يُمثِّل مقال الكاتبة المصريِّة "أماني الطويل"، الأسبوع الماضي، الرؤية المصرية/ الكيزانية ل(حربهما) على بلادنا. وتبتدر "الطويل" أمانيِّها بزيارة البرهان إلى (أبوظبي) – التي لم تتم أصلًا – قائلة إنّها تأتي كنتيجةٍ لتغيُّر موازين القوي لصالح قوات الدعم السريع خلال الشهر الماضي"؛ والحقيقة أنّ قوات الدعم السريع لم تتفوق في ميادين القتال الشهر الماضي، بل منذ ساعات الحرب الأولى، بعد أن امتصت سريعًا الصدمة الأولى عقب مباغتتها في مقراتها. كما تُحمِّل أماني البرهان وزر (تضخم) قوات الدعم السريع، فيما الدعم السريع لم يحقق انتصاراته المتتالية والمستمرة لأن قواته متضخمة، وإنما لأنها تمتلك عقيدة قتالية تمثل زادا معنويًا يُثبّت أقدامها في القتال، هذا إضافة لكونها تُعبِّر عن إرادة الكثيرين من سُكان الهامش السوداني، الذي سامته مليشيات الكيزان عسفًا على مدي ثلاثين عامًا، كما أنّ هزيمة الجيش – وهذا هو المهم- سببها الخيانة الوطنية، والمُتمثلة في ولائه لأقلية أيديولوجية، ولدولة أجنبيّة (مصر)، والجيش الخائن لا ينتصر؛ كما تعلم أماني، علم اليقين. وتصِف الكاتبة تحالف البرهان مع الإسلاميين بالمتذبذب، وهذا ليس صحيحاً أيضًا، فالبرهان لم يكن متذبذبًا وهو ينفذ إنقلاب 25 اكتوبر 2021، بتعليمات من (علي كرتي)، ومن (مصر) أيضاً، حيث سحق من خلاله بدم بارد أحلام الشعب السوداني بالحرية والديمقراطية وأوصل البلاد إلى الحرب والدمار، فيما لا تزال (الطويل) تسمي ذلك الانقلاب المشؤوم (إجراءات تصحيحية)؛ وتتقاصر عن وصفه بالإنقلاب، رغم أنه قضى بإعادة "الكيزان" إلى السلطة وإعادة أموالهم وعتادهم التي تحصلوا عليها فساداً؛ إليهم، فكيف يكون البرهان متذبذبًا؟ وكيف يكون انقلابه، إجراءات تصحيحية؟! إنّ رؤية مصر للسودان منذ ما قبل الحرب وخلالها وما بعدها، تنهض على أمرين اثنين: إلغاء وتغييب القوى الديمقراطية المُعبِّرة عن ثورة ديسمبر المجيدة، والقضاء على قوات الدعم السريع المتحررة من سيطرتها والمستقلة بقرارها عنها، وهنا تقول الطويل: "التكاليف السياسية والأخلاقية الباهظة التي قد يتحملها هؤلاء المنضوون في أي هياكل سياسية تابعة للدعم السريع"، وكانها تريد أن تربط قوى ديسمبر؛ سياسياً بالدعم السريع؛ وهي حيلة كيزانية/ مصرية من أجل إيجاد (مشجب) يعلقون عليه وزر الحرب التي أشعلوها في السودان، وهي غمزة غمز بها البرهان أيضًا بالأمس في القضارف! وليأس أماني، ومن يقفون خلفها، من تحقيق نصر عسكري لصالح حلفائهم كيزان الجيش، صارت -مثلهم- تروِّج لمعاركٍ أخرى؛ ربما يتحقق فيها النصر الذي عزّ في ميادين القتال، فدعت لتحرك أمريكي ضد قوات الدعم السريع، قائلة؛ "هناك إمكانية كبيرة لتحرك أمريكي ضد الدعم السريع على خلفية الانتهاكات في دارفور، وحزمة إجراءات جديدة لمواجهة تعنتها …الخ.". دون أن توضح لنا كيف ومتى تعنت الدعم السريع؟. ويبدو أنّ الطويل؛ تتحدث عن أمانيها التي ستطول، فقد ذكرت (الاغتصابات) أيضاً، وربما سقطت(الأعيان المدنية) عن ذاكرتها سهوًا، وإلاّ لكان اكتمل المشهد وأصبحت (بلبوسة) كاملة الأوصاف! وأمريكا التي تتمنى "أماني" حربها ضد قوات الدعم السريع، لديها معلومات وتقارير عن فظائع الجيش أكثر مما يتوفر ل(مركز الطويل الاستراتيجي)، المشارك في الحرب كطرفٍ أصيل، ثم لماذا وهي الخبيرة في مركزها، تصوِّر رد فعل الحكومة الأمريكية كحقيقة مضمون سريانها لصالح جيش الكيزان وراعيته (مصر)؟ وما نوعيِّة هذه الانتهاكات التي تجعل أمريكا تخوض حرباً خارجية من أجلها؟ وحالات قتل المصريين (تحت التعذيب) في مخافر الشرطة تقارب عدد ضحايا الحرب في بلادنا إن لم تفوقه، هذا إضافة إلى وجود أكثر من 50 ألف من رجال وشباب ثورة يناير في السجون والمعتقلات وتحت الاخفاء القسري، دون ذكر مذبحة (الإخوان) الشهيرة، وغيرها من الإنتهاكات الفظيعة التي ظلّت تقوم بها سلطة لا تزال تغتصب شعبها على مدار الساعة، فهل تدخل الجيش الأمريكي؟ معلوم أنّ الإعلام المصري -على اطلاقه- ماهو إلّا صدىً لصوت الحاكم، وصوت حاكم مصر الآن هو ذات صوت الكيزان، والمتمثل في عودتهم مرة أخرى إلى السلطة، وإقامة دولة ديكتاتورية قمعية شبيهة، وهذا لن يحدث في بلادنا مُجددًا، ليس فقط لأن الشعب كسر حجز الخوف في ثورة ديسمبر المجيدة ولفظ الكيزان إلى أبد الآبدين، بل أيضًا لأن مصير النظام في مصر كمصير الكيزان، ستلتهمه ثورة الفقراء والجياع والمعذبين قريبًا، بينما نظام الكيزان يتطفل ويعتاش من الجيش، وحال الجيش الآن يحكي عن مآله، ليصبحا معًا أنموذجاً لخلاصة التجربة البشرية، القائلة: "ما من نظام صارع الحرية إلّا وقصمت ظهره".