في خضم الصراع المتصاعد في السودان، تتكشف أزمة موازية، متجذرة بعمق في العنف القائم على النوع الاجتماعي (GBV)، مما يمثل كارثة إنسانية وخيمة تتطلب اهتمامًا وعملًا عالميًا فوريًا. وقد شهدت الحرب، التي أصبحت الآن أرضًا خصبة للعنف خارج ساحة المعركة، ارتفاعًا كبيرًا في حوادث العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك العنف الجنسي، والزواج القسري، والعنف المنزلي، مع زيادة أزمة النزوح واللجؤ في تأجيج هذه الآفة. خاصة مع انتشار معسكرات ومخيمات التازحين واللاجيين وانعدام فرص الحياة والحماية اللازمة. حيث أفاد مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) بوجود ملايين من النازحين واللاجئين، وتفاقمت محنتهم بسبب ظروف الاكتظاظ وانهيار الأعراف الاجتماعية، مما يمهد الطريق لازدهار العنف دون رادع. بوالتاكيد ان ضحاياه من النساء والاطفال وهم الشريحة الاكثر عرضة لهذه المخاطر بما في ذلك الاستغلال. وسط الحرب المتصاعدة في السودان، برز الارتفاع الصارخ في العنف القائم على النوع الاجتماعي باعتباره جانبًا قاتمًا من الأزمة، مما أثار اهتمامًا وإدانة عاجلين من شخصيات عالمية رائدة في مجالي الصحة والشؤن الإنسانية. أدانت ناتاليا كانيم، المديرة التنفيذية لصندوق الأممالمتحدة للسكان، بشدة نشر العنف الجنسي كإستراتيجية للإرهاب، مؤكدة "الالتزام بالوقوف مع النساء والفتيات في السودان في سعيهن لتحقيق العدالة وتوفير العلاج الطبي الأساسي والاستشارة". من خلال متابعني اللصيقة لملفات ذات صلة بالنزوح واللجؤ، تبين بما لا يدع مجالا للشك اذ اصبحت الفئات الاكثر عرضة للعنف للاستغلال خاصة النساء والاطفال في ظل ظروف النزوح واللجؤ القاسية التي لا ترحم، مع انعدام الضمير الانساني والوازع الاخلاقي. واصبح استغلال الحاجة والفقر والعوز والخوف مدخلا اساسيا لتجارة الجنس القصري عن طريق الابتزاز او التهديد. وقد ردد الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، هذا الالتزام، حيث سلط الضوء على العواقب الوخيمة للعنف، بما في ذلك الهجمات على موسسات تقديم الرعاية الصحية، والتي تعيق بشكل كبير وصول الناجين إلى الخدمات الصحية الحيوية. ويشدد على ضرورة حماية النساء والفتيات من العنف الجنسي وضمان حصول الناجيات على الرعاية التي يحتجن إليها بشكل عاجل دون عوائق. وشدد مارتن غريفيث، من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، على حجم المأساة الإنسانية، مشددًا على الصدمة الإضافية التي لحقت بالنساء والأطفال في السودان بسبب العنف القائم على النوع الاجتماعي وسط فوضى الصراع. ومع وجود أكثر من 4.2 مليون امرأة وفتاة معرضات الآن لخطر متزايد للعنف القائم على النوع الاجتماعي، فإن هذه الأصوات الرسمية لا تسلط الضوء بشكل جماعي على الأزمة الإنسانية فحسب، بل على الأزمة العميقة للإنسانية نفسها، وتدعو إلى اتخاذ إجراءات فورية لحماية الضعفاء وضمان المساءلة عن مثل هذه الأعمال الشنيعة. إن الدعوات العاجلة لوضع حد للعنف الجنسي كسلاح من أسلحة الحرب، وتقديم الدعم الشامل للناجين، تؤكد خطورة الوضع. وتسلط الروايات المروعة عن العنف الجنسي بجميع اشكاله وانواعه ضد مجموعات من النساء والفتيات الضوء على مدى الأزمة، التي تفاقمت بسبب العقبات التي تواجهها الناجيات في التماس العدالة والدعم، وسط تدمير مرافق الرعاية الصحية والفوضى الشاملة التي باتت تعم البلاد. وعلى الرغم من هذه التحديات الهائلة، ما زال المجتمع يمثل حائط السد والسند الاساسي مما يتطلب رفده ليتمكن من مضاعفة النتائج الايجابية في مواجهة هذا الخطر الداهم. تعد المبادرات المجتمعية والشبابية حاسمة في مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي. ومن خلال حملات التوعية، وإنشاء مجموعات مراقبة مجتمعية، وإنشاء مساحات آمنة، تلعب المجتمعات المحلية دورًا محوريًا في منع العنف القائم على النوع الاجتماعي وتوفير الدعم للناجين. ويعمل الشباب، الذين يستفيدون من تأثير أقرانهم وخبرتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، كمدافعين أقوياء عن التغيير، وينشرون المعرفة ويحشدون الدعم ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي. ومن خلال التعاون الوثيق مع السلطات المحلية والمنظمات غير الحكومية، وإدراج الرجال والفتيان كحلفاء، تجسد هذه الجهود الشعبية استراتيجية شاملة تهدف إلى القضاء على العنف القائم على النوع الاجتماعي، مع التأكيد على المسؤولية الجماعية لحماية الفئات الأكثر ضعفاً ودعم الكرامة الإنسانية وسط فوضى الحرب. لا تسلط الحرب في السودان الضوء على التأثير المدمر للصراع على الفئات السكانية الضعيفة فحسب، بل تسلط الضوء أيضًا على قضية العنف القائم على النوع الاجتماعي المنتشرة والتي تهدد بتقويض نسيج المجتمعات لفترة طويلة بعد صمت الأسلحة، خاصة ما تنامي ظاهرة تنامي تجار الازمات في داخل وخارج السودان، وللاسف تقودها شبكات سودانية في استغلال فاضح ومرير لحاجة وضعف النازحين واللاجئين. تتطلب معالجة هذه الأزمة بذل جهود متضافرة من جميع أصحاب المصلحة لتوفير الحماية و العون القانوني والدعم الاجتماعي والنفسي بالاضافة الى الإغاثة الفورية للناجين، ومحاسبة الجناة، وفي نهاية المطاف، يجب ان لا نستسلم الى كارثة الحرب وتفكيكها لقيم المجتمع بل علينا النهوض وماجهتا وعزلها وتمهيد الطريق للسلام والاستقرار في منطقة مزقها العنف. سيكون التزامنا اولا كمجتمع مع المجتمع الدولي الثابت بهذه الغايات أمرًا محوريًا في التخفيف من أهوال العنف القائم على النوع الاجتماعي في مناطق النزاع ودعم صمود المتضررين وحقوقهم.