وهل كان برنارد شو محقا؟ . كنت انزعج من فتاوى الفقهاء في الفضائيات وتناقضاتها هذا يحلل وآخر يحرم وهناك بالطبع مساحات للمكروه والمستحب واجماع الامة كل هذا الكم الهائل من الأدبيات والهرج والمرج كل هذا ناهيك عن الصراع بين مذاهب السنة والشيعة والسنة والشيعة فيما بينهما .. لكن الآن تتفاقم ظاهرة جديدة شبيهة بظاهرة "علماء" وفقهاء الدين وهي ظاهرة الاطباء وفتاويهم "العلمية" المتناقضة في مجال من اهم مجالات الحياة وهو صحة الفرد والمجتمع وقد أظهرت أزمة وباء الكرونة "حيرة" الطب والأطباء في مواجهة الوضع .. وكما كان يحدث بين الفقهاء اتشرت الخلافات بين اهل الطب في مجالات التشخيص والعلاج والتطعيم أثناء وباء الكرونة .. وأدى ذلك الى أن يصاب المتلقي بالكثير من التشويش والارتباك ولا يعرف ماذا يفعل تماما مثل ما كان يحدث في ما يستجد من مسائل الدين وما يصاحبها من فتاوى. قبل فترة عمت وسائل الاتصال الجماهيرية آراء من بعض الاطباء تحذر من تناول الحليب للانسان لأنه أصلا من المفترض أن يتغذى به صغار الحيوانات مثل العجول والبهم .. لكن في اليوتيوب عثرت على قناة لطبيب يعدد فوائد الحليب للإنسان وامعانا في الدراما فقد كان يتحدث وفي معيته "جريكان" من الحليب وكوب يصب فيه الحليب ويشرب منه أثناء الحديث "العلمي" عن فوائد الحليب منتقدا ومفندا آراء من لا يذهبون مذهبه .. رجعت بي الذاكرة الى سنوات الدراسة في مناهج ما قبل السلم التعليمي حين كنا ندرس فيما ندرس كتب لمشاهير كتاب اللغة الإنجليزية وقد كان كتاب حيرة الأطباء Dr.'s Dilemma للكاتب الإيرلندي الإنجليزي جورج برناردشو من بين الكتب التي اطلعنا عليها .. وقد تعرض الكتاب في ذلك الوقت للنقد من بعض النقاد معتبرين ان الكاتب جانبه الصواب في سخريته من الطب والأطباء .. والان اعادت جائحة الكرونا بعضا من المصداقية لآراء برنادشو في هذا الصدد بعد ان انتشرت الحيرة والارتباك بين الأطباء لمواجهة الأوضاع .. ومن حسنات ذلك النهج أن الطالب يدرس الكتب الإنجليزية في مادة الأدب الإنجليزي في المرحلة الوسطى قبل الثانوية في نسخة أعدت خصيصا لطلاب المدرسة الوسطى فيما عرف بالنسخة المبسطة: Simplified version أما في المرحلة الثانوية يدرس الطالب نفس الكتب ولكن في النسخة الكاملة: Full version. أقتبس بتصرف ما كتبته في هذا الصدد في مقال سابق يصف بعض المواقف التعليمية في ذلك الزمان: " في نهاية المرحلة الثانوية كنا أشتاتا من الطلاب جمع بيننا حب الأدب والحوار في شئوون الثقافة .. نتج عن طبيعة المنهج المقرر والمنافسة الأكاديمية فيما بيننا في ذلك العام الذي جلسنا فيه لامتحان الشهادة السودانية ، انقسامنا لفئتين مجموعة شكسبير وطه حسين والأخرى التي كنت انتمي إليها مجموعة العقاد وبرنادشو .. كنا نتبارى في استعراض شواهد النحو والبلاغة والتحاور في مقررات الأدب العربي والإنجليزي والجغرافيا والتاريخ والعلوم .. كان هذا الأسلوب يعيننا في استذكار الدروس من غير ملل وينمي التفاعل وتبادل الآراء ويشعل روح المنافسات الشريفة بيننا من جهة والطلاب الآخرين في الجهة الأخرى .. كانت الإمكانات متاحة والمستويات متقاربة والنفوس حرة تواقة للإنجاز مفعمة بالأمل والطموح .. كان المنهج الدراسي تقوده مجموعة من التربويين الأكفاء ومؤسسات تربوية محترمة مثل معهد بخت الرضا تخطط للتعليم والتدريب على أحدث نظريات التعليم ثم تربطها بواقع البلاد .. وهكذا يكون الطالب عندما يدخل المرحلة الجامعية يكون مسلحا بكل حقول المعرفة يتقن اللغة الأولى لغة الام اللغة العربية وأيضا اللغة الإنجليزية كلغة ثانية تمكنه من تحصيل علوم الحضارة المعاصرة .. كل ذلك كان يتم في تلقائية ويسر وتواضع خال من الصياح والهستيريا والأناشيد الحماسية التي تسيد بفلان الملهم وحكومة مجلس "الصحابة الأطهار" التي جاءت لإنقاذ البلاد والعباد من الفساد".. أما الآن ونتيجة لتداعيات هذه الحرب العبثية يتعرض كل شيء للدمار والتخريب والتشظي بعد أن هاجرت خيرة الخبرات واستمر هدر الإمكانات مما يستدعي جهدا جبارا لتجميع أطراف البلاد لتنهض من جديد … [email protected]