تراقب دول الخليج العربي النوايا الايرانية والاسرائيلية لرفع مستوى الجدل حول برنامج ايران النووي واحتمالات الصدام العسكري لإيقاف تسارع العمل في هذا البرنامج. ويهتم الخليجيون كثيراً بانعكاسات مثل هذا الصراع على أمنهم واقتصادهم وسلامة اراضيهم، ولكنهم لا يريدون الوقوع في دوامة التصعيد الغربي مع إيران التي هي جزء من متغيرات إقليمية تمتد صوب العراق ولبنان وسوريا. الباحث عبدالعزيز الخميس يناقش انعكاسات ضربة اسرائيلية محتملة للبرنامج النووي الإيراني على المنطقة وردود الفعل الإيرانية والغربية والخليجية تجاهها. *** ينهمك الخليجيون في الوقت الراهن بقراءة وضع المنطقة وتطورات الصراعات داخلها. وفي الوقت الذي يهتم العرب بتداعيات الربيع العربي، يقلق الكثير من الخليجيين حول احتمالية بل حتمية توجيه ضربة عسكرية لايران لايقاف عمل برنامجها النووي. ورغم الضغوط الخليجية على ايران من أجل المزيد من الشفافية بشأن برنامجها النووي، والسماح برقابة دولية عليه، الا ان ايران تراوغ وتتمنع، وتهادن تارة ثم تكر اخرى، دون ان تجد من الخليجيين اية ردة فعل حاسمة، على الرغم من ان الخليجيين سيكونون اول المتضررين من هذا البرنامج. وقدمت الوكالة الدولية للطاقة النووية تقريراً ابرز قناعتها بعسكرية البرنامج النووي الايراني والكذب الذي تحيط به البرنامج، وعرضت صوراً بالاقمار الصناعية لمنشأة حديدية ضخمة مخصصة لأعمال تفجيرية. وأدلى خبير من جمهورية سوفيتية سابقة بمعلومات مهمة عن طبيعة عمله مع الايرانيين، كما عرض التقرير لبرنامج كمبيوتر اشترته ايران من كوريا الشمالية مخصص لانتاج الاسلحة النووية، وأورد أدلة اخرى تصب في مصلحة الاقتناع بأن ايران نعمل على مشروع عسكري لانتاج سلاح نووي. ولا تتمثل مخاطر البرنامج النووي في ابعاده السياسية من تقوية للنفوذ الايراني في المنطقة، بل ايضاً في تبعاته العسكرية من مواجهة ستذهب دول خليجية ضحية لها، واضرار بيئية جسيمة؛ اذ لا تبعد منشأة بو شهر عن العاصمة الكويتية الا 200 كيلومتر مما يجعل الشعب الكويتي تحت رحمة اي خلل في هذه المحطة. وعلى الرغم من هذه المخاطر لم تقدم الحكومة الكويتية على أية خطوات مهمة وفعالة للحد من هذا الخطر الذي قد يسفر لو تعرض المفاعل النووي في بو شهر الى آلاف الوفيات في الكويت نتيجة لكون ايران منطقة نشاط زلزالي مما يضاعف من مخاطر اي تجارب نووية تجريها. ويثير ابتعاد الشيخ محمد آل صباح وزير الخارجية السابق عن منصبه وهو من حذر من مخاطر البرنامج الايراني على محطات تحلية المياة في الكويت وبيئتها، وانفراد رئيس الوزراء الحالي بالحكم، والذي يتمتع بعلاقات قوية مع ايران، قلقاً في الكويت، كما لا يتوقع الخليجيون اية مواقف قوية او عملية كويتية ضمن المجهود الدولي لإيقاف الخطر الايراني. ويعتقد الخليجيون ان الموقف الكويتي قد يكون سلبياً او حتى غير موثوق به اذا كانت هناك أية مواقف مستقبلية ضد ايران بسبب وجود رئيس الوزراء الحالي في موقعه. ومما يثير الانتباه ان الحرس الثوري الايراني قام مؤخراً بترتيبات عسكرية ضمن خطة مهمة استعداداً لضربة اسرائيلية او اميركية او دولية مشتركة ضد ايران حيث قام بتوحيد جميع تشكيلاته في الخليج العربي وضمها لجبهة موحدة تبدأ من مضيق هرمز وتنتهي في شمال العراق. وقد شكلت هذه الترتيبات دلائل مهمة لصانعي القرار في الخليج ودول غربية حيث يتبين منها انه في حالة هجوم اميركي او اسرائيلي واندلاع فتيل مواجهة عسكرية ستدخل فيالق الحرس الثوري والجيش الايراني الى العراق لتحتله خاصة وانه سيصبح فارغاً من القوات الاميركية وبذلك تحقق ايران اهدافاً عدة وحلم قديم العهد باستعادة المدائن. ولو اقدمت ايران على هذا الفعل، فلن يكون مرحلياً بل سيكون ضمن استراتيجية عسكرية تدعي ان العراق لا بد وان يصبح ضمن مناطق التواجد العسكري الايراني للوقوف امام المخططات الاسرائيلية والتي يمكنها ان تتدخل برياً في ايران. ويتخوف الخليجيون من استراتيجية ايرانية للرد العسكري خلال المواجهة مع اسرائيل، قد لا تستثني دول الخليج، باعتبار منشأتها النفطية مصدراً لقوة الاقتصاد الدولي، ومهمة للدول المهاجمة خاصة الولاياتالمتحدة، بحيث يتم توجيه آلاف من الصواريخ على مناطق مهمة. وتتخوف قطر التي تعد نفسها الضحية الأقرب لسكين الجزار الايراني من ان تزيل هذه الصواريخ والقوارب الهجومية المسلحة كافة حقول الغاز القطرية التي تجاور ايران، ولا تبعد اقرب نقطة قطرية من الساحل الايراني سوى 70 كيلومتراً ولذا كانت الاستراتيجية القطرية مهادنة ولينة مع ايران ومحاولة لتهدئة الاوضاع، وكما قال وزير الخارجية القطري في وثائق ويكيليكس انه والايرانيين يكذبون على بعضهما البعض. لكن لا أحد يعرف متى تأتي لحظة المصارحة وانتهاء حبل الكذب الذي يربط بين الدوحة وطهران. وينظر السعوديون الى مدينة الجبيل الصناعية بما تحويه من منشآت ومصانع بتروكيماوية مهمة واستثمارات بمليارات الدولارات على انها مع مواقع نفطية في رأس تنورة وبقيق وغيرها هدفاً مهماً للايرانيين وخلايا حزب الله الحجاز التابعة للولي الفقيه في السعودية وعلى الرغم من تزود السعودية بشبكة ضخمة من صواريخ الباتريوت الاميركية الا ان المتوقع ان تدفع السعودية ثمناً مهماً. وأنهت السلطات السعودية تدريب اكثر من خمسة وثلاثين ألف عنصر أمني لحماية منشآتها النفطية. كذلك الامارات التي ستجد امامها تحديات مهمة اهمها التأثير الاقتصادي الكبير عليها والاضرار التي ستصيبها لو تجرأ الايرانيون ووضعوا اهدافاً اقتصادية إماراتية في مرمى صواريخهم. هناك وقت لكن في ظل هذا الخوف العارم والخشية من المواجهة العسكرية تتعالى أصوات محذرة الإيرانيين من المبالغة في رد الفعل ومؤكدة أن الايرانيين سينهون الجدل حول برنامجهم وان استراتيجيتهم تدور حول الوصول الى التقنية دون صنع السلاح لذا فلا خوف على الخليج أن تهاجمه إيران إلا إذا هوجمت. ويقول مارك فيتزباتريك المدير المسؤول عن برنامج عدم الانتشار ونزع السلاح النووي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إن اندفاع من ايران لتصنيع قنبلة نووية سيكتشف قبل توصلها الى جمع السلاح، او القيام بأي نوع من هذه المجازفات النووية. ويشير فيتزباتريك الى ان هناك وقتاً لمناقشة حل مناسب مع ايران لو شاء قادتها فعلاً السعي الى ايجاد حل. وإن الإيرانيين المتنبهين إلى واقع السياسة العالمية، يعترفون بأن الأسلحة النووية ستجعل من إيران هدفاً للعداء الدولي، كما ستشجع على الإنتشار النووي في المنطقة مما سيجعل الولاياتالمتحدة الأميركية تزرع مظلتها النووية في دول الخليج العربية وعلى الرغم من الإغراءات المطروحة أمام القادة الإيرانيين لإمكانية ترجمة القدرة النووية إلى واقع ملموس متى أتيح المجال لذلك. لكن عدداً من المحللين الدوليين يعتبرون أنّ إيران ستكتفي بخيار امتلاك الأسلحة النوويّة من دون الخوض في تصنيعها. ويشير فيتزباتريك الباحث الاستراتيجي ان ايران تهتم كثيراً بمسار البلوتونيوم وانها خصصت له دعما قويا ويعتبر أشد تطورا من دول اخرى، وانها على الرغم من المشاكل التقنية في موقع نطنز ومحدودية انتاج اجهزة الطرد المركزي فإن ايران قد صنعت بالفعل كمية لا يستهان بها من اليورانيوم المنخفض التخصيب وبمزيد من التخصيب فإن المخزون الحالي سيكون كافياً لصنع سلاح نووي او اثنين. وينتقد فيتزباتريك الزعماء الايرانيين ويشير الى انهم اعتزموا الحفاظ على غموض نواياهم في ما يتعلق بشأن السلاح النووي، ويتحدث الباحث الاستراتيجي عن ان تبرير ايران لنواياها بوصفها سلمية محضة لا يتسم بالمصداقية الفعلية. فالدول التي اكتسبت أسلحة نووية استخدمت من أجل ذلك نوعين من المواد الانشطارية: البلوتونيوم واليورانيوم الشديد التخصيب، كذلك شأن إيران التي تتبع هذين المسارين، فضلاً عن أن مسار البلوتونيوم الخاص بها أشد تطوراً من الدول الأخرى. ويوضح فيتزباتريك إن الأهداف المنشودة من مفاعل أراك لأبحاث تصنيع الماء الثقيل هي مدنية في ظاهرها فقط. أمّا بالنسبة لنوع المفاعل وحجمه، فهما يضاهيان المفاعلات المستخدمة في الهند وإسرائيل والباكستان لتصنيع البلوتونيوم الخاص بالأسلحة. لكن عملية فصل البلوتونيوم عن الوقود الذي يستنفذه المفاعل تتطلب قدرة على إعادة التصنيع لا تمتلكها إيران حالياً. ويرى المحلل الاستراتيجي فيتزباتريك إن خطر الانتشار النووي النّاتج عن مفاعل أراك ما يزال على بعد بضع سنوات، ويعود هذا التأجيل إلى حد مع إلى إخفاق إيران في تصنيع أو تحصيل المكوّنات المعدنيّة الضخمة اللازمة للمفاعل، لذا، فلن يتم الالتزام بالتاريخ المقُرّ في عام 2010 لاستكمال مفاعل أراك. أما إذا استخدمت إيران المكونات المحلية الخاصة بمفاعل أراك، فسيشكل ذلك خطراً على السلامة العامة. كما سيُشكّل بناء مفاعل للطاقة خاص بإيران في منطقة دارخوفين شمالي رأس الخليج، خطراً حقيقيّاً على السلامة والبيئة. أمّا بالنسبة لمفاعل الطاقة بوشهرالذي يُرجّح استكماله وتفعيله أوائل 2011 فقد يكون مصدراً محتملاً للبلوتونيوم المستخدم في الأسلحة، فمن الناحية النظريّة، معدّل تصريف مفاعل بوشهر السنوي للوقود المستهلك والمقُدّر بحوالي 52طنّاً، يحتوي على الكمّ الكافي من البلوتونيوم لتصنيع العشرات من الأسلحة النوويّة. ولكن من الناحية الفعلية، إنّ البلوتونيوم المستخدم في المفاعلات والناتج ثانوياً عن عملية توليد الكهرباء ليس صالحاً لإنتاج الأسلحة. ويوضح المحلل في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أنه مع ان إيران تستطيع تشغيل مفاعل بوشهر بشكل يصدر البلوتونيوم المستخدم في المفاعلات، إلا أنها لن تستطيع القيام بذلك دون لفت نظر المفتشين الدوليّين. وتستند مصداقيّة هذا السيناريو على تمكُّن إيران من بناء وإخفاء محطّة إعادة معالجة الوقود المسُتهلك الخاص بهذا النوع من المفاعلات مماّ يُشكّل تحدّياً تقنيّاً كبيراً. ويري فيتزباتريك ان مصدر القلق الأشد إلحاحاً في مسألة الإنتشار نابع من تطوير إيران لتكنولوجيا تخصيب اليورانيوم. ولقد عانى برنامج التخصيب القائم في نطنز من مشاكل تقنيّة ناتجة عن خلل في تصميم الدفعة الأولى من أجهزة الطرد المركزي واستعجال إيران في تركيب أكبر كمّ من هذه الأجهزة، وعمليّات التخريب الصناعي التي تعرّضت لها بما فيها عمليّات الاستهداف من خلال برمجيّات ستوكسنات المخربة عطّلت كلها مسار تقدمه وتفعيله. إن قدرة إيران على تشغيل أكثر من أربعة آلاف جهاز طرد مركزي في نطنز يقوضها عدم حصولها على المواد الخام والمعدّات اللازمة. وعلى الرّغم من ادّعاءات إيران بالاكتفاء الذاتي، فإنّ برنامجها التخصيبي ما يزال مرهوناً بالإمدادات الخارجية لبعض المواد والمكوّنات الأساسيّة. وقد تنجح إيران في تخطّي هذه العقبات مع مرور الزمن، لكنّ الضوابط الصارمة المفروضة على عمليّات التصدير، بالإضافة إلى التدقيق الإستخباراتي في الحركة العالميّة للسوق السوداء، سيُعرقلان حتماً قدرتها على توسيع إنتاجها. الخلاصة على الرغم من الضجة الدولية والتقارير التي تشير الى ان هناك تحركات اسرائيلية بمساندة اميركية لضربة جوية على المواقع الايرانية النووية الا اننا نشعر بصمت مريب ومخيف من قبل الدول الخليجية. حتى لو صح ما ذهب اليه الباحث الاستراتيجي فيتزباتريك من ان ايران في طريقها لكن ليست جاهزة لصنع السلاح النووي. الا ان دول الخليج لم توضح لمواطنيها هل لديها خطة متكاملة لمواجهة تبعات وانعكاسات الضربات؟ هل قامت الكويت بتجهيز مواطنيها لتبعات ضرب مفاعل بو شهر؟ هل انهت القوات الجوية والدفاع الجوي السعودي جاهزيتهما لمواجهة المطر الصاروخي الذي سينهمر على قطر والبحرين والسعودية؟ هل قامت الامارات بإكمال تكاملها مع درع الجزيرة، واكتمل الدرع الناري الخليجي الذي يتحدث عنه وزراء الدفاع الخليجيون لفترة طويلة؟ ماذا عن مجلس التعاون الخليجي هل لديه ادارة وفريق عمل وأزمات لمساعدة دول الخليج لمواجهة العدوان المنتظر؟ هل تنبه العراقيون لخطر الاجتياح الايراني المقبل واستعادة المدائن تحت شعار العراق منطقة آمنة لايران؟ اسئلة لا نجد عنها أجوبة سوى عمل ايراني دؤوب للوصول الى السلاح النووي يقابله كتف بارد لا مبالٍ من قبل دول الخليج العربية واعتماد على النوايا الاميركية والدولية. عبد العزيز الخميس