أولاً تدمير الجسور ومحطات الكهرباء والإتصالات هو جزء كبير وفعال من سياسة حرب المدن لحرمان العدو من وسائل التنقل والإمداد ، فقد قام هتلر بتدمير خطوط السكة حديد عندما وصلت الأمور العسكرية إلى غاية السوء وشعر أن الحلفاء سوف يصلون إلى برلين ، وكذلك قام صدام حسين بحرق آبار النفط عندما إنسحب من الكويت .. كبري شمبات كان ضحية لوجوده بالقرب من الإذاعة والتلفزيون في شرق أمدرمان القديمة ، الإذاعة والتلفزيون لها رمزية خاصة عند الفلول وتأتي في الأهمية القصوى بعد مدرعات الشجرة .. المطالبة بضرب كبري شمبات أرتفعت أصواتها في أيام الحرب الأولى من قبل الفلول تحت مزاعم أنه يمثل خط الإمداد لقوات الدعم السريع في أمدرمان ، ثم بسببه تمت عرقلة 'عملية إسترجاع مقري الإذاعة والتلفزيون .. لكن لماذا تأخرت هذه العملية؟؟ اولاً السبب إتساع رقعة المعارك في أمدرمان وخسارة الفلول لمعركة أمبدة ، ولإسترداد الروح المعنوية تصبح معركة إسترداد مقر الإذاعة والتلفزيون هي أم المعارك ، وحسب خططهم ذلك يتطلب قطع هذا الشريان الحيوي الهام ، فظهور ياسر العطا وهو يتلو بيان النصر من مقر الإذاعة يجعل المتابع البسيط يعتقد أن المعركة قد حُسمت لصالح الجيش بحكم أن الإذاعة والتلفزيون في الذاكرة السياسية السودانية هما رمز إستعادة السلطة ، مع العلم أن هذه الحالة تنطبق على الإنقلابات فقط ولا تنطبق على الحرب الأهلية الحالية والتي تتطور بطريقها تجعلها تختلف عن ردة الفعل الأمنية المصاحبة للإنقلاب ، كما أن وجود مواقع التواصل الإجتماعي يجعل القيمة الرمزية للإذاعة والتلفزيون تتراجع أمام سيل المعلومات المتدفق والمواكب عبر نشطاء وضباط يمثلون الدعم السريع والذين لهم مصداقية في الميديا . السبب الثاني هوتقدم الدعم السريع في دارفور مع إنسحاب الجيش وفرار قادته إلى دول الجوار ، فكان لا بد من رسم علامة فارقة في الحرب وهي إستعادة كل أمدرمان حتى يتم تعويض تلك الخسارة ، نصر يتيم ويائس وبتكلفة مدفوعة من البنية التحتية ربما يحسن صورة الجيش ويحافظ على تماسكه بعد سلسلة من الهزائم النكراء . وهناك سبب آخر وهو دعم العاصمة الجديدة في بورتسودان ، فتدمير البنية التحتية في الخرطوم يجعل بورتسودان هي العاصمة الوحيدة للسودان ، وفي نظر الفلول أن هدم الخرطوم يجعل الدعم السريع لا يستفيد من البنية التحتية المتوفرة فيها خلال سنين ويجعل نصره كمن يظفر بظلف الشاة من الوليمة ، فالخرطوم المدمرة لا تستحق التضحيات أو ثمن المعركة . والأهم من كل ذلك هو الرد المباشر لإتفاق جدة والذي أعطى الدعم السريع مكانة مثل الجيش السوداني في تسهيل عملية دخول مواد الإغاثة الإنسانية في المناطق التي يسيطر عليها وهي 90% من مساحة الخرطوم ، لذلك كان لا بدمن ضرب الكباري لتعقيد عملية نقل المساعدات وجعلها تمر عبر كباري يسيطر عليها الجيش .. والسؤال هو من الذي أعطي تعليمات ضرب الكباري؟؟ في اللحظة الحالية فالمسؤول هو الفريق ياسر عطا والذي أصبح ضابط الإرتباط بين كتائب البراء والجيش السوداني ، فهذه المعركة فيها بعد شخصي و غبينة بين جوانح الفريق ياسر العطا بحكم أنه من أمدرمان القديمة حيث تعرض لضغط نفسي يتطلب منه حرق المراكب ، وهو صاحب القرار في هذه الضربة التي دمرت كبري شمبات التاريخي لكن التاريخ والمصلحة الوطنية ليستا في أولوية مشروع الإسلاميين عندما يتضارب ذلك مع مشروعهم في العودة إلى الحكم . والسؤال هو ..هل هذه خاتمة المطاف؟؟ بالطبع لا ، فسوف يشمل التدمير بقية الكباري والبنية التحتية ، أنه عهد " نيرون " الذي أحرق روما وجلس يتفرج عليها من شرفته وهي تحترق . لكن تلك الحرائق لن تبطئ عجلة تقدم السريع في الميدان.