ربما تكون حرب رمضان 2023م هذه هي أصعب وأفظع ما واجهه السودان كدولة طيلة تاريخه الطويل ، وبالرغم من أن هذا البلد كان دوما موعودا بالحروبات ، وليست ببعيدة حرب الجنوب التي استمرت لعدة عقود ، وحروب دارفور والنيل الأزرق ، إلا أنني أعطيت نفسي الحق في تصنيف هذه الحرب بأنها الأفظع للكم الهائل من الانتهاكات التي ارتكبت فيها ، فهي ليست حربا عادية بأي حال من الأحوال ، فلا يخفى على أحد الخراب والرغبة في الهدم والتدمير التي لازمت هذه الحرب ، من استباحة للمرافق المهمة على رأسها المستشفيات ، والكم من البشر الذين انتهت حياتهم جراء ذلك ، بالإضافة إلى إحراق كل المؤسسات بما في ذلك المؤسسات العدلية من ناحية والتاريخية من ناحية أخرى وهذا يعكس جليا الرغبة في تدمير هذا البلد بتاريخه ونظامه . وفي جانب آخر استعمار منازل المواطنين العزل بقوة السلاح ، تشريدهم في البقاع ، وتعرض الحرائر للاغتصاب والضرب والإهانة دون أي ذنب أو جريرة . بعد هذه المقدمة التي اعتقدت أنه لا بد منها ، نعرج إلى الأمر الذي أحببت أن أتحدث عنه ، كما أسلفت ، أضطر الكثيرون للهروب من منازلهم فرارا من خطر الحرب ، بإرادتهم أو بطردهم واحتلال منازلهم من قبل هذه المليشيا الغاشمة التي استحلت الآثام واستباحت الحرمات في سابقة لم يشهدها تاريخ السودان ، ولا حتى قبل دخول الإسلام . الذين سمحت لهم ظروفهم المادية بالسفر إلى الخارج ، اتجهوا إلى دول الجوار وعلى رأسها مصر لقربها وأنها مألوفة للناس ، وبشكل عام وبالرغم من علمي بأن السياسة لعبة قذرة وأن المحبة بين الحكومات أمر وهمي تحكمه المصالح ، إلا أن مصر بصورة عامة ، حكومة وشعبا قدمت صورة مشرقة في التعامل مع الفارين من أتون الحرب على كثرتهم ، وهذا بالطبع لا ينفي وجود من تعرضوا للمعاملة غير الكريمة ، التنمر والإذلال ، ولكن يمكننا القول أن ذلك يمكن إدراجه تحت بند الحالات الفردية ، في الجانب الآخر ، اختار الأكثرية من الفارين من بيوتهم ، وخاصة المنتمون أصلا إلى الولايات ، آثروا الذهاب إلى جذورهم بالولايات وضرب السودانيون مثلا رائعا في التكافل والتعاضد وفتحت البيوت بكل كرم وشهامة لإيواء القادمين من العاصمة ، وقاسموهم اللقمة واللحاف في تجرد ونكران ذات ، وبالرغم من صعوبة أن تخرج من دارك، دون ذنب ، وتفقد مالك وممتلكاتك في لحظة ، وأن تفقد الأمان والاطمئنان ، تفقد حياتك الهادئة ، عملك واستقرارك ، فهذه كانت فرصة ليتعرف سكان العاصمة على أهلهم في الولايات ، يتعرفوا على نمط حياة مختلف تماما عن العاصمة وإيقاعها السريع ، يتعرفوا على نوع من العلاقات أكثر ، انفتاحية وحميمية ، ينصهروا في مجتمع مسالم ، نقي وبسيط ، مجتمع لم يعرف تعقيدات الحياة العاصمية ، ويتعرف الشباب والشابات على نمط جديد للحياة ، أناس جدد عادات وتقاليد غاية في الروعة واللطف وإن اختلفت بعض الشئ عن تلك التي في الخرطوم . لا بد أن الخير يكمن في باطن الشر ، وليس هناك أقسى من الإخراج من الديار وذلك مذكور في كتاب الله ، فهذه دعوة للتفاؤل بالرغم من كم الحزن والمرارات ، ومحاولة للنظر للجزء الممتلئ من الكوب وأعرف مدى استعصاء هذا الأمر ، ولكن لا بد أن يأتي اليسر بعد العسر فهذا هو القسم الإلهي ، وسيبر الله سبحانه تعالى قسمه ،، عن نفسي تجربتي كانت مختلفة فأنا لا أملك أهلا في الولايات الآمنة ، ولم يتسهل لي الذهاب إلى الخارج ، وربما تحدثت عن تجربتي الشخصية لاحقا . ولكني في ختام مقالي هذا أطلب من الله سبحانه وتعالى أن يطيل عمري حتى أرى بأم عيني انتقامه وقصاصه في كل من أورد هذا البلد وشعبه المسكين مورد التهلكة ، والدعوة الثانية أن أشهد هذا الوطن وهو يبرأ من جراحاته ، يتعافى وينهض ويعاد تعميره وبناؤه بواسطة المخلصين من أبنائه ، أن أراه في المكانة التي يستحقها بين الدول ، أرجو من الله أن يستجيب لدعائي،،،،