أكد استشاريون وأخصائيون سعوديون على أن حادثة الاعتداء على سيارة نظام "ساهر" المروري واحتراقها ومقتل سائقها والتي وقعت في محافظة القويعية ( 170 كم غرب العاصمة الرياض) "مرفوضة تماما"، مؤكدين على أنه يجب على القائمين على نظام "ساهر" تطويره وأخذ المقترحات والانتقادات بشكل إيجابي والاستفادة منها. كما طالبوا بأهمية إخضاع أي نظام مشابه للطرح أمام الرأي العام، وأخذ الاقتراحات وتعزيز وتعديل الثقافة التي تساعد على تقبله وبما يضمن نجاحه، مشيرين إلى أن "صور الرفض الاجتماعي" موجودة في كل دول العالم ويجب النظر لدلالتها معتبرين الحادثة عملا "شاذا" يجب تجريمه وتطبيق العقوبة الشرعية على مرتكبه. رصد الرأي العام ومن جهته، قال د. عبدالعزيز الدخيل أستاذ الخدمة الاجتماعية المساعد بجامعة الملك سعود ل "العربية.نت" إن "الحادثة تشمل جريمة قتل، وهي غير متوقعة كصورة من صور الرفض الاجتماعي التي عادة تصدر من فئات معينة في المجتمع السعودي نحو أي مشروع أو نظام ". وأضاف د. الدخيل "الانتقام الاجتماعي عادة موزون بالفعل لكن أن يتم هكذا وعلى أساس الاعتراض على نظام تغريم مخالفات فهذا مستغرب. أتوقع أن تكون هناك دوافع أخرى ستكشفها التحقيقات أما أن يكون ذلك للانتقام من "ساهر" فلا أتوقع". وتابع: "ربما هناك خلاف شخصي مع السائق، أستبعد ان يكون ذلك للانتقام من "ساهر" وقد يكون الموضوع اكبر بكثير. إنها ليست ردة فعل فالتعبير بالرفض عندنا لا أتوقع ان يصل لهذه الدرجة، وظاهرة تخريب الممتلكات العامة موجودة في كل بلدان العالم، فهناك فئات موجودة دائما في كل مكان لديها روح الرفض لأنظمة أو تشريعات تراها قيودا قاهرة بشكل أو بآخر. وغالبا ما تكون طريقة تعبير هؤلاء مباشرة وأبسطها ما نراه مثل الكتابة على اللوحات والجدران". ويضيف: "أتمنى دائما من الأنظمة الجديدة أن ترصد الرأي العام قبل وأثناء طرح أي مشروع أو نظام يتعلق بتغيير السلوكيات والثقافة المجتمعية، مع احترام الرأي الآخر وسماع الملاحظات. وللأسف حاليا لا نرى ذلك فيما يتعلق بنظام "ساهر" رغم كثرة الانتقادات". إشكالية "ساهر" ويضيف د.الدخيل أن "ما يجب على "ساهر" التفكير فيه هو التركيز على القيادة الآمنة وليس فقط السرعة. لماذا التركيز على السرعة، هناك فرق بين التهور والسرعة وضبط الأخيرة في أماكن معينة"، معتبرا أن أبرز جوانب المشكلة تكمن في أن "سوء القيادة هو المشكلة الرئيسية، ومن المؤسف أن ثقافة وأخلاقيات القيادة الآمنة غائبة". وحول المخالفات، يعلق د. الدخيل " المشكلة أنه حتى العقلاء حصلوا على مخالفات من "ساهر"، من منا لم يحصل على مخالفة منه. و من ناحية اجتماعية سلوكية، من الخطأ أن نعتبر أن المخالفة المالية هي التي تؤدب الناس"، وقال إن " العقوبة اللاحقة من ضمن أسباب المشكلة .. لماذا لا يطبق الدفع الفوري؟ ويجب ألا يُلزم الكفيل بدفع غرامة مكفوله، يجب أن يدفع الغرامة المخالف الفعلي الذي يقود السيارة ويكون الدفع فوريا على غرار ما يحدث في دول عالمية، وعلى "ساهر" أن ينصت للاقتراحات ويحترمها". مشكلة ثقافة ومن جهته شدد د.خالد بن عوض بازيد استشاري الطب النفسي و رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الملك سعود بالرياض على أن ما حدث هو "جريمة مرفوضة تماما، فما ذنب هذا الإنسان حيث كان يقوم بعمله المكلف به"، مضيفا: "أي مشروع اصلاحي له وعليه، ومشكلتنا الأولى هي مشكلة ثقافة قبل أن تكون مشكلة سلوك". وأشار إلى أن هذا الاعتداء هو انعكاس يمثل شريحة - نرجو أن تكون قليلة - لديها قابلية الرفض و التحدي ضد أي نظام، وقد تكرر ذلك في السابق بشكل أو بأخر". وتعرض د. بازيد لجوهر المشكلة من وجهة نظره قائلا: "ربما فداحة الجرم و الاعتداء ضد نظام "ساهر"، مرجعها مساسه بالرواتب الضعيفة لدى بعض شرائح المجتمع، إضافة إلى غياب الثقافة الكافية مما أدى إلى ردة فعل غير متوقعة وبهذا الشكل المرفوض"، مضيفا "أحيانا يتذمر الناس من حد السرعة ب 70كم/الساعة في منطقة خالية غير مكتظة بالمرور". وافترض د. بازيد أن "ساهر" أحد وسائل تحسين القيادة، و"لكن كان يمكن أن يتقبله الناس أو أكثرهم لو سبقه تعزيز أو غرس ثقافة القيادة الآمنة و أهمية المحافظة على الأرواح والممتلكات التي هي من صميم المواطنة الحقيقية". ويضيف: "في رأيي، قد يكون الاستعجال في تطبيق نظام "ساهر" وراء الرفض و ردود الفعل المتشنجة". أما مدير عام المرور بمنطقة الرياض مدير برنامج "ساهر" المروري العقيد عبدالرحمن المقبل ففضل عدم التعليق على الأمر حاليا مكتفيا بالقول: "هذا فعل شنيع، والقضية جنائية في يد الجهات المختصة، ثم أرجو ألا يوجد أو يلتمس أي عذر بأي حال من الأحوال وتحت أي ظرف". على طريقة أفلام الأكشن وكانت وسائل الإعلام قد تناقلت قبل أمس الأول حادثة مقتل شاب يبلغ من العمر 23 عاماً، بعد أن فتح مجهول النار من سلاحه الرشاش على إحدى سيارات نظام "ساهر" لرصد المخالفات مما أدى إلى انفجار خزان الوقود واحتراق كامل السيارة وتفحم الشاب الذي تلقى رصاصة قاتلة في الرأس. يذكر أنه ومنذ بداية نظام "ساهر" المروري، الذي أكدت الإحصائيات نجاحه في تقليص نسب الحوادث والوفيات بشكل ملحوظ، تعرض لانتقادات تعتبره نظام (للجباية) والتغريم ولم تتوقف المطالبات حتى على مستوى شخصيات ومسؤولين وأعضاء في مجلس الشورى وكتاب أعمدة تطالب بإعادة النظر فيه وتخفيف الغرامات. بالمقابل ومع كل يوم يمر يتمكن الشباب عموما من ابتكار وسائل للحد من اصطياد "ساهر" لهم مثل نزع أو تمويه لوحات السيارات الأمامية أو دهنها بالزيت والشحم، وكذلك اقتناء أجهزة تكشف مواقع الكاميرات وتباع عن طريق التواصل عبر المنتديات والمواقع الإلكترونية.