ما الموقف الوطني العام ؟ هو حاصل جمع المواقف الشخصية لجماهير الشعب السوداني. كيف ينبني الموقف الشخصي ؟ يتم بناءه عبر صك تعريف واضح للذات من خلال تحديد موقعها داخل حلبة الصراع . سؤال الهوية ، او من أنا؟ علي سبيل المثال ؛ انا سوداني أفريقي دارفوري ، مهمش طبقيا ومستعبد ثقافيا واجتماعيا ، او العكس. بالتالي في هذا السياق يمكن النظر لأزمتي من منظور شامل بوصفها أزمة مركبة تحمل ابعادا ثقافية وطبقية. عليه لا يمكن أن اصير جزء من اي مشروع او ادعم طرف مالم يلتزم بتضمين مصالحي داخل برامج عمله وبنيته الاجتماعية . تستدعي مصالحي في هذه الحالة مثلا التحالف مع كل المهمشين علي اساس طبقي . ففي المعركة الطبقية سوف أكون في خندق واحد حتي مع الآخر الذي قد يكون مستفيدا من الامتياز الثقافي. اما في المعركة الثقافية سوف اشكل جبهة واحدة مع ملايين الأفارقة وغير المسلمين الذين كانوا ضحايا سياسات الاستتباع والابادة الثقافية. الموقف في سياق الازمة الراهنة؟ لو اسقطنا التحليل السابق علي حلبة الصراع في سياق بلورة موقف متوافق مع صميم مصالحي التاريخية والاستراتيجية كإفريقي مهمش وضحية لعنف الدولة والجنجويد ، سوف أجد نفسي أمام عدة تساؤلات. ما المصالح التي يمكن تحقيقها من هذا الصراع ؟ . لكي نصيغ اجابة نموذجية لهذا السؤال يجب افتراع تساؤلات اخري تتعلق بطبيعة القوي المتنازعة ؟ من هي هذه القوي ، وما طبيعة مشروعها ، وحول ماذا تتقاتل ؟ . 1_ قوي متحكمه تاريخيا علي جهاز الدولة ، وتقاتل علي أساس الحفاظ علي إعادة إنتاج هيمنتها علي الدولة . 2_ قوي وكيلة للقوي السابقة ، وتقاتل لكي تحل ذاتها محل القوي السابقة . ينتمي كلا الطرفين لنفس السياق الحضاري ويؤمنان أيضا بحق العرب والمسلمين في سيادة الجماعات الافريقية. كما أنهما أبناء نفس المشروع الذي يكرس قيم الاستعلاء والتفوق. عليه ، السؤال ، ما المكاسب التي يمكن أن اجنيها من هذا الصراع؟ بمعنى هل انتصار مشروع النخب العربية في دارفور بإمكانه ان يعيد الاعتبار لذاتي الثقافية والحضارية عبر إزالة التهميش الثقافي والتنموي واعادة الأراضي التي تم احتلالها أثناء الحرب الاولي؟ . بنفس المعيار ، ما القيمة المضافة بالنسبة لي من انتصار مشروع النخب النيلية؟ هل سوف يقود هذا الانتصار في اتجاه بناء دولة سودانية قائمة علي أسس جديدة ، دولة علمانية ديمقراطية تعبر عن قيم التعدد والتنوع الذي تذخر به بلادنا ؟ وجهة نظر مغايرة من منظور اي أفريقي عاني من حصاد التجربة العملية للطرفيين ، يمكن فهم الصراع الحاصل الآن بوصفه نهاية التحالف بين النخب العربية في دارفور والنخب النيلية. بالتالي من وجهة النظر هذه ليس ثمة اي اختلاف جوهري وعميق بين الطرفين المتنازعان ، ففي النهاية ولو اختلفت التكتيكات والمصالح فإنهما يحملان نفس المشروع ، وأبناء نفس الوعي والمزاج . لقد جربنا المشروع الاول وكان من مخرجاته تأسيس الجنجويد وسياسة الأرض المحروقة ، وعمليات الاستيطان التي تمت والابادات الجماعية للشعوب الافريقية. لكن مخرجات مشروع النخب العربية الدارفورية بدأت تظهر الآن بحيث عبرت عن نفسها في إبادة المساليت واحتلال المدن الدارفورية وتمديد الصراع لجغرافيات تخص الجماعات الافريقية مع ابقاء جغرافيات الجماعات العربية آمنة ، والذي ربما يعزز احتمالية وجود إتفاق ضمني علي عدم توريط هذه المناطق. اذا ، القاسم المشترك بين الطرفين انهما يسعيا لإلغاء وجودي الثقافي والحضاري بصفتي إفريقيا ، والسيطرة علي ارضي مع تأسيس دول ذات طبيعة عرقية في وطني التاريخي. ما العمل؟ لا يفهم حديثي كمحاولة لتأسيس نظري لاصطفاف أفريقي موازي للاصطفافات العرقية الموجودة وانما كمحاولة لصياغة حلول من عمق الواقع عوضا عن استلاف الحلول الجاهزة . كما انها دعوة للطرفيين للنظر الي الصراع من منظور الآخر المضطهد الذي ابيد واحتلت أرضه . الآن النخب العربية في دارفور حشدت جماهيرها لا علي اساس الإيمان بالمشروع الوطني المشترك ، وإنما علي اساس إعلاء قيم القبيلة وتعزيز الانتماءات الأولية ، بينما تجتهد النخب النيلية في توظيف خطاب العرق للتبرير لمشاريعهم الاستئصالية. عليه طالما ان المشروعان ضد مصالحي و يعملان علي طمس هويتي و إلغاء وجودي ، فينبغي علي ان أسس نظريا لما يمكن أن يمنع حدوث ذلك . وفي هذا السياق يجب النظر الي الصراع الذي يجري الان لا بوصفه ثنائيا فقط طالما انه جزء من الصراع الاجتماعي العام ، وإنما يجب النظر اليه بوصفه صراع ثلاثي الأضلاع. يمكن التاسيس للحل الشامل علي هذا الأساس ومن خلال المنظور السابق فقط. حل لا يضمن فقط مصالح النخب العربية الدارفورية والنخب النيلية ، وإنما مصالح جميع السودانيون بما فيهم الشعوب الافريقية. صحيح ان النخب العربية الدارفورية تؤسس خطابها علي اساس تفكيك هيمنة النخب النيلية الا ان حصاد تجربتها العملية تذهب في إتجاه تمديد السيطرة علي دارفور واحتلال جغرافيات تخص جماعات أخري. عليه يجب كخطوة اولي إيقاف عمليات الاحتلال هذه ومن ثم بعد ذلك يمكن التفكير في التسوية التاريخية الشاملة وحل مشكلة الجنجويد في إطار السودان الموحد . ولكيما يتحقق ذلك يجب علي النخب العربية الدارفورية والنخب النيلية تقديم ضمانات واضحة للشعوب الافريقية عبر القطع بشكل عملي مع كل مشاريعهما الاستئصالية القائمة اما علي أساس أرض الميعاد بالنسبة لعرب الشتات او علي اساس سيادة الجماعة الاسلاموعروبية لكلاهما والإعتراف بحق الآخرين في المساهمة في تحديد المصير الوطني.