ما من شيء يؤكد عبثية هذه الحرب ولا سوء إدارتها، أكثر من هرطقات ذلك الطبيب الذي ينتحل صفة القائد العسكري، ويتحدث بلا حسيب أو رقيب في الشأنين العسكري والسياسي، مرتديا زي القوات المسلحة، موزعا أحاديثه الفجة التي تضرها أكثر مما تنفعها، وتضر بالمدنيين. هذا الطبيب الضابط "اركان حرب"، صاحب الموقف والتيار السياسي المعروف للكافة، والذي هجر الحديث عن تخصصه الذي تم استيعابه بسببه في القوات المسلحة، وانتهز ظروف الحرب ليتفرغ للخوض في شأن المعارك الحربية يحلل ويقدم المعلومات، ويدس في أحاديثه مواقف وأراء سياسية ملغومة وفلولية معلومة المصدر، وهو يرتدي الزي العسكري، بالمخالفة للقواعد العسكرية، وقانون وقواعد ولوائح القوات المسلحة، يمثل تجسيدا حيا لتجاوز قواعد الضبط والربط العسكري، وعدم احترام القواعد واللوائح المنظمة للانضباط العسكري. ما هي الجهة التي سمحت لهذا الرجل بالحديث مرتديا زي القوات المسلحة، هل هو مفوض من قيادة الجيش لأداء هذا الدور، أم انه متبرع من تلقاء نفسه في ظل هذه الفوضى الضاربة بأطنابها، وكيف يسمح له باطلاق التهديدات والاتهامات لمختلف فئات المجتمع، وقواه السياسية والمدنية من أحزاب ونقابات ولجان مقاومة وإدارات أهلية ومواطنين، دون حسيب أو رقيب مرتديا زي القوات المسلحة، هل تمثل ارائه ذات الصبغة السياسية المعلومة، التي يطلقها موقف المؤسسة العسكرية، وهل ارائه ونصائحه وتوجيهاته التي يطلقها ويوجهها للمدنيين تمثل المؤسسة العسكرية، وهل هناك أي جهة ترصد الأثر الكارثي لهذه الأقوال..؟ من الذي سمح له بالحديث منتحلا صفة الناطق الرسمي والتوجيه المعنوي وبالتدخل في أهم شئون اعمالهم، وفي التعليق على العمليات العسكرية ومسارها، وما هي معرفته في هذا الشأن التي يستند عليها، وهو في الأساس التحق بالقوات المسلحة في وظيفة فنية كطبيب، ولا صلة له بالشئون الحربية والعسكرية، التي لا يخول بالخوض فيها لغير المفوضين بذلك، لما لها من حساسية بالغة تقتضي الدقة والإحاطة، والإلمام الكافي بالحسابات العسكرية، وقبل وبعد ذلك الأذن بالحديث، وفي وجود إدارة كاملة للتوجيه المعنوي، مسئولة بالكامل عن ادارة العمل الاعلامي للجيش، وتحديد ما يقال وما لا يقال، وفي وجود ضباط مفوضين مهنيا، للحديث باسم المؤسسة العسكرية. في وقت غير هذا كان سيخضع هذا الطبيب للمحاكمة الداخلية لتعديه حدود سلطاته، والخوض في شئون هو غير مكلف بها، ولا تقع ضمن اختصاصاته الوظيفية ومسئولياته المهنية، ولما تمثله من اضرار بالمؤسسة العسكرية وخطابها الاعلامي، وعلاقاتها كجهة يفترض فيها القومية، بمختلف مكونات المجتمع وقواه المدنية والسياسية، أوقفوا هذا العبث والغثاء يكفي الناس ما يواجهونه من كوارث.