كشفت تصريحات لقيادات بارزة في الحركة الإسلامية، التي همشت عقب الإطاحة بنظام عمر البشير في ثورة 2019، خفايا صفقة تم إبرامها مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، تتضمن استعدادها لدعم استمرار قواته في السلطة لفترة طويلة، مقابل العودة إلى الواجهة السياسية من خلال بوابة الحرب المستمرة في البلاد. وفي أول ظهور إعلامي له منذ سنوات، ذكر أحمد هارون، القيادي في حزب المؤتمر الوطني المنحل، في تصريحات نقلتها "رويترز"، بأن "الانتخابات المقبلة قد تشكل فرصة لحزبه للعودة إلى الحكم". وأضاف "من المرجح أن يبقى الجيش في السلطة حتى بعد انتهاء الحرب"، في إشارة إلى تداخل المصالح بين قوات بورتسودان والقوى الإسلامية التقليدية. ويأتي هذا في وقت تدور فيه المعارك في عدد من الجبهات وعلى الرغم من احتفاظ قوات الدعم السريع بسيطرتها على مناطق واسعة في دارفور وكردفان، يرى إسلاميون أن لهم دوراً فاعلاً في هذه المكاسب العسكرية، مما يعزز نفوذهم في المعادلة الجديدة للحكم ويضعهم مجدداً على مسار التأثير السياسي. الرفض الشعبي ورغم المؤشرات المتزايدة على عودة الوجوه المرتبطة بنظام البشير إلى المشهد السياسي والعسكري لا يزال بعض قادة الجيش والموالين للنظام السابق يتفادون تأكيد هذه العلاقة علناً، في محاولة لتجنّب إثارة مشاعر الرفض الشعبي. يشار إلى أن الوضع العام لا سيما في أوساط الثوار والمجتمع المدني ما زال يحمل قدراً كبيراً من الغضب تجاه الرئيس المخلوع عمر البشير وحزبه المؤتمر الوطني الذي يحمله كثيرون مسؤولية الأزمات المتراكمة التي تعيشها البلاد الآن بما فيها الحرب. تحالف ظرفي حول ذلك، يرى الباحث والمحلل السياسي المتخصص في الشأن الأفريقي، منتصر كمال، أن هذا التردد في الإعلان عن أي تحالف بين المؤسسة العسكرية والتيار الإسلامي نابع من إدراك الطرفين لحساسية اللحظة. وأضاف كمال ل"إرم نيوز" أن الجيش يدرك أن أي تقارب معلن مع النظام السابق قد ينسف ما تبقى من صورته أمام السودانيين. واعتبر أن ما يجري اليوم هو "تحالف ظرفي أكثر منه اندماجاً استراتيجياً"، مشيراً إلى أن مصالح البقاء وتوازن القوى في خضم الحرب فرضت على الطرفين الالتقاء، لكن هذا لا ينفي احتمالية التنازع لاحقًا إذا ما تغيرت موازين السلطة أو تم الاقتراب من ترتيبات ما بعد الحرب. وتابع أنه رغم نفي الجيش فإن "رويترز" أوردت نقلاً عن هارون المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية قوله إن حزبه يقترح هيكلاً يمنح تلك القوات دوراً سيادياً مع إجراء انتخابات لاختيار رئيس وزراء، مشدداً على أن العودة لن تكون إلا عبر صناديق الاقتراع. مكاسب سياسية من جهتها، قالت الأكاديمية والمحللة السياسية، منه صالح، إن أطرافا داخل قوات الجيش وبعض التيارات الإسلامية يحاولون الاستفادة من الحرب الجارية لتحقيق مكاسب سياسية. وأضافت صالح أن استمرار المعارك يمنحهم فرصة للعودة إلى السلطة، خاصة مع ضعف الدولة وتراجع دور المدنيين في المشهد السياسي. وأشارت إلى أن هناك من يستغل ظروف الحرب لفرض أنفسهم من جديد، وأن بعض التصريحات التي تتحدث عن الانتخابات وفرص العودة تكشف نوايا واضحة للاستفادة من الوضع لصالح جهات بعينها بدل التركيز على إنهاء الحرب وتحقيق السلام. وأردفت أن هذا التوجه قد يزيد من تعقيد الأزمة لأن تحويل الحرب إلى وسيلة للعودة السياسية يبعد البلاد عن الحل ويقربها من مزيد من الانقسام ويشدد على أن الأولوية يجب أن تكون لإيقاف القتال لا لاستغلاله لأهداف خاصة.