كتب قاري هاميل Gary Hamel المحاضر بمدرسة لندن لادارة الاعمال بجامعة لندن في مقدمة كتابه عن مستقبل علم الادارة انه "في عشية كريسماس 1968 وعندما كانت ابولو 8 ، اول سفينة فضاء بداخلها بشر تجوب مدار القمر ، في رحلة عودتها الي الارض ، سال ابن احد الطاقم الارضي وهو يشاهد عودتها مع والده عن من يقود السفينة. وعندما وصل السؤال الي احد قبطان السفينة وهي تنهب الفضاء صوب الارض، اجاب رائد الفضاء بل اندش ان السير اسحق نيوتن يقوم بمعظم القيادة. تذكرت هذه المقدمة وانا اقرا تعليق السيد كمال كرار، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني ، وانا ارد علي الذين يتسالون عن مواقف الحزب الشيوعي السوداني بمقولة بل اندش ان ستالين يقوم بكل القيادة ويتحدث علي لسان السيد كرار. وقد اورد بروفسير قاري هاميل هذه القصة ليقول بضرورة النظر الي ممارسات ونظريات الثورة الصناعية الاولي التي تقود طرق ادارتنا في عالم اليوم الذي يختلف اختلافا نوعيا عن عالم الثورة الصناعية. وهو عالم كان اقصي انجازات العلم فيه ميكانيكا السير اسحق نيوتن. وكانت صورة العالم كما وصفها نيوتن عبارة عن ماكينة تحكمها قوانين في غاية الصرامة. لقد كان العالم حسب ذلك التصور عالما حتميا وليس احتماليا، ومن هنا نبعت حتميات كارل ماركس وجسدها لينين وستالين الي دولة باطشة يساق اليها الانسان بالقوة الي جنته الموعودة. ولقد جربت البشرية تلك الجنة الموعودة لسبعة عقود في الاتحاد السوفيتي فخلفت ملايين القتلي حتي فاق من قتلهم ستالين ومن شعبه ما قتله هتلر. وقبل ان ادلف الي تصريحات السيد الكرار وحزبه الشيوعي اود ان انوه ان الامر ليس قدم الافكار او حداثتها، بل هو التعامي عن الواقع والاعتماد الاعمي علي منتوج الماضي دون مراعاة السياق الذي انتج فيه ولا الواقع الجديد الذي نحاول فهمه لتغييره. فليس هناك فرق بين من يحلق شاربه ويطول لحيته ويقصر جلبابه ظنا منه ان ذلك سيعيد عجلة التاريخ الي دولة النبي ومن يجتر مقولات ماركس ولينين دون ان يلتفت الي الواقع الذي يسعي الي تغييره. يقول السيد كمال كرار لصحيفة الراكوبة الالكترونية بتاريخ 17 اغسطس 2023 عن اجتماعات الحرية والتغيير في اديس ابابا انها "محاولة لانتاج الازمة من جديد" وان قوي الحرية والتغيير المجلس المركزي " فارقت المسار الثوري منذ وقت طويل وتريد الوصول للسلطة وفق اي طريقة، حتي وان اضطرها الامر التحالف مع الفلول" ثم تابع "ما يسمي بالاتفاق الاطاري، الان اصبح خلف التاريخ ، وهو احد اسبابالحرب، وهذا النوع من الاجتماعات في اديس القصد منه قطع الطريق امام الثورة" ثم يختتم السيد كرار ان "هناك قوي سياسية كثيرة ليس من مصلحتها قيام الثورة، ووقفت ضد اللات الثلاثة التي رفعتها لجان المقاومة والتغيير الجذري، وهم بالاستعانة ببعض القوي الخارجية يريدون انتاج الازمة في السودان، ونحن نري انه اذا وقفت الحرب، فانها تقف بارادة الشعب السوداني، باعتباره صاحب الكلمة الاولي والاخيرة، واذا كان هناك اي مسار مدني موجود، فيجب ان يكون مسار استعادة الثورة" الذي اود ان اقوله ان الحزب الشيوعي له اهداف اخري غير اهداف الشعب السوداني من ثورته علي نظام الانقاذ واسقاط قيادته ومحاولاته لاقامة حكم مدني ديمقراطي. الحزب الشيوعي من اكثر الاحزاب جسارة في مصارعة الديكتاتوريات. فقد قاوم دكتاتورية عبود وقاوم نظام الانقاذ ودخل بعض قادته بيوت الاشباح والسجون . ولكن نظرة فاحصة الي موقف الحزب الشيوعي من نظام مايو وانقلابه عليه في يوليو ومحاولته الاستيلاء علي السلطة وربطها بمواقف الحزب الحالية من القوي السياسية السودانية تؤكد حقيقة واحدة وهي ان مواقف الحزب الشيوعي السوداني من الانظمة الشمولية لا تعني سعيه لاقامة نظام ديمقراطي او حكومة مدنية. فمواقف الحزب الشيوعي المناهضة للانظمة الشمولية هي مقدمة تقود الي النتيجة الخاطئة تماما والمتعجلة وهي ان الحزب الشيوعي السوداني مع خيارات شعبنا لاقامة حكم مدني ديمقراطي. ان دور الحزب الشيوع هو دور المقدم الذي يقول عنه اهلنا قولتهم المشهورة والصحيحة تمام ان "المقدم ما موصل" ان مواقف الحزب الشيوعي السوداني متسقة تماما مع محركه الفكري والذي لا يؤمن بغير اقامة ديكتاتوريته هو ، والتي يطلق عليها ديكتاتورية البروليتاريا. الحزب الشيوعي والمؤتمر الوطني كانا يعملان وبهمة في تدريب كوادرهم للانقضاض علي الديمقراطية الثالثة. فقد كانت كوادر الجبهة الاسلامية تتدرب في افغانستان وكوادر الشيوعي في الاتحاد السوفيتي سابقا علي حمل السلاح. ولقد سبق المؤتمر الوطني الحزب الشيوعي واطاح بالديمقراطية وحكم بلادنا لثلاثين عاما فكان حصادها الفقر والجوع والمرض والافقار الروحي والدعم السريع الذي ينهب ويغتصب الان. ولا اظن ان الحزب الشيوعي ان تمكن من الانقضاض علي الديمقراطية وحكم بلادنا لكانت دولته بافضل من مشروع الهراء الحضاري. ولعل نظرة الي كوريا الشمالية حاليا خير دليل علي ما نقول. لقد نحج الحزب الشيوعي بعد ثورة ديسمبر ليس في الحفاظ علي الجو السام من تخوين للمعارضين واتهامهم بالعمالة بل نجح في تخريب اية محاولة للم شمل المعارضة ومساندتها في النهوض من اجل ادارة الفترة الانتقالية. لقد أخطأت قوي الحرية والتغيير وستخطي ولقد أخطأت الاحزاب السياسية وستخطي ولكن معالجة الامر ليس بشتمهم وتخوينهم وتخويفهم، وليس بالكلام الاجوف الذي لا اقدام له ليمشي خطوة واحدة علي ارض الواقع. نتقدم بخلق جو نفسي امن وصالح نحاول فيه، نصيب ونخطئ ونعترف باخطائنا ونتعلم منها. تعجبت اكثر لمقولة السيد كرار: "اذا وقفت الحرب فانها تقف بارادة الشعب السوداني" اية ارادة يا سيدي والحرب تديرها الفلول ولجنة البشير الامنية ودعمهم السريع. انها دعوة بدم بارد للسكوت علي معاناة شعبنا الذي تطحنه الحرب وانعدام الغذاء والدواء. ان موقف الحزب الشيوعي من خيارات شعبنا يلتقي التقاءه الطبيعي والموضوعي بموقف المؤتمر الوطني. [email protected]