاقة العسكر بالسلطة والعملية السياسية. وأوضح أن "عناصر من الحركة الإسلامية نجحت في إشعال الثقاب وتأجيج الأوضاع باندلاع المواجهات المسلحة بين الدعم السريع والجيش، باعتباره آخر الكروت لقطع الطريق على العملية السياسية، التي كانت تشير نتائجها إلى إنهاء المستقبل السياسي للحركة الإسلامية في السودان". وذكر عبدالعزيز أن الطرفين في الجيش والدعم السريع استدرجا من قبل الموالين للنظام القديم إلى المواجهات المسلحة، لكن بعد خروج رصاصة بداية المعركة لم يكن أمامهم خيار غير الانضمام للقتال لأنهم لا يستطيعون السيطرة على الأوضاع. وقبل يومين اتهمت قوى سياسية موقعة على الاتفاق الإطاري أنصار الرئيس المخلوع عمر البشير بالتخطيط لجر البلاد للحرب؛ بغرض تقويض العملية السياسية، التي تقود لتفكيك قبضتهم في مفاصل الدولة. وكانت العملية السياسية التي تقودها الآلية "الأممية الأفريقية" المشتركة، بمساندة آلية رباعية تضم دول "أمريكا، وبريطانيا، والسعودية، والإمارات"، قد توصلت إلى اتفاق سياسي إطاري، في ال5 من شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حدد الأطراف التي يحق لها المشاركة في الحوار ليس من بينهم منسوبو حزب المؤتمر الوطني الحاكم على عهد نظام البشير. وأشار محمد عبدالعزيز إلى أن ما يجري هو مؤشر لبداية حرب أهلية في السودان من الصعب التكهن بمآلاتها ومساراتها، موضحاً أن الحرب ليست بين قوتين أو شخصين كما يبدو، وإنما متوقع أن تؤدي إلى استقطاب جهوي وقبلي من واقع الانقسامات المجتمعية في السودان. وذكر أن المعادلة الآن تغيرت تماماً، فبدلاً من المطالب بالحكم المدني والتحول الديمقراطي، أصبح الآن الحديث عن وقف الحرب واستقرار السودان، وهو بالضبط ما خطط له منسوبو نظام الحركة الإسلامية على عهد المخلوع عمر البشير، حسب قوله. جذور الأزمة ويرى الضابط طيار متقاعد علي ميرغني أن جذور الصراع الذي وصل إلى مرحلة المواجهات المسلحة بين الجيش والدعم السريع، تعود للحظة محاولة نظام المخلوع عمر البشير إلحاق قوات الدعم بالقوات المسلحة، ورفض رئيس الأركان وقتها الفريق مصطفى أبو عشرة ذلك. وأكد ل"إرم نيوز" أن "أي ضابط يعلم أن من أهم مؤشرات انهيار أي دولة هو وجود أكثر من جيش بغض النظر عن التسميات، لذلك منذ الوهلة الأولى كانت قوات الدعم السريع مثل العضو الغريب في الجسم"، حسب قوله. وبين ميرغني أنه "في عهد البشير كان النظام يحتاج لقوات الدعم السريع كرادع للحركات المسلحة في دارفور وتخفيف الضغط عن القوات المسلحة، وفي نفس الوقت الاحتماء بها من أي ثورة شعبية أو انقلاب عسكري". وأوضح أنه "منذ نهايات عهد البشير ظهرت مؤشرات على أن الدعم السريع يرغب في تطوير تسليحه بصورة أكبر من الدور المطلوب منه تنفيذه، مثل محاولة الحصول على رادارات من التصنيع الحربي، لكن الأمن والجيش أحبطوا هذه المحاولات". وأشار ميرغني إلى قائد قوات الدعم السريع عقب انتصار قواته في معركة "قوز دنقو" ضد حركة العدل والمساواة في عام 2015، شعر حمدتي بأن قواته أصبحت رقما يجب احترامه. نقطة اللاعودة وأضاف أن الأمور بين الجيش والدعم السريع وصلت لنقطة اللاعودة، وأن أمام الأخيرة ساعات فقط لاتخاذ قرار الخروج من كماشة الخرطوم قبل أن تغلق طرق الانسحاب، مشيراً إلى أن ضباط وجنود الدعم السريع يمكن استيعاب من يرغب منهم في القوات النظامية حال توفرت فيهم المواصفات المطلوبة. وهنالك سبب آخر أدى لتفجر المواجهات المسلحة بحسب علي ميرغني، وهو "نقطة الخلاف حول مصفوفة الإصلاح العسكري ودمج قوات الدعم السريع في الجيش، في العملية السياسية في السودان. وكانت أبرز العقبات أمام نجاح العملية السياسية هي ملف الإصلاح الأمني والعسكري وعملية دمج قوات الدعم السريع في جيش مهني قومي واحد، وقد كان هذا الملف هو آخر قضايا المرحلة النهائية للعملية السياسية، وكان من المنتظر أن تذهب الأطراف بعد حسمه إلى توقيع الاتفاق النهائي، لكن الخلافات حوله أجلت الاتفاق إلى أجل غير مسمى.