هنالك أقلام حرة شريفة تفاعلت مع تاريخ وثقافات الشعب السوداني الذاخرة بالثراء والتنوع وقد قدمت للمكتبة العالمية دراسات أكاديمية مستفيضة كثيرة عميقة ومتنوعة ذات قيمة علمية رصينة قرأت الواقع الماثل في بلادنا بشكل ممتاز وخلصت الي حقيقية ان شعب السودان لا يتنفس الا حرية فهي عشقه ومبتغاه وأمله في المستقبل الزاهر المشرق ظل يرنو اليها ويكافح بقلب مفتوح من أجلها ويتطلع للتغيير لواقع آفضل يستحقه بزل كل ما في وسعه من غال ونفيس لإدراكه او يستشهد دونه ضارب مثلا رائعا في الجسارة والصمود ولئن كانت هنالك قضايا كثيرة من حولنا تخص العالم العربي والإسلامي كانت محل اهتمامه مثل مشاريع النهضة والوحدة العربية والأمن القومي العربي والإقليمي وتحرير الأرض المغتصبة في فلسطين وقضايا التحرر الأفريقي ومكافحة التفرقة العنصرية فإن من اكبر القضايا التي انشغل بها همه وانصب عليها مجمل تفكيره وجهده هي قضية الديمقراطية وكيف يرسي دعائمها في وطنه؟ وكيف يرسخ مفاهيم ثقافتها؟ وكيف تصبح النظام الأمثل للتداول السلمي للسلطة؟ وكيف نزيل المعوقات من امامها لتنجح وتخرجنا من الدائرة الشريرة دائرة سيطرة الانظمة الشمولية المستبدة وتداولها عبر الانقلابات العسكرية التي تأتي غالبا لتجهض التجارب الديمقراطية عقب فترات الانتقال المشحونة بالرؤي والأفكار المتداخلة والمحملة بالمصالح المتقاطعة والإشكاليات المتجذرة هذه الفترات الانتقالية التي نصل اليها بفضل الانتفاضات الشعبية التي انقدحت شرارتها منذ فجر العقد الأول للاستقلال بتفجر ثورة اكتوبر في تاريخ 17نوفمبر1958م هذه الفترات الانتقالية كانت دائما تخصص للإصلاح العدلي والمؤسسي وإزالة آثار جرائم الديكتاتورية ولما كانت هذه الانقلابات تحدث نتيجة عوامل داخلية متعددة ومؤثرات خارجية ذات نظرة مصلحية بعيدة عن تطلعات الجماهير ومصالحها في التعايش السلمي وتبني مشاريع النهضة والتنمية المتوازنة والمشاركة في صناعة القرار والإصلاح المؤسسي لسلطات الدولة كانت تنشأ حركة مقاومة من قبل شعبنا بكافة مكوناته الاجتماعية والسياسية والمهنية ترفض وتقاوم بجدية وحزم ماضيا في مشروعه النضالي لاسترداد سلطته وتحرير إرادته لا يضره من يخالفه ومثل ما قاوم شعبنا الانظمة الشمولية المستبدة في بلاده كذلك كان مساهما فاعلا في مناصرة حركات التحرر والاستقلال في العالميين العربي الأفريقي لتتأكد حقيقية عشقه للحرية و إيمانه بالثورة وقدرته علي صناعة المستقبل لكن النخب المتعافية علي حكمه كانت بائسه يائسه منكفئة علي ذاتها غير راغبة في التغيير الجذري مثل العسكر تماما ومن يتحالف معهم من مدنيين كلهم ساهم بقدر كبير في إعاقة مشاريع التغيير واجهاض الثورات الشعبية فلم نتمكن من إنجاح التجارب الديمقراطية التي كانت تأتي دوما بعد الانتفاضات الجماهيرية مدللة علي سلامة الوعي وعدالة المقصد لشعبنا غير ان الأحزاب التي وصلت للسلطة عبر الانتخابات عقب هذه الانتفاضات (كحال حزبي الامة القومي والاتحادي الديمقراطي) كانت قليلة حيلة و أدائها لم يختلف كثيرا عن تلك التي وصلت عبر الدبابات (كحال الجبهة الاسلامية القومية) و لم تفلح في تلبية رغبات الشعب في إقامة حكم مدني وطني (دعك من ديمقراطي) يستجيب لتطلعات الجماهير المشرئبة لحياه كريمة وواقع افضل كما لم تستطع إيقاف حروب الأطراف العادلة حتي تطورت الصراعات فيها وذهبت في اتجاه معاداة جماهيرها لمركز صناعة القرار وحملت السلاح في وجه الدولة مما شجع قوي ظلامية ظلت تتأمر علي الشعوب الفقيرة والمجتمعات النامية باشعال نيران الحروب فيها وتأجيج الصراعات العبثيه بغرض ضرب نسيجها الاجتماعي وتفتيت وحدتها او تقسيمها واستغلال مواردها لصالح نهضة ورفاه شعوبها هي لتعيش بلداننا حياة الفقر والعوز والجهل والتخلف فتهاجر الكوادر المهنيه والكفاءات الوطنية وتبقي منها قلة قليلة يستميلها السلطان الظالم ويلهيها بشعارات براقة لتصبح جزءآ منه مقابل حياة البزخ والدعة والاستمتاع بأموال الشعب بعد تطويعه بالكبت والإرهاب وتضليله بالإعلام الخادع الكذوب وفق تفعيل مقاومة نظرية المؤامرة . ثورة ديسمبر المجيدة حاولت ان تخرج بالبلاد من هذه الدوامة فحملت رؤية متكاملة لحلول ناجعة للازمة السودانية تقوم فلسفتها علي تفكيك بنية الاستبداد والفساد ومحاكمة رموز النظام البائد لتفعيل قاعدة المحاسبة ولا للافلات من العقاب فلم يعد مجديا ممارسة سياسة عفا الله عما سلف لان المجرمين يستغلون سماحة وطيبة الشعب ولا يخشون العقاب فعندما تكون السلطة بيدهم يرتكبون افظع الجرائم واشبع الانتهاكات لحقوق الإنسان وينهبون الأموال ثم بعد سقوط انظمتهم يهربون للخارج كي يستمتعوا بأموال شعبنا . وعندما خشيت القوي المعادية للتغيير والديمقراطية علي مصالحها ومصائرها نشطت وفعلت كل مافي وسعها لإجهاض الثورة عبر سلسلة من الأحداث والوقائع لتنحرف بالصراع عن مساره الصحيح واحداث حالة من التوتر والارتباك في المشهد السياسي لتقود البلاد الي فوضى تخطلت فيها المفاهيم حتي لا نتبين ما الغرق بين هذا الفعل او ذاك؟ كحال من وقع اتفاقية للسلام تخرق الدستور زاعما عدالة قضيته تسمح له ذلك…! فهل نقبله او يعود لتمرده او كمن اغلق طريقا قوميا يضر بمصالح الجماهير زاعما انه يخدم عدالة قضيته…! تجاوزنا هذا كله لنتفاجأ بمن يذيع بيانه منقلبا علي حكومة الانتقال التي هو رئيس مجلس سيادتها مدعيا انه يصحح مسار الثورة..! ثم يؤيده من كان بالأمس القريب يناضل ضده…! كل هذا يدعو للاستغراب والحيرة ولكن كان الأكثر اندهاشا به هو ان يستغل أحد اركان السلطة الانقلابية قوة عسكرية تربت وترعرعت تحت كنف الدولة كانت تحت تصرفه في تفجير حرب شعواء لا تبغي ولا تذر ترتكب فيها ابشع جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية تحت مزاعم جلب الديمقراطية وتأتي الغرابة من ان هذا الزعيم منتج خالص من سلطة الاستبداد وشريك في كل الجرائم التي ارتكبت ضد الشعب لإعاقة مشروع الانتقال المدني الديمقراطي وعليه حتي لا نفارق خط الثورة فإننا نقول بوضوح ان المكون العسكري غير مؤهل للحديث عن الانتقال المدني الديمقراطى خصوصا قوات الدعم السريع التي استباحة الأعراض والأموال وحرمات البيوت والمرافق الخدمية وقطع الطريق العام والقتل بدم بارد دون اي وازع اخلاقي او ديني او حتي ضمير إنساني مع الرغبه في الاستمرار في المشهد..! يا للعجب لذلك لابد من الإقرار ان رسم خارطة مستقبل الدولة لابد من ان يكون بيد القوي السياسية المدنية الثورية وينبغي عليها طرح رؤية توافقية تلبي مطلوبات التغيير والتي ياتي في مقدمتها النأي بالمؤسسة العسكرية بعيدا عن ممارسة اي ادوار سياسية وعليها ان تنسحب من المشهد طوعا بعد إيقاف الحرب وتهيئة البلاد لانتخابات حرة نزيهة تحت رعاية ورقابة دولية (العسكر للثكنات والجنجويد ينحل) كما علينا انهاء فكرة تعدد الجيوش من أساسها فعلي القوات المسلحة فتح معسكراتها وكلياتها لاستيعاب احتياجاتها من الضباط والافراد علي اسس قومية مهنية ثم تنظيم قوي الاحتياط بتفعيل قانون الخدمة العسكرية الوطنية لتغطية النقص وتدارك الحالات الطارئة مستقبلا كذلك علينا ان نولي قضايا العدالة والقصاص والعدالة الانتقالية اهمية قصوى ولئن لم نحسم قضية الا تفاوض مع العسكر باطرافه المتحاربة الا علي التسليم فلا يوجد سبب منطقي يبقيهم في السلطة او ان يكون لهم دور في المشهد فإننا لن نخرج من دائرة الفشل ولن تتوقف الحرب بل ستندلع مجددا بدوافع اخري وبصورة اقبح واعنف من الاول وبصبغة جهوية ونزعات انفصالية فمن المؤكد ان هنالك قوي ظلامية تعمل لحدوث ذلك او غيره متي ما وجدت الفرصة سانحة امامها حتي لا تنعم بلادنا بالأمن والاستقرار ونتراجع عن مشاريع المطالبة بالديمقراطية التي تمكن الشعوب من التحرر والاستقلال وتصبح سيدة علي موارها وحرة في اتخاذ قرارها فتصعب عملية تطويعها او إستغلالها فتسلم من المؤامرات ويسلم شعبها ويضحي مستقبله في امان.