على الرُغم من كل ما حوت حرب الخامس عشر من أبريل من أهوال وجرائم وانتهاكات في حق المواطنين، إلا أن قصف الطيران الحربي للجيش لمنازل المواطنين في (أمدرمان) في الثامن من يوليو، والذي أسفر عن مقتل (22) شخصاً على الفور، كان حادثاً هز الضمير الإنساني في العالم، ودفع الأمين العام للأمم المتحدة لإدانة هذه الجريمة، مُعرباً عن قلقه البالغ إزاء التقارير التي تفيد بوقوع أعمال عنف واسعة النطاق، وسقوط ضحايا في جميع أنحاء دارفور، وولايات شمال وجنوب كُردفان، والنيل الأزرق. ودعا (غوتريتش) الأطراف الى عدم تجاهل القانون الإنساني، وقانون حقوق الإنسان. مُعرباً عن قلقه (العميق)، من استمرار الحرب في السودان، وداعياً إلى وقف القتال، والالتزام بوقف دائم للأعمال العدائية. جرائم حرب في حق المدنيين: في فجر السبت الثامن من يوليو، أغار الطيران الحربي للجيش على ضاحية (دار السلام العامرية) السكنية، ما أسفر عن مقتل (22) شخصاً على الفور، وأُصيب (31)، توفي منهم (14) لاحقاً، ليرتفع عدد الضحايا الى (36)، والمُصابين إلى (17)، بعضهم في حالة حرجة. وفي الساعة الخامسة والدقيقة الأربعين من مساء الأحد التاسع من يوليو – أي بعد يوم واحد من الجريمة الاولى – قصف الجيش ضاحية (بحري الشعبية) السكنية، ما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص، بينهم خمسة أطفال، وجُرح (15)، بعضهم حالته خطره. ليصير إجمالي القتلى خلال يومين (45) والجرحى (32)، أي أنه قد سقط (77) مدنياً، ما بين قتيل وجريح. ولم تكن الحادثة هي الأولى، ففي صباح الرابع من يوليو الجاري، هاجم الطيران الحربي للجيش عدد من الأحياء السكنية بأُمدرمان، منها حي (أمبدة)، ما أدى إلى مقتل وإصابة عشرات المدنيين، وهي – بحسب مُراقبين – (مجزرة بشرية)، تستحق المُحاسبة ومُحاكمة مرتكبيها. وفي الثاني من يوليو هاجم طيران الجيش عدداً من الأحياء السكنية في مدن العاصمة الثلاث، ما تسبب في مقتل وإصابة العشرات من المدنيين. كما قصف الطيران الحربي أحياء (الأزهري، عد حسين، والسلمة) جنوبالخرطوم، ما أدى لمقتل وإصابة العشرات من المدنيين. براميل متفجرة: في الرابع من يوليو الجاري، وفي سابقة هي الأولى في هذه الحرب، أسقط الجيش (براميل متفجرة) من طائرة (انتنوف) تابعة له، على المنطقة الصناعية، والسوق الشعبي بأمدرمان. وفي الثاني والعشرين من يونيو الماضي، هاجم طيران الجيش، عدداً من الأحياء السكنية في أمدرمان وشرق النيل. ما تسبب في مقتل ثلاث أُسر في أمدرمان، وتم تدمير (مسجد) جراء القصف. وتم إحراق مزارع ومنازل لمواطنين، وظهرت جُثث متفحمة لمواطنين في "الفيديوهات" التي انتشرت على الوسائط. وفي الخامس عشر من مايو الماضي، قصف الطيران الحربي للجيش مستشفى شرق النيل، ما تسبب في مقتل وإصابة العشرات. وتم تدمير جزء كبير من المستشفى، بذريعة تواجد قوات للدعم السريع بداخله، ما ثبت عدم صحته لاحقاً. وفي وقت سابق تم قصف مستشفى (الرومي) الأمدرماني، وتم تنفيذ عملية إحراق ممنهج للأسواق، وعدد كبير من المرافق الأخرى بالخرطوم تضمنت شركات ومصانع وبنوك وغيرها، عن طريق الطيران الحربي للجيش. اتباع سياسة الإنكار: ومن المُلاحظ أن الجيش اتبع عدة استراتيجيات في ما يتعلق بالانتهاكات التي تصدر عن قواته، ففي بداية الحرب ظل الجيش ينسب انتهاكاته ل(مجهول)، سماه قوات مالك عقار. على الرغم من أنه لا يوجد ما يسمى بقوات مالك عقار، وإنما هي قوات ترتدي زي الجيش وتتسلح بسلاحه، ارتكبت أعمال سلب ونهب وسرقة واغتصاب وقتل في منطقة كرري الأمدرمانية. أما القصف بالطيران، فقد اعتمد الاعلام الحربي للجيش تجاهه سياسة الصمت، ومضى إعلام الفلول في التقليل من قيمة أرواح الأبرياء المُزهقة، بذريعة أنها ضريبة منطقية! ومعقولة! في سبيل القضاء على قوات الدعم السريع. ولما تزايدت الجرائم، وارتفعت أعداد الضحايا جراء القصف الجوي، ذهب إعلام الجيش لاتباع سياسة الإنكار، ومحاولة إلصاق التُهمة بقوات الدعم السريع، بزعم أنها تقصف المناطق السكنية بالمدفعية الثقيلة، بالتزامن مع تحليق الطيران الحربي للجيش! وهو تأويل بعيد بالطبع. كما أن سُكان هذه المناطق، يستطيعون التمييز بسهولة بين صوت وقصف الطيران الحربي، والقصف المدفعي. لكن وعلى الرغم من كل ذلك يواصل الجيش في سياسة الإنكار، ويغالط الواقع المرئي والملموس.