لعقود طويلة ظللنا محبوسين في خدعة الوطن والوطنية التي هي في الواقع سجن كبير تديره مجموعات من النصابين يسمون انفسهم الطبقة السياسية الذين يديرون السجن وتعيش اسرهم خارجه! نحن الان في دولة عالمية واحدة عاصمتها هي الدول الديمقراطية الكبري في العالم التي وصلت قمة التطور التكنولوجي والسياسي والانساني التي يحلم الجميع بالهجرة اليها وعلي اطراف هذه العاصمة توجد الدول التي تسمي نامية وفقيرة كالدول الافريقية فهذه الدول هي في الواقع سجون ضخمة تسمي الاوطان وسورها هو مفهوم الوطنية الذي تقوم هذه المجموعات من النصابين بضخه في رؤوس المساجين حتي يكونو حراسا علي اسوار السجن لتتفرغ هذه المجموعات من النصابين للتعارك علي ادارة السجن. فهم يفهموننا ان الوطنية تقتضي ان افتخر بشعبي وان اعتقد انهم افضل شعب في العالم وهذه هي الشوفينية وهي فكرة مريضة ويفهموننا ان بلدنا العظيم لامثيل له وهو اصل الحضارة واصل التاريخ وتتركز به كل موارد العالم وان كل الدنيا بكل قاراتها تتامر علينا في مؤامرة كونية كبري وهذا مايعرف في الطب النفسي بعلة الوهم الاضطهادي. الوطنية ماهي الا مجموعة من الامراض النفسية مع مجموعة من الاكاذيب والمغالطات التاريخية التي تقوم هذه المجموعات من النصابين بضخها بعنف في رؤوس المساجين وعقلهم الواعي والباطني معا. هذه الخدعة تجعلك منتفخا بالفخر وتعتقد انك افضل مخلوق في المجرة وانك انت و وطنك لامثيل لكما بينما في الواقع نحن مثلا في السودان مجرد قطعة عادية من الارض متوسطة الحجم والموارد تقع علي هامش الجغرافيا والتاريخ ويعاني شعبها من ازمة عقول وازمة ضمير ولكن هذا الاحساس الزايف بالفخر يقف معوقا عن القيام باي تحرك للأمام لاصلاح الواقع بينما يفي بغرض هذه المجموعات من النصابين التي تسمى الطبقة السياسية والتي تتفق علي مايسمي عندهم بث الروح الوطنية والوعي الوطني وهي خدعة السجن التي كلما احسو بكفر المساجين بها تجدهم يتحدثون برعب وخوف عن ضرورة تعزيزها بين الناس وراس المال الحقيقي لهؤلاء النصابين هو الابتزاز فهم يبتزون العالم الحر بضرورة دعمهم حتي لاينهار السجن وتاتيهم افواج المهاجرين وتعم الفوضي ويبتزون المساجين بقدرتهم علي حفظ الامن وتوفير حد ادني من حياة بائسة شبه مستقرة امنيا ويتفقون علي ما يسمونه السيادة الوطنية فالذي في السلطة هو السجان الراهن بينما منافسه المعارض يكون هو السجان القادم المحتمل و كل مايملكه هو انه السجان المحتمل القادم ويبني تحالفاته وعلاقاته مع كل من في السجن او له علاقة او مصلحة في السجن علي هذا الاساس ولكن اذا حدث اي تدخل خارجي حتي لو كان لمصلحة المساجين الذين يدعونهم بالمواطنين فان السجان المعارض يتحالف مع السجان الراهن علي اساس الدفاع عن السيادة الوطنية ويدعي النبل والتعالي وتناسي الخلافات من اجل الدفاع عن السيادة الوطنية بينما الهدف الحقيقي هو تحالف السجانين من أجل الدفاع عن تماسك اسوار السجن ويتم هذا الامر بمساعدة المساجين الذين تم خداعهم طويلا للدفاع عن السجن الذي بداخل اسواره لاتفيد النظرية السياسية كثيرا ولا تغير واقع انه سجن تديره محموعة نصابين ولا حتي الديمقراطية تغير هذا الواقع لان هؤلاء النصابين يفهمون الشعوب المسجونة ان الديمقراطية هي مجرد ماكينة إجرائية يتم تشغليها لاستنفاذ الافكار السيئة فلو انتخبت مجموعة ايدولوجية وفشلت فالديمقراطية تتيح فرصة ان تجرب غيرها وغيرها الي تاتي مجموعة جيدة بعد مائة عام مثلا! الديمقراطية ليست ماكينة لتجريب الافكار والايدولوجيا بل هي نفسها فكر وعقد اجتماعي للمجتمعات الحرة ولكن هذا الفهم الحقيقي لو ترسخ لدي الشعب المسجون سوف تنهار اسوار السجن فورا في حين ان هذا الفهم الإجرائي القاصر يجعلها مجرد وسيلة للتناوب علي إدارة السجن بين مجموعات النصابين مثلها مثل غيرها من طرق التعارك علي إدارة السجن ويجعلها بلا فائدة حتي لو بقيت لعقود طويلة كما في حالة السنغال ولبنان مثلا. اذا اردنا ان نطبق هذه الحقيقة عمليا علي واقعنا في السودان فيمكن القول اننا وصلنا مرحلة السجن المتداعي الذي لايمكن لملمة بعثرته كما حدث في الصومال ويحدث في بعض دول الربيع العربي الان فحتى بداية هذه الازمة كان هناك حديث ان النظام السابق اوبصورة اقل بعض الجهات المعارضة لديهم مقدرة علي اعادة تماسك سجن السودان ولكن نحن الان عبرنا هذه المرحلة ولم يعد امامنا سوي خيار ان يكون هناك نوع من الوصاية او التدخل الدولي سواء كان بغرض حفظ تماسك الدولة السجن او فرض واقع جديد فهذا اخر خيار و لايوجد الان اي وسيلة داخلية لاعادة تماسك السجن واذا اخذنا في الاعتبار انه هناك عدد من السجون علي حافة الانهيار في المنطقة فان اي تدخلي او وصاية دولية في السودان هو الان ضرورة لاستباق كارثة ديمغرافية كونية. [email protected]