الحمد لله الذي أحيانا ولم يمتنا إلّا بعد أن أرانا بأم أعيننا، آيات الله المحكمات وعلاماته البينات وإماراته الواضحات، في نزع ملك جماعة الإخوان، التي أهلكت الحرث وأبادت النسل في بلاد السودان، فالحظ لم يحالف الذين انتقلوا للدار الآخرة من أصدقاءنا وأخوتنا، الذين لكم تمنوا حضور هذه اللحظات التاريخية الفاصلة، التي شابهت لحظات هتاف ذلكم الثائر التونسي الشهير، إبّان سقوط دولة الدكتاتور زين العابدين بن علي، حينما هتف صائحاً (لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية)، ولسان حال ذلك الفتى هو لسان حالنا اليوم، نحن الذين هرمنا حتى شهدنا زوال إمبراطورية الإخوان المسلمين، تلك المنظومة الحديدية التي تكسرت على تخوم قلعتها كل محاولات التحرر الثوري التي خاضها جون قرنق، واستكملها يوسف كوة مكي، وسار على دربها بولاد، ثم نجح في تحرير القلعة هذا الفتى البدوي القادم من أقصى أقاصي البادية يسعى، فقال يا قوم اتبعوني، اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهو محسن، فهرب و(عرّد) الإخوانيون و(جروا دنقاااااااااس)، حتى شارفوا على حدود السودان الشرقية، وكادوا أن يغرقوا في مياه البحر الأحمر المالحة والكالحة الزرقة، لقد ولى رأس الجيش المخطوف من قبل التنظيم الكهنوتي الإخواني، بعد أن حمي الوطيس في عقر دار القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية، التي سكنت بنيانها عقارب وثعالب الإخوان، وتبعه على درب ذات السُنّة السيئة قادة الفرق العسكرية في نيالا ومدني، ولدى أهلنا في دارفور مثلاً رائعاً يتطابق مقصده مع مهرجان الهروب الكبير لقائد الجيش ونوابه ومساعديه وقادة فرقه، وهو:(الجري بتوالف). ها قد رسم أشاوس قوات الدعم السريع ملمحاً تاريخياً جديداً، يؤرخ لحقبة زمنية بدأت منذ اليوم الأول لاعتداء كتائب الإخوان المسلمين على جيش الدعم السريع، وقد تأكد النصر المبين حالاً بعد تحرير مركز السودان النابض اقتصادياً – ولاية الجزيرة وعاصمتها مدينة ود مدني، منبع الإبداع الثقافي والسياسي والاجتماعي، هذا النصر المدهش والقاصم لظهر فلول النظام البائد، الذين تجمهروا سراً بهذه الولاية المعطاءة، كدأبهم في امتصاص خيرات البلاد أينما وجدت، وكعادتهم في تفجير الأرض ببراكين الحروب والأزمات أينما حلّوا، إنّهم هكذا لا يرعون لله إلاّ ولا ذمة، حينما تتدلى فاكهة أي مدينة من أغصانها، يلهثون إليها ركضاً لينزعوا الثمار عنوة من أفواه الأطفال الجالسين تحت ظلال البساتين اليانعة والمخضرة، إنّ جماعة الإخوان مثل آفة الجراد، التي إن حطت بمزرعة أحرقتها واحالت خضرتها لاصفرار وجفاف، هكذا أرادو أن يفعلوا بالجزيرة الخضراء، لكن سواعد الرجال النزهاء أقسمت على أن تحرم هذه الآفة من الفتك بقوت المواطنين، فدحرتهم ومنعتهم العبث بأمن السكان والمزارعين، وما أن وطأت أقدام الشباب المقدام أرض المحنّة، حتى استبشر الناس خيراً واهتزت أرض الجزيرة وربت وانبتت من كل زوج بهيج، وتلاقت الأيدي وتصافحت، وانعقد العزم على استئصال سرطان الجماعة الباغية، كيف لا وعاصمة الجمال في السودان لا يمكن أن ترضى بوجود الموتورين على أرضها، إلّا كرهاً، فهي مسقط رؤوس الموهوبين من صناع ابتكارات (الكفر والوتر) كرة القدم والموسيقى، وملهمة إنسان السودان طرق العيش الناعم والرقيق، السالك إليه من المسالك الفنية طرقاً ودروباً بين أحيائها وميادينها. بالسودان مدن مثّلت نقلات نوعية في حيوات الناس الاجتماعية والثقافية والسياسية والفكرية، ومن أمثال هذه المدن ذكراً وليس حصراً، أمدرمان ومدني ونيالا وكوستي وكسلا وبورتسودان والأبيض وعطبرة، تميّزت بإطلاق أشعة الاستنارة، فتحريرها يعني تحرير إنسان السودان من براثن الإرهاب الفكري والديني والنفسي، الذي مارسته جماعة الإخوان المسلمين سنين عددا بحق الناس، وكما هو مفهوم لدى صنّاع التغيير أن العدو الأول للدولة المدنية هو الإرهاب الفكري والقمع الاجتماعي والهوس الديني، ومدن السودان النابضة بالحياة والحرية والسلام قاومت الفكر الظلامي الإخواني، طيلة مكوث هذا السرطان بجسد هذه المدن المضاءة بالجمال وحب الحياة، لذلك نزل تحرير مدينة مدني حباً وسلاماً على قلوب المبدعين، من مطربين ورياضيين وموسيقيين ومسرحيين، فلتغني هذه المدينة الرائعة للسلام والأمن وخروج آخر إرهابي من أوكارها، ولتستبشر بمقدم صناّع الأمل داحري سدنة دولة الظلام، ولتعلي من صوت الساوند سيستم الصادح بأنغام الأوركسترا، ولتدع المنشدين للشعر الغنائي العتيق أن يتغنوا، فهزيمة الحرب وبناء السلام يأتيان من مدينة الفن والجمال، وكلمة الحب ومفتاح الأمان منطلقها هذه الأرض الخضراء المحتضنة لفسيفساء السودان، ولو قيل لباحث في الأنثربولوجيا أن خذ لنا عينة واحدة تجد بها كل خصائص السودان، لأخذ ولاية الجزيرة ووضعها تحت عدسة المجهر. [email protected]