احمد داوود ما هي مشكلة السودان؟ تكمن الجذور الأساسية لطبيعة الصراع في السودان في قيام مجموعات اجتماعية معينة باختطاف جهاز الدولة و من ثم استخدامها كاداة لقمع و تهميش الجماعات الاخري عبر توظيف الهوية العرقية و الدينية والاتجاه الجغرافي. من هي هذه المجموعات؟ هي الجماعات الافريقية المستعربة التي انفصلت عن سياقها الثقافي و الحضاري عبر ادعاء أصول عربية إسلامية لتمييز ذاتها عن الجماعات الاخري كآلية لاحتكار السلطة و الثورة الاجتماعية. اختطاف الدولة علي مر تاريخ البلاد _ظلت هذه الجماعات التي شكلت شبكة تحالفات عنصرية ترتكز علي العرق والدين تحتكر جهاز الدولة ومن ثم تستثمره اقصائيا _بتعبير أبكر إسماعيل _ ضد الجماعات الاخري. كانت الدولة ولم تزل تعبر عن هذا التحالف . في حين يعبر هذا التحالف عن شبكة مصالح النخب النيلية و النخب العربية في دارفور إضافة لبعض التوابع المنبتين و المنسلخين عن جذورهم الاجتماعية و الطبقية. التاسيس للوكالة يتحمل تحالف الاسلاموعروبيين هذا مسؤولية كافة الجرائم التي ارتكبت في البلاد منذ لحظة التأسيس ، وهو نفس التحالف الذي أسس عمليا في سياق تصفية حساباته الشخصية سياسة الوكالة والاستعانة بالاجانب في فضاء الدولة السودانية أولا بالاستعانة بالاستعمار و ثانيا عبر استجلاب جنجويد الشتات في أفريقيا. تحويل مجري الصراع كان الانتقال من سياسات الوكالة و القهر الي الاستقلال الوطني يستدعي تضامن و تحالف السودانيين و قيادة النضال في إتجاه إسقاط الدولة القديمة، ولكن لدواع اقليمية و دولية تحول الصراع عن مساره الطبيعي وصار احد اذرع التحالف رأس الرمح في سياق الحرب ضد الدولة القديمة. لم يكن المركز الاسلاموعروبي في الخليج مستعدا لتقبل خيارات السودانيين في الاستقلال و تحديد مصيرهم الوطني. فقد كان يعمل علي الدوام علي الحاق البلاد الي سياقه الحضاري والثقافي كآلية للسيطرة عليه ومن ثم نهب قدراته و امكاناته وهو ما يعني بطبيعة الحال سحق اي مقاومة محتملة في البلاد لصالح وكلاءه في الداخل. تفهم الحرب الدائرة في السودان من خلال هذا السياق . إنها حرب الاسلاموعروبيين في سياق إعادة الهندسة الاجتماعية والسياسية للبلاد. إعادة إنتاج الوكالة و الاستتباع تقوم الخطة علي سحق اي إتجاه قد يقود الي سيطرة السودانيين علي مصيرهم. من المهم ان تكون البلاد خاضعة للتحالف الاسلاموعروبي ، هذا هو جوهر المشروع الخليجي. ففي هذا الإطار دعم المركز الاسلاموعروبي _ المحافظ _ ممثلا في دولة قطر ، حكومة الجبهة الإسلامية ضد الثوار السودانيين في الهامش ، بحيث ساهم في إجهاض الثورة عبر تعزيز التناقضات بين الثوار ودعم التنظيمات الإسلامية ورعاية اتفاقيات السلام مدفوعة القيمة. ولما وعي السودانيين بالمخطط القطري، لجأ المركز الاسلاموعروبي الي سحب قطر و الدفع بالإمارات ذات الاتجاه الليبرالي في حلبة الصراع . ربما غير المركز هنا تكتيكاته و ايدلوجيته غير أنه ابقي علي هدفه الكلي المتمثل في إعادة إنتاج السيطرة و الاستتباع. بعد الثورة التي أطاحت بحكم احد اهم وكلاءه في أفريقيا ؛ استشعر المركز الاسلاموعروبي الخليجي حجم المخاطر التي تتهدد مصالحه. فانتصار الثورة السودانية قد يقود الي إسقاط الدولة القديمة وهو ما يعني فقدان سيطرته علي البلاد . و لكي لا يتحقق ذلك عمد الخليج الي تعزيز التناقضات و صناعة الثورات و تحويل الصراع الاجتماعي التاريخي من صراع بين السودانيين و القوي التي تعبر الدولة القديمة عن مصالحها الي صراع سلطوي بين السادة القدامي. مخرجات الصراع علي هذا الأساس لو انتهي الصراع مثلا بالتسوية ، سوف يضمن المركز الخليجي استمرار خضوع الدولة لهذا التحالف علي ان يتم تقسيم السيطرة بحيث يكون الوسط والشمال خاضعا للنخب النيلية بينما يسيطر بدو الصحراء علي دارفور. اما لو انتصر احد الطرفين فتظل البلاد أيضا تحت هيمنة النخب الاسلاموعربية. و بهذا الشكل يضمن الاسلاموعروبيين في الجزيرة العربية استمرار تبعية البلاد للسياق الحضاري الاسلاموعروبي بكل يتضمنه ذلك من استتباع ثقافي واقتصادي وسياسي.