“إدع إلي دينك بالحُسني ودع الباقي للدَيان... أما الحُكم فأمرٌ ثان أمرٌ بالعدلِ تُعادله لا بالعمة والقفطان توقن أم لا توقن.. لايُعنيني من يدريني .. أن لسانُك يلهج بإسم الله وقلبُك يرقُص للشيطان" أحمد مطر . كثيرةٌ هي تلك الأناشيد “الجهادية" التي بح صوتنا ونحن نُعانق بها عنان السماء عندما كنا نجوب تلك الفيافي القاحلة بالولاية الشمالية جيئة وذهابا غداة كلِ صباح ودون أن ندري كُنهها أو لمن هي حتي!! حيث كانوا من خلالها عبثاً يحاولون إعادة إنتاجنا مرةً اُخري وقولبتنا في قوالب جاهزة لإستلابنا بتشيكل وعيٌ زائف وأذكر من ضمن ما كنت أردده ومعي أخرون “شرع الله طبقوا هنا في السودان طبقوا والزعلان كلموا يقع الخزان حدثوا ........إلخ" ولا أدري أي شريعة تلك التي طُبقت والتي في ظلها عم الفقر والجوع والمرض وإنتشرت البطالة والمحسوبية وإزداد الفقراء فقراً مع إتساع دائرته وإزداد الأغنياء غنيً مع تضييق دائرته فمن أين لكم هذا وأنتم لا لدنياكم تعملون؟! وهنا تستحضرني قصة الصحابي الجليل أباذر الغفاري رضي الله عنه حين سأل معاوية وهو الوالي علي الشام حينها عن ثروته قبل الحكم وبعد ذلك وعن ثروة الذين من حوله وهم قد أضحوا يملكون الثروة والجاه ثم قال لهم أنتم من نزل فيكم قول الله تعالي " والذين يكنزون الذهب والفضة ولاينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ...."الخ الأية فقال له معاوية إنها نزلت في أهل الكتاب فرد عليه أباذر الغفاري كلا إنها نزلت فينا وفيهم وماهي إلا لحظات وتناقلت الألسنة بالشام تلك الأحاديث التي دارت بين والي الشام وأباذر الغفاري فما كان من معاوية إلا وأن كتب لأمير المؤمنين عثمان بن عفان قائلاً له “إن أباذر قد أفسد الناس بالشام" فكتب أمير المؤمنين عثمان لأبى ذر طالباً مجيئه إليه وعرض عليه ما عرض من جاه وسلطان إلا أن أباذر قال لأمير المؤمنين " لا حاجة لي في دُنياكم" وغادره إلي بلدة الربدة حيث توفي هناك. والناظر اليوم إلي حكم هذه الطبقة التي تدعي أنها تمتلك حصراً حق التحدث بإسم الدين والتي ما فتئت تردد “لالدنيا قد عملنا نحن للدين فداء" يجد في أفعالهم العجب العجاب فأضحت عكس ما ظلت تردد فإستحوذت هذه الطبقة علي خيرات البلاد وإكتنزت ثرواتها فتطاول بنيانها ولا يجد أحداً منهم حرجاً وهو يُعَدِد ملايينُه التي سُرقت من داره كذا دولار كذا إسترليني كذا يورو كذا ين كذا ريال وكذا جنيه وغيرها من العملات والتي لأول مرة ترد علي مسامعي وبعد كل ذلك وغيره يخرقون أذاننا بشعارات من شاكلة “هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه" وأضحي السودان في ظل “شرع الله طبقوا" في مقدمة دول العالم فساداً فإنطبق فيهم قوله تعالي “وإذا قِيلَ لهُم لا تفسِدوا في الأرض قالوا إنما نَحنُ مُصلِحون ألا إنهُم هُم المُفسِدون ولكن لا يعلَمُون" صدق الله العظيم. أيضاً أذكر من ضمن ما كُنا نُردد “بين ليبيا والسودان والعراق واليمن وثبة للأمام فوق هامة الزمن ...." وحقاً إنها لوثبة ويالها من وثبة وثبةٌ إلي الوراء وثبةٌ قذفت بالعقيد القذافي ومن قبله صدام حسين إلي مزابل التاريخ وهاهو مجلس الأمن يدعو طاغية اليمن للتنحي وفقاً للمبادرة الخليجية ولعل وعسي أن يستجيب حقناً للدماء وحفاظاً لسيادة البلاد وحتي لا يلقي ذلك المصير الأسود الذي إنتهي بمن سبقوه من قادة ذلك التحالف السابق الذي شُكل أبان غزو العراق للكويت والساقية لسه مدورة ورياح التغيير التي تهب من حولنا حتماً ستقتلع طُغاة آخرين ليلاقو مصيرهم المشئوم , فقط المطلوب هنا من القوي الوطنية السودانية الإنحياز نحو الجماهير ووحدة الصف الوطني فالحوار مع النظام لن يُجدي مهما كانت الأجندة المطروحة علي طاولة الحوار ومن المؤكد أنه سيُفضي إلي لاشيء فهذا هو دأبُهم يقولون ما لا يفعلون " لمن تقولون ما لاتفعلون كبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لاتفعلون" صدق الله العظيم. إلا أنه ورغم كل ذلك إن رأت بعض القوي السياسية أن تنأي بنفسها عن صف الجماهير مفضلةً حوار الطرشان ذلك ولتصبح تمومة جرتق فإن الجماهير حتماً ستتجاوز تلك القوي التي فضلت الإرتماء في أحضان النظام بما مَنَ عليها من فضل ظهر فالجماهير هي صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير وهي “الفي إيدا القُدرة عدالة العوج" كما قال الشاعر حميد. أعود مختتماً لأقول بأننا ولجنا الجامعات وبعضاً من ذلك الهُراء عالقٌ بالأذهان لكنه سرعان ما تساقط وتلاشي جميعه مع تَشَكُل وعينا السياسي الحقيقي وعي بالحقوق والقضايا والتبصير بها لإنتزاعها . محطة أخيرة : “لا تصالح ولو منحوك الذهب أتري حين أفقأ عينيك ثم أثبت مكانهما جوهرتين هل تري ؟! هي أشياءٌ لا تشتري" ... أمل دنقل . لؤي عبدالغفور الميدان